قبل أيام كنت في مقهاي الذي اجلس فيه بإستمرار.. هو مقهى جميل ذو ديكور كلاسيكي بسيط وجذاب يرى الجالس فيه كل المنطقة المحيطة بكل طبيعتها الخلابة عندما تكون خضراء صيفا.. وبيضاء عند سقوط الثلج شتاء.. ويرتاده الطلاب الجامعيون وبعض الأكاديميون والمثقفون.
&يقع المقهى الذي يقدم لزبائنه القهوة الأمريكية بمختلف نكهاتها في زاوية بين شارعين يطل الجالس فيه عبر نوافذة الزجاجية الكبيرة الى المارة والأجواء الجميلة حين تساقط الثلوج في الشتاء أو وقت إخضرار الأشجار في بداية فصل الربيع وعز الصيف الذي يعتبر إمتدادا للربيع بكل أجوائه.
في تلك الجلسة حين أكون وحيدا غارقا في لحظات التأمل التي تسرقني كل يوم إلى عوالم من الأفكار المتزاحمة في عقلي ، أعشق التغريد عبر التويتر.. هذه الوسيلة العجيبة التي جعلت هذا العالم الكبير قرية صغيرة.. يتحادث فيه الناس ويتحاورون من كل أقطار الأرض وكأنهم في نفس المقهى الذي أجلس فيه.
وهذا التطور الهائل في وسائل الإتصال لم يأت من فراغ وإنما بفعل جهود العقل الجبار الذي سخر فكره لخدمة الحياة وتسهيل طرق العيش للناس، في الوقت الذي يسهر فيه المتخلفون ويختصمون من اجل هدم الآثار التاريخية وتحريم كل الوسائل العلمية، وذبح الإنسان البريء بدون سبب!
فكرت في عالم العرب.. ووجدت أنهم يعيشون أسوأ مراحل حياتهم التي لم تكن بتلك الجودة والرقي من قبل. ويشدني متابعة السياسة العربية التي لسوء حظنا أصبحت الهم الوحيد لمكونات الشعوب العربية على حساب التنمية التي تعاني من تخلفها كل الشعوب العربية.. ولأن السياسة العربية بشكل عام تتشابه في تناقضاتها وتخبطها منذ أن وعينا فهم المعنى الحقيقي للسياسة وخاصة بعد غزو صدام للكويت عائدا من هزيمته في إيران.. ثم هزيمته مرة أخرى في الكويت، وقد تم الضحك على العقل العربي في تلك الحروب الخاسرة التي سماها صدام بالقادسية استجرارا للتاريخ.. ثم أم المعارك التي صورت الجندي العراقي المنسحب ذعرا من الكويت وهو يقبل بسطال الجندي الأمريكي... الى نهاية التاريخ المؤلم لكل تلك الهزائم (الإنتصارات زورا ) حين سقط الطاغية، لتبدأ سلسلة من الهزائم الحضارية لأخلاق الإنسان العربي ممثلة في بزوغ فكر جديد يتقمص اللباس الديني ويذبح كل شيء باسم الدين مستغلا انتقال تلك الشرارات من بلد عربي إلى آخر تحت مسميات ربيعية وغيرها لتعكس الواقع العربي المحتقن في كل مكان وهو يموت من اجل الحرية التي ما أن تجري إليه بشوق جارف حتى يرفضها وقد عاد اللاشعور فيه يحن لحياة الإستبداد والعبودية!
ووجدت أن السياسة العربية تتعامل مع الواقع والمستقبل تحت تأثير الأوهام التي وصفتها في تغاريدي بالأوهام التي تتحول مع مرور الوقت لتصبح عقيدة: تجعل السياسي رهينة وقد أخضع السمع كثيرا للذين يلعبون على أوتار مخاوفه حين يوهمونه بأعداء وهميين كي يتخلى عن الساحة الداخلية لتبقى مرتعا لهم.. أولئك المتاجرين بقيم الفضيلة بحثا عن مصالحهم الخاصة دون أن أي أدنى إنتماء للأوطان التي يكفرون بقدسيتها أو بتلك الأنظمة التي تصغي اليهم كثيرا فيجرونها الى الهاوية وكلما خرجت تلك الأنظمة من حرب أو مشكلة... ركض المتاجرون بقيم الفضيلة ليدخلوا الأنظمة في حروب لا نهاية لها عبر بث الذعر والخوف من ذاك العدو في الوقت الذي يعم الفساد تلك البلدان العربية وتهدر الأموال في حروب لا ناقة لبعض العرب فيها ولا بعير أو حتى حمار أو جحش صغير.
ويظل المتاجرون بالفضيلة مستمرين في بث المخاوف كي يتمدد نفوذهم وتقوى شوكتهم إستعدادا لمايرونه اليوم الموعود والمحسوم لصالحهم كي يبدأوا مع الأوطان مسيرة أخرى بإتجاه الماضي!
&وسوف انقل لكم هنا تلك التغريدات أو التغاريد.. مثلما كتبتها في حسابي على التويتر كي تقرأوها بعيون متفحصة.. لأنني عندما كتبتها لم أتكلف كتابتها بقدر ما كنت في لحظة إنسجام مع النفس، فاستسلمت لإيحآت الفكر وكتبت دون مراجعة لأية تغريدة... وعندما قرأتها لاحقا وجدت أن فيها ما يستحق القراءة. فاقرأوا معي تلك التغاريد التي ربما أن أكثركم لم يقرأها:
&التغريدة الأولى: في السياسة عندما تخلق أوهاما لتصبح مع مرور الوقت: عقيدة...! فستكون ضحية تلك الأوهام: العقيدة!
التغريدة الثانية: ما الحل إذن للتخلص من عقدة الأوهام التي أصبحت عقيدة ؟
الحل هو: أن أنظر للأمور وللواقع وللسياسة بعين أخرى غير التي كنت أنظر بها من قبل!
التغريدة الثالثة: وأن أتخلص من عقدة المسلمات الإيديلوجية وأعترف بنقصي كمخلوق أو ككيان أو كسياسة وأحسن الظن في الآخر وأتقبل التعايش معه مهما إختلف معي!
التغريدة الرابعة: وأن أغير طريقة تفكيري.. فإذا كنت أتعامل مع الظروف بنفس التفكير التي أخسر بها كل جولاتي السياسية فلماذا لا أجرب طريقة أخرى ؟!
التغريدة الخامسة: وأن أنطلق من مبدأ واضح...
صحيح.. أن السياسة يهمها المصالح أولا.. لكن المبدأ الذي لا ينبثق من زاوية عنصرية أو طائفية يحقق إنجازات هائلة!
التغريدة السادسة: فمشكلة السياسة العربية.. أنها لاتجعل الإنسان محور إهتماماتها.. لذلك تخفق! والإنسان: بتنوعه وكل أطيافه.. محور لكل سياسة تطمح أن تنجح!
التغريدة السابعة: وكل سياسة تنطلق في رؤيتها من زاوية الأوهام التي تصبح مع مرور الوقت: عقيدة... تتورط في محاور الإيديلوجيا.. ولابد من التخلص من عقدة تلك الأوهام كي تتخلص من& الورطة!
التغريدة الثامنة: والدليل على ما أقوله عن عقدة الأوهام العربية كمثال من أمثلة كثيرة: أن محمد مرسي مجرد أن أصبح حاكما بإختيار شعب متنوع: سقط في فخ الوهم فأصبح طائفيا لايمثل شعبا!
التغريدة التاسعة:وقد تورط مرسي في فخ الوهم لأنه حرص على كسب جهات معينة، ليس إنطلاقا من مبدأ أو مصلحة شعب.. وإنما حرصا على الكرسي الذي بهره سحره بسرعة!
التغريدة العاشرة:ومهما كانت السياسة لعبة قذرة.. يظل للمبدأ المتشوق للحق والعدالة والحرية: مفعوله السحري لصناعة النجاح والنصر والتفوق!
التغريدة الحادية عشر: وعندما قال مرسي في ملعب كرة القدم: لبيك يا سوريا!
لم يقلها كموقف سياسي وإنما كموقف أيديلوجي صنعه الوهم طمعا في إرضاء القوى التي لم يتعود على فهم طريقة تفكيرها فسقط السقطة الكبرى، وكان بإمكانه أن يعلن موقفه السياسي دون اللجوء لسياسة الوهم المصطنع!
التغريدة الثانية عشر:كما أن استغفال عقول الناس عبر سياسة الوهم في القرن الواحد والعشرين لم يعد يجدي نفعا!
فالناس تساءلت عن رسالة مرسي الى أخيه العزيز (العدو) بعد شهر من استلامه الحكم..وتفاجأت من حرصه على الجهاد في بلد عربي مسلم!
التغريدة الثالثة عشر: ولم تنس الناس تلك العبارات التي كان يرددها حزب مرسي لإحراج حكم حسني مبارك ( خيبر.. خيبر ) التي إختفت تماما في شوارع القاهرة بعد حكم مرسي!
التغريدة الرابعة عشر: والوقوف مع شعب لتحريره من طغيان مستبد: لايحتاج الى اللجوء لسياسة الوهم وإنما الى قيم الحرية!
التغريدة الخامسة عشر: ومن يريد أن يناصر الشعب السوري.. فليدعو الى تحرير كل فئات الشعب من ربق الإستبداد وليس الى تحرير فئة وقتل فئات أخرى.. ولينادي بقيم الحرية!
التغريدة السادسة عشر: وليكن المبدأ واحدا في كل الحالات بعيدا عن سياسة الوهم الذي يتحول مع مرور الوقت الى عقيدة فاسدة! فالعقيدة الفاسدة لا تنحاز للحق ولا تدعو للحرية!
التغريدة السابعة عشر: إن الخلط بين السياسة والوهم: فشل!
مثلا: أستطيع أن أقول أنني ضد الصين من منطق سياسي.. ولكن من الغباء أن أقول أنني ضدها لأنها شيوعية!
التغريدة الثامنة عشر: وكلما لجأ السياسي إلى إلباس السياسة بلباس ايديلوجي، كلما كبر الوهم في عقله وأصبح عقيدة.. وحقيقة.. لا وجود لها سوى في خياله الواهم!!
&
هكذا كانت تغاريدي.. ولكن.. ليس هكذا يجب أن يستمر حال السياسة العربية التي يجب أن تتعامل مع عالم جديد بعقول تجيد فهم هذا العالم الجديد. فمن غير المعقول أن يكون أي ممثل سياسي أيا كان حجم منصبه لا يجيد التعامل مع الانترنت.. ووسائل الإتصال. ولايستطيع قراءة التحولات الداخلية والخارجية.. ولا يملك النظرة الثاقبة والقادرة على وضع استراتيجيات التغيير الحقيقي وليس الشكلي، ويكون أساس ذلك التغيير الفكر الذي تنتجه العقول المفكرة وليس العقول المكفرة.
فالعقول التي تفكر قادرة على استقراء الحاضر واستشراف المستقبل، أما العقول المكفرة فليس لديها سوى النبش في الماضي بحثا عن دليل لصناعة موت أو كراهية.. ودائما يخيفها توثب الحاضر وبروق أنوار المستقبل!
كما أن الإلتفات للداخل.. وتحصينه بالقوانين التي تحميه وتحفظ للإنسان كرامته وحقوقه ورفاهيته في بيئة تنعم بالعدل والمساواة: هو أكثر أمانا واستقرارا لكل نظام وكل دولة وكل شعب بعيدا عن القفز هنا أوهناك بحثا عن بطولات وهمية أكبر من القدرة على القفز.. أو الإنجرار وراء أوهام يصنعها المتاجرون ويرسمون لها محاور تضر بمصالح الأوطان الطامحة للأمن والإستقرار ولا يهمها تلك العنتريات التي تضعف قوى الداخل على الإتحاد الأهم!
وليتجه كل وطن عربي للإنكفاء الى ذاته.. يبني وحدته الداخلية، ويبحث عن السبل التي تأخذه نحو التطور في كل مجالات الحياة!&&
&&&
&