عقيدة الموت والإنتحار عند الإرهابيين، لها مدارس ومناهج قديمة وحديثة. استرخاص الحياة كقيمة عليا لا يمكن تبريرها. التضحية شيء آخر. الأسباب والنتائج ليست واحدة. عدمية سوداء لا تشبه سوى نفسها. اشاعة العنف والفوضى لها مقدّمات. بلدان تحوّلت الى مستنقعات آسنة يهرب منها الطير والبشر والحجر، وتحكمها مخلوقات كانت على هيئة بشر فيما مضى.
أوكار ومقرّات لقمم بلا قواعد ولرؤوس بلا أجساد. القطيعة والمعاداة بين الجسد والروح. بلدان بلا أرواح. تيجان مذهّبة لممالك من نحاس، ولسلطنات من غبار وطين. مواكب رئاسية مهيبة لقادة وزعماء يعبرون على أجسادنا. انتصارات مؤجّلة وهزائم لم يُعترف بها أبدا. هزيمة الإنسان والأوطان.
&مدارس الإجرام تستلم عبد الله الفقير جاهزا للموت. لا سبب يدعوه لمواصلة الحياة. فالحياة عقوبة. لم يكن كذلك حين وُلد. من السائد تعلّم وتشوّه وانحرف. أشياء كثيرة قتلت فيه قبل موته. أولها الأمل.
العالم المتحضر يستقبل القتلة الكبار على السجّاد الأحمر. وفي قاعات المؤتمرات حول الإرهاب ارهابيون بأربطة عنق أو بدونها. الصفقات السرّية تجري كالعادة بين المجرمين الكبار في الكواليس المعتمة. الجميع مستفيدون من الإرهاب. الخاسرون هم الأبرياء في كلّ مكان. الحياة تخسر والموت ينتصر. معادلة الأقوياء.
"لا يوجد أبرياء". كان هذا هو جواب الإرهابي العالمي الشهير"كارلوس" عشية أحداث الحادي عشر من سبتمبر2001 في مقابلة له مع صحيفة اللوموند الفرنسية من داخل سجنه.
البراءة صعبة التوصيف. جزمات الموت لا تكترث بالأقدام الحافية للحياة.
رهان الإرهابي على الجنّة وعلى حوريات السماء يقابله رهان البريء على برّ الأمان في هذه الدنيا. مفهوم الخلاص مختلف في الحالتين. لليأس درجات. وللأمل أيضا. هما الآن معا في أشدّ حالات الصراع وتبادل المواقع. طبيعة التعايش بينهما انحسرت كثيرا. تفتيت وحدة الأشياء مستهدفة. الخيار الطبيعي للتعايش بين الأمل واليأس بات من حكايات الماضي البعيد.
قبر من أجل العراق. الحفرة من صنع حكّامنا والمعاول من الخارج. مخلوقات اليأس وأمراء الفشل يعرفون ذلك جيدا. الإرادة سيف من خشب. عمياء وكسيحة. لا وجود لها سوى في الأغاني والأشعار المستهلكة. زراعة اليأس تبدأ من هنا. هذا أوان الموت والحصاد.
لا من الدين ولا من الإسلام ولا من العادات والتقاليد المحلّية تنشأ ثقافة الموت. بل من اليأس. اليائس شرس وعدمي ومجروح. وما أخطر اليأس حين يهدّد الأجيال الشابّة. يغزوها كلّ يوم ويسدّ عليها المنافذ والمسارب.
&هو عبد الله الفقير. ابن الحروب العبثية التي لم يقرّر خوضها بنفسه. ابن التنمية الفاشلة وضحية تبديد ثروات بلاده. ابن الغياب والذهول والشحوب والإنتظارات الطويلة على ضفاف الأنهار المقدّسة. كان جميلا حين وُلد مثل جميع أطفال العالم. صار وحشا في عالمكم البشع.
من هو الإرهابي إذن؟. السبب أم النتيجة؟. الكافر أم ناقل الكفر؟. اليائسون المحطّمون من أبناء أحزمة الفقر والتهميش والإذلال أم تجّار الأحقاد والضغينة وغسل الأدمغة؟.
وقبل أن تبحثوا عنهم في الدواوين الرئاسية ومقرّات الأحزاب الحاكمة وفي خطط السفارات ومراكز القرار العالمية، ابحثوا أيضا في نواياكم وطموحاتكم وأحلامكم التي لم تعد انسانية.

باريس
[email protected]&
&
&
&