أصبحت عادة عربية أوربية أمريكية أن يطلق المسؤول أو السياسي التصريحات التي تعبر عن وجهة نظر وتوجه دولته في أي أمر سياسي، وبناءا على ردود الفعل على تصريحاته هذه إما أن يؤيدها إن كانت ردود الفعل عليها إيجابية، أو أن ينفيها بطريقة اللف والدوران إن كانت ردود الفعل عليها سلبية، كأن يقال " لقد اسيء فهم التصريحات" أو " لقد أخرجت التصريحات من سياقها"، وهذا ما حصل أمريكيا مع تصريحات وزير الخارجية الأمريكي "جون كيري" يوم الأحد الخامس عشر من مارس الحالي مع قناة "سي بي إس" الأمريكية التي قال فيها: " الولايات المتحدة ستضطر إلى التفاوض مع الرئيس السوري، من أجل ضمان انتقال سياسي للسلطة في سوريا...لابد أن نوضح أنّ هناك تصميما من الجميع من أجل السعي لحل سياسي لحمل الأسد على التفاوض وتغيير حساباته بشأن المفاوضات ". وبعد ردود الفعل المنتقدة لهذه التصريحات الكيرية، حاولت "جين ساكي" المتحدثة الرسمية باسم وزارة الخارجية الأمريكية تخفيف هذه الانتقادات، وأيضا بطريقة ملتوية لم تنف التصريحات بل حاولت اللف والدوران حولها للتمويه فقد قالت: " إنه بحكم الضرورة كان هناك حاجة لأن يكون ممثلو الأسد جزءا من عملية التفاوض..و إنّ الأسد لن يكون ولم يكن أبدا هو الذي يتفاوض "...أليست محاولة تخفيف حدة الانتقادات لتصريحات كيري بهذا التصريح ل "جين ساكي" يزيد الطين بلة كما يقول المثل العربي؟. ما الفرق أن يكون المفاوض هو الأسد شخصيا أو ممثلون عنه؟ وهل سيكون الممثلون عنه سوى ناقلين حرفيا لما يرى ويريد؟.

علاقة التصريحات بالملف النووي الإيراني
أرى أنّ هذه المواقف الأمريكية الجديدة ليست منفصلة ولا بعيدة عن المفاوضات النووية مع النظام الإيراني في لوزان السويسرية، هذه المفاوضات التي نتج عنها اجتماع بين كيري ووزير خارجية إيران محمد جواد ظريف تحت غطاء "محاولة كسر الجمود في المحادثات " أعقبها جولة مشتركة مشيا على الأقدام في شوارع لوزان كصديقين حميمين، وهو في واقع الحال تقديم تنازلات أمريكية أوربية أيضا ستمهد لرفع العقوبات الدولية على النظام الإيراني بحيثيات غير مقنعة منها: " الحد من البرنامج النووي الإيراني أو أن تثبت إيران أنّه ليس مخصصا إلا للأغراض السلمية أو تأجيله لعشر سنوات ". وما الواضح أنّ التأجيل لهذا البرنامج النووي الإيراني لن يلغيه فيمكن استئنافه بعد السنوات العشر المتفق عليها، وأيضا يمكن الاستمرار فيه بطرق سرّية وفي مواقع جديدة بعيدة عن أعين فرق التفتيش والمراقبة الدولية. و تصريحات جون كيري لم تكن معزولة ولا بعيدة عن مواقف الرئيس الأمريكي باراك أوباما التي قال عنها تقرير لصحيفة "الفايننشال تايمز" في لندن ، أنّ الرئيس أوباما يستعد لاتخاذ أكبر مقامرة في سياسته الخارجية بإبرام اتفاق مع إيران، وأنّ اوباما سيمضي قدما& في توقيع الاتفاق مع إيران بشأن برنامجها النووي وسيتجاهل المعارضة داخل بلاده والمعارضة في أغلبية الدول في منطقة الشرق الأوسط.

نتيجة الاتفاق لصالح بشار الأسد أم ضده؟
يرى كاتب تقرير الصحيفة البريطانية المشار إليه " أنّ التوصل إلى اتفاق مع إيران حول برنامجها النووي سيستمر إلى الأبد وليس لعام واحد، وستنهي طهران دعمها لحزب الله وللرئيس السوري بشار الأسد وغيرهم ". إنّ هذا الرأي يتجاهل حقيقة الدور والتطلعات الإيرانية في منطقة الشرق الأوسط التي هي في الحقيقة تطلعات توسعية ونفوذ لن يتوقف بعد ما حقّقه في المنطقة خاصة في لبنان حيث حزبهم المدعو حزب الله دويلة داخل الدولة اللبنانية نفوذه أكثر من نفوذ الدولة اللبنانية التي لا تجرؤ أجهزتها الأمنية وجيشها الرسمي دخول مناطق الحزب المغلقة، وأيضا ما حقّقه النظام الإيراني في سوريا من خلال دعمه المتواصل بالرجال والمال والسلاح والنفط لنظام بشار في مواجهة تطلعات الشعب السوري نحو الحرية والديمقراطية والكرامة، وأخيرا وليس آخرا نفوذ طهران في اليمن من خلال جماعتهم الحوثيين الذين يتفاخرون علنا بتوقيع اتفاقيات متعددة مع النظام الإيراني، امّا النفوذ الإيراني في العراق فلا جدال فيه إذ أصبح العراق بكامله وليس بغداد فقط عاصمة للإمبراطورية الفارسية ألإيرانية القادمة حسب تصريحات علي يونسي مستشار الرئيس الإيراني حسن روحاني .بعد كل انجازات التمدد والنفوذ الإيراني هذه لن يتخلى النظام عن دعمه لحزب الله ونظام بشار الأسد والحوثيين والأنظمة العراقية المتوالية المساندة له حيث يتجول الجنرال قاسمي سليماني أحد قادة الحرس الثوري الإيراني والمصنّف أمريكيا وفي عدة دول كإرهابي علنا في العراق وسوريا من دمشق إلى درعا& والجولان وجنوب لبنان ، وفي العراق يبدو هو الحاكم الفعلي لعاصمة الامبراطورية الفارسية، ويتطلع لنفس التجول في مملكة البحرين التي يعتبرها ملالي طهران محافظة إيرانية. لذلك فإنّ هذا النفوذ الإيراني سيستغل الاتفاق مع أمريكا والدول الأخرى من أجل المحافظة على هذا التوسع والتمدد الذي هو حلم فارسي منذ مئات السنين مخزون في الثقافة الشعبية الإيرانية والوجدان الإيراني للمواطن والرئيس وعضو الحرس الثوري. وكنتيجة خاصة بالثورة السورية فإنّ الاتفاق الأمريكي الإيراني لن ينتج عنه سوى اطالة عمر نظام بشار الأسد مما يعني المزيد من القتلي واللاجئين السوريين والبراميل المتفجرة، وهذا يلقي الضوء أيضا على إرهابيي داعش وخليفتهم الذين يوجهون كل سلاحهم نحو العرب والمسيحيين والإيزيديين وسبي النساء ونزع الصلبان عن الكنائس كخطوة أولى نحو هدمها، ولا يطلقون رصاصة على جيش بشار الأسد أو حلفائه الإيرانيين وحزبهم اللبناني.
www.drabumatar.com

&