&
تبرز مع كل ثورة جديدة تضرب المجتمع بصورة جذرية في مجال ما من مجالاته المتعددة وعلى مستوياته المختلفة، ظواهر جديدة تمثل انعكاس لاثر تلك الثورة ونتائجها على المجتمع بجميع مجالاتها، ورد فعل لتلقي الناس اصداء هذه الثورة على مساحات الحياة التي يعيشيون في ظلها في وقتهم الحالي.
ومع الضخ غير المحدود لنتاجات الثورة الرقمية ممثلة بوسائل الاتصال التكنولوجية وتطبيقاتها المتعددة ، ازدادت وطأة التحديات الجديدة التي أملتها على الانسان طريقة تعامله مع اجهزة الكترونية حديثة رافقته في حياته وممارساته اليومية الاعتيادية، واضحى لايستطيع، تحت ضغوط الحياة الجديدة ومتطلباتها، ان يتخلى عنها او حتى ان يجد بديلا عنها يمكن ان يؤدي دورها ومهامها.
ولذا تجسدت هذه التحديات في خلق ظاهرة جديدة رافقت تطور وسائل الاتصالات الحديثة التي &تؤدي عدة اعمال تعود بالفائدة المباشرة على الانسان، فجهاز الهاتف الحديث الذي يحمله ملايين البشر يقوم بعدة مهام في آن واحد ، فهو يجري اتصالات هاتفية ويمكنه متابعة البريد الالكتروني للشخص ، وكتابة ملاحظات فورية بالاضافة الى سماع مقاطع من الموسيقى ومشاهدة الفديوات والدخول الى الانترنيت بعوالمه الواسعة وغيرها من الامور التي استطاعت تلك الهواتف النقالة توفيرها لحاملها.
وقد قام الباحثون بالعديد من الدراسات والبحوث حول اثر هذا الجهاز على حياة الانسان وما يستغرقه من وقت يقضيه معه، حيث كشفت دراسة جديدة ان الانسان يستخدم هاتفه الشخصي 5 ساعات باليوم ، اي انه يقضي ثلث وقت يقظته في اليوم الواحد مع هاتفه النقال.
وبيّنت الدراسة التي نُشرت يوم 28-10-2015 ان الانسان يقوم بفحص هاتفه 85 مرة باليوم.
ويوضح عالم النفس جيرمي دين بان نتائج الدراسة جاءت بعد سؤال مجموعة من الناس تتراوح اعمارهم من 18 - 33 عام ، حول فترات استخدام هاتفهم الشخصي، وتم مقارنة الاجوبة بتطبيق تم تحميله في الهاتف يحسب فترات استخدام الهاتف المحمول ، وقد تضمن الاستخدام فتح الايميل والنظر لمعرفة الساعة واستخدام التنبيه واستعمال الفيسبوك وتويتر وبقية وسائل التواصل والالعاب واليوتيوب وغيرها من التطبيقات التي يستخدمها الانسان كل يوم.
وقد رافق قيام هذه الاجهزة بتأدية مئات المهام والواجبات ظهور حالة النوموفوبيا & Nomophobia اي (No-Mobile-Phone-Phobia) التي يعرّفها المختصون بانها حالة الخوف او القلق التي تعتري الانسان حينما لايكون جهازه النقال قريبا منه وتحت مرأى عينيه وهي الحالة التي اعتبرتها صحيفية الديلي ميل البريطانية، في دراسة نشرتها في 4 مايو عام 2012 ، بقلم ايدي مورين، بانها " اكبر فوبيا في العالم"،&
المصطلح ظهر الى الوجود قبل 7 سنوات وتمت صياغته من قبل مؤسسة SecurEnvoy التي اشارت، وعلى لسان رئيس هذه المؤسسة اندي كيمشل، الى ان اول دراسة عن هذا الموضوع كانت قبل اربع سنوات وكانت نسبة من يقع تحت تأثير النوموفوبيا هو 53% بينما الدراسات الحالية اشارت الى ان النتيجة قد وصلت الى نسبة 66%، كما وجدت دراسة اخرى لباحثين من جامعة ماريلاند ان نسبة 74% من الناس يمكن ان ينطبق عليها النوموفوبيا.
يضع الباحثون مجموعة من الاسئلة تقود الاجابة عليها الى تشخيص حالة الاصابة بالنوموفوبيا وهي :
هل تشعر بالاضطراب حينما يصبح هاتفك النقال بعيدا عنك ؟
هل يؤذيك مجرد شعورك بفقدان هاتفك ؟
هل تقوم بفحص هاتفك عدة مرات في اليوم وبشكل يزيد عن المعدل الطبيعي ؟
اذا كانت الاجابة على الاسئلة التي تم طرحها اعلاه نعم.. فانك تعاني من النوموفوبيا...
وقد تعرضت في مقال قبل فترة لهذه الظاهرة واشرت الى ان الباحثين الذين درسوا هذه الظاهرة، وهم بالمناسبة قلائل بسبب ان هذه الظاهرة حديثة جدا، قد وجدوا ان الاعراض التي تجعل من الشخص يمكن ان يوصف بهذه الظاهرة هي كما يلي:
- عدم اغلاق الهاتف النقال.&
- فحص الهاتف والنظر له لمعرفة الاتصالات الفائتة والايميلات بصورة مفرطة.
- عدم الانتقال من غرفة الى غرفة اخرى في داخل بيته او مكان عمله من غير حمل الهاتف معه.
- شحن الهاتف النقال بصورة مستمرة.
- استخدام الهاتف وحمله في اماكن غير ملائمة كالحمام .
- الامساك بالهاتف حالما يستيقظ صاحبه من النوم وحتى قبل ن يقوم من فراشه .
- امتلاك عدة هواتف نقالة.
- يصبح الهاتف وتطبيقاته مدار للحديث في العمل والمدرسة واللقاءات.
وبسبب هذه الظاهرة المستشرية بصورة كبيرة في المجتمع المعاصر تجد بعض الباحثين مثل جي ري بيرن يشير الى السؤال الاستفزازي الذي طرحه موقع " يورتانكو" الذي تساءل " هل يمكن ان تواعد شخصا لا يمتلك هاتفا ذكيا ؟ ووصل الحد بالكاتب رون دويل الى البحث عن سبب حب جهاز الايفون بدرجة كبيرة جدا وتساءل : هل من الممكن ان نحب هذا الجهاز اكثر من والدتنا ؟ في حين نرى ان الباحثة شيري بورج كارتر وجهت اسئلة مهمة تقول فيها:&
كم مرة رايت شخصين جالسان لكن كل منهما مهتم بهاتفه اكثر من الاخر ؟
كم مرة كنت تتحدث مع شخص ثم فجأة قلت عفوا وتركته لتجيب على هاتفك ؟
كم مرة رايت انسان ما يهرول مثل كلب بافلوف حالما يدق هاتفه او يهتز او ياتيه مسج ؟
بالطبع هي اسئلة ليس استفهامية بل استنكارية وغرائبية تخفي ورائها انتقاد هيام الانسان بهذه الاجهزة وولعه به ولبرامجها وتطبيقاتها على حساب العلاقات الاجتماعية التقليدية التي تقهقرت في مقابل تنامي وصعود علاقات الــ " أون لاين".
بعض الباحثين يربط بين مرض النوموفوبيا والادمان على استعمال الهواتف المحمولة ، اذ يوكد السايكولوجي جي وينج في دراسته حول موضوع النوموفوبيا ان نصف من تم اختبارهم في جامعة ستانفورد عام 2010 قد وجد لديهم نوعا من الادمان على هاتف الايفون، اما الدراسة التي قامت بها جامعة ريتجورج في نيو جيرسي فقد دلت على ان جهاز البلاك بيري قد ادى الى زيادة الادمان على استعمال البريد الالكتروني والانترنيت حتى أن الرئيس اوباما قد قال سابقا انه مدمن على البلاك بيري !، بل ان بعضهم من فضل ان يتخلى عن ممارسة الجنس اسبوعيا على ان يتخلى عن هاتفه النقال !.
نعم هنالك بعض الباحثين مثل مارتن لندستوررم يرفض وجود علاقة ادمان بين الشخص وهاتفه النقال ويؤكد ان ماهو موجود هو علاقة حب وليس علاقة ادمان!، وقد استخدم لندستوررم جهاز التصوير بالرنين المغناطيسي FMRI ، واشار في مقالته" انت تحب الايفون في الواقع" التي حصلت على وصف اكثر مقال تم ارساله في الايميل، الى ان الناس عندما يفكرون في تلفوناتهم فان منطقة في الدماغ تدعى insula تصبح اكثر فاعلية، وفاعلية هذه المنطقة تشير الى شعور بالألفة، وانت اذا اردت ان تُقبل الهاتف او تحضنه فانت لست بمدمن، الا ان الدكتورة كيلي مكجونيكال، وهي باحثة في مجال علم النفس ، ترى عكس ذلك وتؤكد ان العلاقة بين بعض الناس وبين هواتفهم هي علاقة ادمان.
وقد بحثت السايكولوجية اليزابيث واترمان في ظاهرة النوموفوبيا وعقدت جلسات علاج في مركز مورننج سايد في كاليفورنيا وحاولت ان تجد تفسيرا لهذه الظاهرة، حيث اوضحت " هنالك عدة اسباب لربط الناس مع هواتفهم...اذ يكون الهاتف لدى بعضهم مثل غطاء الامان ...فهو يشعرهم بالامان حينما يعرفون ان بامكانهم الاتصال لطلب المساعدة وقتما شائوا ..وبالنسبة للأخرين فان فحص تلفوناتهم باستمرار وبصورة مفرطة يُسكن ويخفف عنهم قلق الظن بانهم يفتقدون شيئا ما او هنالك طارئ ما يحتاجون ان يتحضروا له" .
واترمان شدد على ان المصابين بالــ" نوموفوبيا" يخافون من فقدان اتصالهم مع العالم الخارجي لذلك نحاول، كما تقول واترمان، ان نجعلهم يفهمون بان الاخرين لن ينسوهم حينما يقطع بهم الاتصال لعدة ايام...وانت ايضا لن تنقطع عنهم" .&
&
باحث في مجال السوشل ميديا
&
&
لمتابعة سلسلة مقالاتي حول عوالم السوشل ميديا في ايلاف :
&
ماذا فعلنا لمواجهة الارهاب الرقمي في تويتر؟
http://goo.gl/m7SpgF
مشروع الفيسبوك الجديد... ومبدأ حيادية الانترنيت
http://goo.gl/Ya30i9
الطائفية الرقمية واقنعة العصر الافتراضي
http://goo.gl/YuFwFA
الفيسبوك وخلافات السياسيين الداخلية
http://goo.gl/jwzz6n
هل استجاب التيلغرام لنداءاتنا؟
http://goo.gl/KBrlIy
ملاحظات حول صفحة اوباما على الفيسبوك
http://goo.gl/AvHq53
&
&
التعليقات