تصريحات المرشح الرئاسي الجمهوري الأميركي دونالد ترامب الخاصة بمنع دخول المسلمين إلى الولايات المتحدة، ووصفه لهم بالتطرف والإرهاب وأيضاً بـ "الحيوانات"، خاصة بعد حادثة هجوم سان برناردينو بولاية كاليفورنيا التي أودت بحياة 14 شخصاً وجرح العشرات من الأميركيين.. أثارت الكثير من الجدل على الساحة، حتى في أميركا نفسها، لأن هذا التصريح يحمل الكثير من العنصرية والفاشية والنازية، وقد يؤدي إلى مزيد من التطرف والإرهاب.. فقد قوبلت بانتقاد لاذع داخل الأوساط الأميركية، حتى أن البيت الأبيض أدان هذه التصريحات واعتبرها متناقضة مع القيم الأميركية التي تنتصر للمساواة والحرية وحقوق الإنسان، وعدم التفرقة على أساس ديني او عرقي..

لكن الأيام التي تسبق انتخابات الرئاسة الأميركية كثيراً ما تحمل أقوالاً غريبة ومتطرفة يستخدمها المرشحون كنوع من الدعاية الانتخابية، من هنا استغل ترامب حادثة كاليفورنيا وشن هذا الهجوم على المسلمين حتى يكسب ود الناخب الأميركي الذي يربط أكثريته بين الإسلام والإرهاب، متجاهلاً مسلمي أميركا الذين يصل عددهم إلى حوالي 12 مليون مسلم.. ومسلمي العالم الذي يقترب عددهم من 1.6 مليار مسلم..!

هذه التصريحات العنصرية التي وردت على لسان هذا الترامب، أثارت استهجان الحزب الجمهوري نفسه الذي يمثله، لأن ما ذكره يتعارض مع سياسة الولايات المتحدة التي تنبذ العنصرية، ولا تفرق بين مواطنيها وفقاً للأديان، الأمر الذي يهدد استمرار ترامب كمرشح عن الحزب الجمهوري في الانتخابات المقبلة..

نحن كعرب اعتدنا متابعة الانتخابات الأميركية على استحياء، وأحياناً نتعاطف، بل ونتمنى فوز مرشح ما، نستبشر به خيراً، مثلما حدث مع الرئيس الحالي باراك أوباما باعتباره من أصول أفريقية، والذي سعدنا بوصوله إلى البيت الأبيض ولمسنا فيه تعاطفاً مع المسلمين والإسلام، ورغم ذلك خيب ظننا ولم يكن الرئيس الذي كنا نتمناه.. والسبب أن سياسة امريكا وأهدافها الخارجية الاستعمارية لا ترتبط بشخص الرئيس، بل هي سياسة عليا يضعها كبار المسؤولين من الكونجرس والبنتاجون واللوبي اليهودي، وما على الرئيس سوى تنفيذها.. لذلك سنرى الأيام القادمة وحتى يحين موعد الانتخابات في 8 نوفمبر 2016 الكثير من الهجوم على الإسلام، في مقابل التمسح في اللوبي الصهيوني الذي يتحكم برأسماله في سير العملية الانتخابية، ويوجه بوصلتها إلى حيث يريد.

ورفم ذلك، يجب ان يعلم هذا الترامب أن تصريحاته المتطرفة ستكون في صالح الإرهاب، ويمكن أن يتخذها البعض ذريعة لمهاجمة الغرب وقتل الأبرياء بعد أن أظهر ترامب عنصريته تجاه المسلمين، فقد يعتقد البعض أن وصول هذا المرشح إلى البيت الأبيض سوف يكون بادرة للحرب على الإسلام، رغم أن الولايات المتحدة وليس غيرها مسؤولة عن انتشار الإرهاب في الشرق الأوسط من أفغانستان ومروراً بالعراق ثم تنظيم داعش الذي لا يفرق بين ديانة أو جنسية في الذبح والقتل..

لا شك أن الشرارة الأولى لانتشار الإرهاب في المنطقة العربية أشعلتها أميركا بغزوها للعراق بعد ادعائها كذباً بامتلاكها أسلحة نووية، ليبدأ تنظيم القاعدة في التكوين على أرض الفرات، ليتمخض هذا التنظيم ويلد "داعش"، لتبدأ أنهار الدماء تتدفق فوق أرض العالم العربي، ويبدأ مخطط تقسيم الأمة في التنفيذ على أرض الواقع.

إذا كان هذا الترامب يبحث عن حل عملي ناجع، فعليه أن يسال نفسه عن المتسبب الأول في وصولنا إلى هذه الحالة، ومن الذي صنع الدواعش ليعيثوا في الأرض ذبحاً وفساداً.. وبدلاً من منع المسلمين من دخول أميركا يمكنه أن يلجأ للحوار مع الجالية الإسلامية في أميركا ويتعاون معهم لمعرفة الأسباب التي دفعت الإرهابيين لتهديد الشعب الأميركي وحرمانه من الأمن والأمان.

والذي لا يعلمه ترامب أيضاً أن هذه التصريحات النازية قد تحرمه من الوصول إلى البيت الأبيض، لأن أميركا بل واللوبي الصهيوني نفسه ليس على استعداد للدخول في صدام مع الإسلام، لأنه يعلم أن هناك موتورين من الإرهابيين ينتمون إليه قد يلجأون للانتقام نتيجة شعورهم بالدونية والتحقير من شأنهم، خاصة وأن هؤلاء يمثلون العدو الخفي المبهم الذي من الصعب التوصل إليه لتحديد موقعه ومواجهته، فهؤلاء الإرهابيون مثل خفافيش الظلام يظهرون فجأة ليضربوا ضربتهم على حين غرة ثم يختفون، وهذا هو سبب انتشار مفهوم "الإسلاموفوبيا" بين دول العالم الغربي، الذي يجب عليه الآن، التحاور مع الإسلام المعتدل وليس معاداته أو محاربته، وعدم التعامل معه تحت شعار "كل مسلم إرهابي".

&

كاتب مصري

[email protected]