الشطر الثانى من اسمى هو تيمنا باسم لرجل بهودى هيلينى (ذو ثقافة يونانية )اعتنق المسيحية فى سنيها الاولى وجاهر بها وسط اليهودية، وعلى الفور اجتمع (فقهاء)اليهود ليطبقوا عليه (الحد ) ،قيدوه ووضعوه فى وسط ساحة المعبد وأرسل (الشيوخ) المنادى ليجول فى شوارع المدينة لاستدعاء المتطوعين للرجم وكذا كل من يرغب فى التشجيع والفرجة المجانية على العرض، وسرعان ما توافدت جماهير(الغيورين)على العقيدة الراجمين والمشجعين وكانوا كثر، رجموه حتى الموت وسط تهليل (ونكبير) المشجعين، وكان صاحب الاسم اليونانى هو أول من سجله تاريخ المسيحية كأول من مات فى سبيل ايمانه ،وانتشر الاسم فى كل المسكونه ومنها تلك البقعة التى أحدثكم منها فى صعيد مصر الادنى حيث ولدت ونشأت وقضيت ستى مراهقتى الاولى ،تلك البقعة التى يعلو فيها الان صوت نواح الثكالى والارامل واليتامى على الدفعة الاخيرة من ضريبة الدم التى يدفعها الاقباط بانتظام منذ القرون الاولى وحتى اليوم، دفعوها ذبحا وحرقا وصلبا وابادة وتهجير وسبى واستعباد ،دفعوها للفرس والروم والعرب والاتراك والمتأسلمين الجدد ، وربما لازالت هناك أقساط متأخرة عليهم يتوجب دفعها بفوائدها ومنهم هذا القسط الاخير الذى دفعوه راضين كعادتهم ، قسط الدماء الغزيرة التى سالت من رقابهم فى فجر الاحد فبل الماضى، أسماء يونانية أخرى انتشرت مع الهجرات المتوالية من الشمال الى الجنوب عقب الانتفاضات المتوالية لأقباط الشمال البشموريين زراع وتجار ورق البردى الحرفة التى توارثوها عن اجدادهم الفراعنة الأول سكان دلتا النهر وساحل المتوسط المشبعين بالثقافة اليونانية التى استقوا منها أسمائهم بعد اعتناق المسيحية فى الربع الاخير من القرن الأول.وقد دأب هؤلاء على الثورة ضد المحتلين كل المحتلين فى كل العصور فرس وروم وعرب، وفى آخر موجات هذه الثورات استجلب الخليفة المأمون أشرس قادته لقمعها وذبح مئات الآلاف ومن تبقى هرب عبر النهر الى الجنوب على امتداد الوادى ومنها هذه البقعة فى الصعيد الادنى حيث كانت أحوال الاقباط هادئة نسبيا ،كانوا أغلبية عددية على الضفة الغربية للنهر ميسورى الاحوال وسرعان ما امتزج البشموريون مع أهل عقيدتهم وتزاوجوا ونتج نسل ذو سمات تتشابه حتى اليوم مع بعض سكان الدلتا وشمال الصعيد وأواسطه حيث البشرة البيضاء والشعر الأصفر والعيون الملونة ، وبالطبع والفطرة كانت الكتابة والقراءة مقصورة عليهم وكان كل الصيارفة وعمال الوزن والقياس والخراج ونظار وكتبة الابعاديات والاقطاعيات كانوا كلهم أقباط ،كما كانت حرف بعينها تكاد نكون حكرا عليهم كالتطبيب والأجزجة والاسكافبة والنجارة والتفصيل ويالطبع مهنة أجدادهم الاول الزراعة، وظلت هذه المنطقة البعيده نسبيا عن مركز الحكم مستقرة نوعا ما الى أن وصلنا أواخر ستينات القرن الماضى، حيث هزم المصريين فى الحرب وبعدها توقف النهر عن الفيضان بعد اكتمال السد العالى ثم تولى السادات الحكم.

وسوف نرى كيف تفاعلت تداعيات هذه الاحداث الثلاث على هذه المنطقة التى لازلنا نتحدث عنها ،أما عن الحرب فتأثيرها طال الجميع يتيقى توقف فيض النهر وتولى السادات الحكم بحد وفاة عبد الناصر ، وهما الحدثان الذان قلبا الموازين ،حيث تنامت التيارات الاصولية وتغير نمط الحياه الهادئ والمسالم بين الاقباط وجيرانهم مما أثر تأثيرا بالغا على وضعهم الاقتصادى حيث بدأ الصراع الحياتى يأخذ الطابع الايدلوجى المستند الى الدين ، الدين الذى يعتبر الاقباط مجرد أهل ذمة يجب أن يعاد النظر فى معاملتهم لتقليص نفوذهم قدر الامكان ، كما كان توقف النهر عن الفيضان سببا فى زيادة نفوذ جماعات وأفراد لم يكن لهم أى تأثير، حيث استولوا بالقوة وهو الأسلوب الذى لايجيده الأقباط استولوا على أراضى طرح النهرالتى لم يعد النيل يغمرها وهى مساحات شاسعة على الضفتين ولم يكتفوا بذلك بل استولوا على كل الظهير الصحراوى المتاخم ،ومن هنا نشأت مراكز قوى جديدة تستند على الارض والدين وبالتالى النفوذ ، وتقلص نشاط الاقباط حتى فى المهن التى كانت حكرا عليهم حيث بدأت جامعة الازهر فى ضخ اعداد سنوية هائلة من الاطباء والصيادلة وغبرهم، ومع خلفية العنف والتمايز الدينى والعرقى الذى تبناه ورعاه السادات بدأت أحداث القتل تتناثر فى أرجاء المنطقة على خلفية الدين ، وتغولت جمعيات مشبوهة يتمويل مشبوه وضخت كما هائلا من الكراهية ضد الاقباط دفعوا ثمنه دماء كثيرة وغزيرة ،وباتت هذه المنطقة بؤرة ملتهبة منذ أواخر السبعينات وحتى اليوم ،وأصبح الاقباط بين شقى رحى الفقر والكراهية ،الا أن الانحناءة الخفيفة للنيل تجاه حدود ليبيا شجعت الشباب العاطل والمضغوط نفسيا شجعته للهروب ناحية الغرب، وذهبوا الى ليبيا حيث كان القذافى لايطبق نظام الاسترقاق المسمى بالكفيل، كما أنه كان كابحا لنشاط الاصوليين المعادى للاتجاه العروبى الذى كان بتيناه ،وبدأت معاناتهم مع الهجرات القسرية بسبب عقيدتهم كما عانى أجدادهم، ومع ترهل نظام مبارك واهمال الصعيد وتنامى نشاطات جماعات العنف المسلح وفساد النظام الامنى وأنا هنا وفى هذا الطرح بالذات لاأتحدث ككاتب أو محلل سياسى أو معلق على الاحداث لكننى أتحدث عن حقبة عايشت تطوراتها لحظة بلحظة والذين ذبحوا بالأمس هم أهلى (والكلمة هنا ليست مجازا)، والذى يعتقد ان أبناء البشموريين الذين استشهدوا بالأمس القريب قد ذبحوا بيد اجنبى أقول بكل ثقة أن الأيام سوف تكشف أن من قتلهم هم مصريين، فهذا الغل المقيت وهذه الكراهية الناضحة هى صناعة مصرية بامتياز سبق لجمعيات السلفيين وشيوخهم فى هذه المنطقة بالذات تصنبعها وتغليفها وترويجها تحت سمع وبصر النظام وتشجيعه طيلة نصف القرن الماضى وأظنهم لازالوا وان كانوا قد غيروا جلودهم مؤقتا كزواحف الصحارى، واذا كان وصف البشاعة الذى يتداوله البعض على هذه الجريمة هو قياسا على مافات فهو قياس كاذب فما فات كان ابشع بكل المقاييس، أما اذا كان الاخراج الفنى لهذه المجزرة هو الذى أضاف اليها الوصف فربما يتم اخراج سيناريوهات لجرائم أخرى مسكوت عنها ارتكبت فى حق الاقباط على مر العصور بدءا من غمر الاحياء فى الزفت المغلى وحتى (الخوزقة) مرورا باحتفاليات اغتصاب النساء على الملأ أمام زويهم وبيع الاطفال كعبيد، وتم تقديس وتكريم مرتكبيها والمحرضين عليها وأصبح أى اقتراب من فقهاء الدم يالمراحعة أو النقد هو جريمة نعم جريمة انكار المعلوم بالضرورة، والضرورة هى تمجيد القتل وتمجيد شرب الدماء فى الصباح وفى المساء وأى ثقافة تدعو الى غير ذلك هى ضلالة وهرطقة تستوجب العقاب، وأطلق اسم الخليفة المأمون وغيره من السفاحين على أشهر شوارع القاهرة، المأمون وأسلافه وخلفاؤه الذين استباحوا دماء أمه وذبحوا ابناءها وهتكوا أعراض بناتها على ساحل البحر وعلى ضفاف النهر، دمروا مستقبل أمه بكاملها وورثوه لآل عثمان الذين لم يفرقوا بين قبطى ومسلم فقد ذبحوا الجميع ذبحوا العربى والبشمورى والنوبى وحتى اليوم يدفع الجميع الثمن مضعفا.

&