هذا سؤال شرعي ومنطقي، وعلى كل كردي أن يضع نفسه مكان أي مسؤول أمريكي،&ويطرح هذا السؤال على نفسه: لماذا علىأميركا دعم قيام دولة كردية؟

كلنا نعلم بأن الدول تنطلق في سياستها الخارجية، وفق مصالحها الإقتصادية والسياسية والأمنية على المدى القصير والطويل. فما هي المصالح التي تدفعأميركا والغرب لدعم قيام دولة كردية على حساب علاقاتهما مع تركيا والعراق وسوريا وإيران؟

إذا ما قارنا مصالح أميركا الإقتصادية والسياسية والعسكرية فقط مع تركيا، بالمصالح الأميركية مع إقليم جنوب كردستان، سنجد هناك فارق شاسع غير قابل للمقارنة أساسآ. وخاصة إذا علمنا بأن تركيا هي من تتحكم في كافة مفاصل الحياة الإقتصادية والأمنية والتجارية والسياسية للإقليم دون منازع.&

فما بالكم لو جمعنا مصالحأميركا مع بقية الدول الثلاثة المغتصبة لكردستان، إضافة لبعض الدول العربية الرافضة لإقامة دولة كردية في المنطقة، وضعناها بجانب مصالح أميركا مع إقليم جنوب كردستان، سنجد في ميزان الأرقام إننا نشكل صفرآ أمام الطرف الأخر، وبالتالي ليست من مصلحة أميركا دعم قيام دولة كردية الأن.&

كان هناك أمل ضعيف لدى الكرد وأصدقائهم القلة، بأن تصبح جنوب كردستان نموذجآ ديمقراطيآ على النمط الغربي وذو إقتصاد منفتح، يضمن حقوق الأقليات الدينية والإثنية، ويحترم حرية الصحافة ونشهد تغيرآ في الوجوه الحاكمة، ولكن هذا الأمل تبدد حتى قبل بداية تبلور الكيان الكردي بالشكل الحالي، أي بعد إنسحاب قوات صدام حسين من الإقليم مباشرةً، عندما دخل البرزاني والطالباني في قتال مرير لسنوات عدة، فقط من أجل السلطة والنفوذ.&

لقد مر على التجربة الكردية في جنوب كردستان عشرين عامآ، وخلال هذه السنوات لم نشهد سوى نسخة كردية مكررة عن أنظمة شمولية تحكم في المنطقة منذ سنوات طويلة كالنظام السوري المتشبث بالسلطة، رغم دمار سوريا ومقتل نصف مليون إنسان وتشرد عشرة ملايين مواطن.&

هذا إلى جانب توسع نفوذ العوائل داخل السلطة كعائلة البرزاني والطالباني، وزيادة نسبة الفساد والمحسوبية بشكل مخيف، وغياب الحريات الفردية والقوانين الجائرة بحق المرأة والعمال. كما أن التطور الإقتصادي الذي شهده الإقليم، لم يتسفيد منه الفقراء ولم يؤدي إلى تحسين مستوى المعيشة للناس، لا صحيآ ولا تعليميآ ولا إجتماعيآ، وهذا يتناقض مع القيم الغربية ومفهوم الديمقراطية وحقوق الإنسان. وفي مجال الحريات الفردية والصحفية في الإقليم، فالوضع لا يختلف بشيئ عن أوضاع الحريات الفردية والصحافة في إيران و سوريا في ظل حكم الأسد.

وخلال كل هذه المدة الطويلة، لم نشهد أي تغير في الوجوه أبدآ، فالبرزاني يحكم الإقليم منذ اليوم الأول وإلى الأن، ومازال مصرآ هو وعائلته على البقاء في السلطة رغمآ عن الجميع، ومع ذلك يتحدث عن الديمقراطية وحكم القانون.

وإذا نظرنا إلى التجربة الكردية الثانية في غرب كردستان، التي تفرد بها حزب العمال الإستاليني، وأقصى بقية الأحزاب والقوى السياسية الكردية، لا تبشر بالخير هي الإخرى وليس هذا فقط، وإنما حزب العمال مازال يرفع لواء مقاومة الإمبريالية الأمركية في المنطقة، وهو الذي يسعى ليلآ ونهار لكي يقبل بهالأميركيين، ويمنحون فيزا لأحد أعضائه لزيارة واشنطن. مع العلم كانوا يترجون الأمريكان بالتدخل لحماية شنكال وكوباني، وكلنا نعلم لولا التدخل الأميركي العسكري عبر الطيران الحربي، لسقطتت كوباني من الإسبوع الثالث. والأمر المحير الأخر في سياسة هذا الحزب المتذبذبة، هو رفضهم لقيام دولة كردية مستقلة، ويتهمون المطالبين بها بالتخلف والعمالة للأمريكان!

ففي ظل تأرجح ميزان المصالح لصالح أعداء الكرد، وفشل الكرد في بناء تجربة ديمقراطية حقيقية على مدى عشرين عامآ، على الطراز الغربي ورفض أكبر الأحزاب الكردستانية وزعيمه قيام دولة كردية، كيف يمكن لأمريكا أو غيرها دعم قيام دولة كردية في أي جزء من كردستان؟

إنما ورد على لسان بعض قادة حزب البرزاني وتناقلته بعض وسائل الإعلام الكردية، قبل توجه هذا الأخير إلى واشنطن ولقاء الرئيسالأميركي اوباما، بأن البرزاني سوف يقوم بطرح مسألة تحديد وتثبيت حدود إقليم كردستان على الإدارةالأميركية ومعها فكرة قيام دولة كردية. إن هذا الكلام هو مجرد دعاية رخيصة موجه للداخل الكردي، لتسويق البرزاني لفترة رئاسية إخرى لا أكثر. لأن جدول أعمال الزيارة لا يحددها البرزاني وأبواقه، وإنما الطرف الأميركي بكل تأكيد. ثانيآ إن أميركا لا تستطيع رسم وتحديد حدود الإقليم حتى وإن أرادت ذلك.

الحدود ترسم بطريقتين لا ثالث لهما في الحالة الكردية برأي. الطريقة الإولى، هي عبر التفاوض مع بغداد، وهذه لم تؤدي إلى نتيجة خلال أكثر خمسين سنة، وبقناعتي لن تؤدي في المستقبل أيضآ لأي نتيجة، بسبب وجود النفط في مدينة كركوك. والطريقة الثانية هو إنتزاع هذه المناطق بالقوة مثلما حدث أخيرآ والدفاع عنها ورفض التفاوض عليها وإلحاقها إداريآ بالإقليم بشكل نهائي. هنا أميركا يمكن لها دعم الموقف الكردي أو السكوت عن إحتفاظ الكرد بتلك المناطق.&

نعم بامكان مسعود البرزاني طرح موضوع قيام دولة كردية، ولكن هذا لا يعني أبدآ بأنأميركا ستقول له حاضر.أميركا لها سياساتها الخاصة بها كدولة عظمة، ولها مصالحها التي تدافع عنها في كل منطقة من العالم. وإن تصادف وتلاقت هذه المصالح مع مصالح جهة ما، بامكان تلك الجهة الإستفادة من ذلك إن أرادت.

&برأيأميركا لن تقدم الأن على مثل هذه الخطوة، أي دعم قيام دولة كردية في جنوب كردستان، لأسباب عديدة لا مجال الأن للدخول في تفاصيلها. ولكن هذا لا يعني بأن ذلك غير وارد في المستقبل. يكفينا الأن ككرد بأن يمرر الكونغرس الأميركي قرارآ يسمح التعامل مع الكرد والسنة على أنهم دول، ويقدموا الدعم للإقليم بشكل مباشر، من دون العودة إلى بغداد. هذه الخطوة من شأنها إن حدثت، أن تقربنا جدآ من الإستقلال وبتأيد من أهم مؤسسة في النظامالأميركي ألا وهي الكونغرس.

لاشك إن المطالبة بقيام دولة كوردية، هو استحقاق قومي وشرعي للشعب الكردي إسوة ببقية الشعوب، ولكن لتحقيق ذلك يجب أن تسبقه الكثير من الخطوات الكردية على الصعيد الداخلي، تمكننا من إقناع العالم بجدارة هذا الشعب بالعيش في وطنٍ مستقل،

بعيدآ عن سيطرة الأخرين وفي ظل نظام ينعم بالحرية والديمقراطية.

إن إصرار البرزاني على البقاء في سدة الحكم، وإستمرار الإنقسام الكردي بين هولير والسليمانية وسيطرة العائلة البرزانية على الحكم وممارسة القمع والنهب والسلب،&

لا تشجع أحدآ في العالم، لتأييد قيام دولة شمولية إخرى في المنطقة.

&ثم إن الربط بين بقاء البرزاني كرئيس للإقليم وقيام دولة كردستان، هذا كلامٌ سخيف لا يصدر إلا عن أناس ضيعي النفوس، وإنتهازيين كل همهم هو المحافظة على مصالحهم الشخصية لا أكثر. وكل زيارة وأنتم بخير.

&