تستعيد كردستان هذه الأيام الذكرى السنوية للإنتفاضة الشعبية التي إندلعت بكردستان ربيع عام 1991 والتي توجت بإنتصار عظيم أنهت سلطة البعث في جميع أرجاء كردستان ودشنت لمرحلة جديدة من تاريخ كردستان السياسي من خلال تحرير الإرادة السياسية والشروع ببناء تجربة ديمقراطية فتية بعيدا عن قبضة الأنظمة الشوفينية التي تعاقبت على حكم كردستان طوال ثمانية عقود مضت.

لقد تحدث الكثيرون عن الإنتفاضة ودور الأحزاب الكردية فيها، ولكن بقيت هناك جوانب خفية لم يجرؤ كثيرون بالحديث عنها لأسباب خاصة، وهي جوانب تفضح الدور الحقيقي لبعض الأحزاب في تلك الإنتفاضة التي يحاول مرتزقة تلك الأحزاب اليوم إعطائها دورا أكبر مما تستحق زورا وبهتانا، منها حزب بارزاني الذي يقود الإقليم اليوم منفردا بقراراته ودوره السياسي على صعيد رسم سياسات الإقليم..

لا أحد ينكر أبدا بأن الإنتفاضة كانت عفوية الى حد ما، وأنها كانت جماهيرية بإمتياز، لأن ممارسات السلطة الصدامية القمعية وصلت الى مدياتها القصوى في تلك الفترة، وأن غضبة الجماهير وصلت الى ذروتها، وماحصل في البصرة بعد إنسحاب قوات الجيش العراقي من إطلاق أحد الجنود المهزومين من حرب الكويت النار على جدارية لصدام والذي آذن بإندلاع الإنتفاضة بمناطق الجنوب، وجدت لها صدى في كردستان، وبدأت شرارة الإنتفاضة في بلدة رانية الحدودية حين هاجم عدد من المواطنين بالسكاكين على مقر مؤسسة أمنية هناك وإحتلوها ليعلنوا بدء الإنتفاضة التي عمت لاحقا أرجاء كردستان.

لقد أدلى الكثير من القادة الكرد بتصريحات صحفية وإعلامية خلال السنوات الماضية يعلنون خلالها أنهم فوجئوا بالإنتفاضة، بمعنى أنهم لم يكونوا قد خططوا لها مسبقا، رغم أن الرئيس مام جلال سبق وأن تنبأ في تصريحات سابقة بأن إحتلال صدام للكويت سيؤدي به الى التهلكة وسيقضي على نظامه، وهذا ماحصل، لكن أحدا لم يتوقع توقيتا معينا لحدوث الإنتفاضة.

بعد ثورة مواطني رانية أخذ الإتحاد الوطني زمام المبادرة، وبادر بتحشيد كامل قواه العسكرية والإعلامية والتنظيمية لتعميم الثورة على أرجاء كردستان من خلال إذاعته الثورية " إذاعة شعب كردستان" التي قامت بحشد الشارع الكردي وتعبئته وتوجيهه نحو الثورة على النظام..فبعد أن كانت معظم قوات البيشمركة التابعة للحزب تعيش داخل المدن الإيرانية بعد عمليات الأنفال وتسميم أجواء كردستان بالغازات الكيمياوية السامة،أعيد معظم تلك القوات الى مقراته الأساسية على الحدود تمهيدا لإنزالهم الى المدن.

في الجانب الإعلامي إستخدم الإتحاد الوطني إذاعته الرئيسية التي كانت تسمع في أنحاء كردستان ووضع كادره الإعلامي بحالة الإنذار القصوى وبدأ يوجه رسائله المشفرة ويذيع بيانات التعبئة لتنظيماته السرية داخل المدن..

أما في الجانب التنظيمي فقد كان الإتحاد الوطني يمتلك جيشا كبيرا من التنظيمات الداخلية بالمدن ترتبط بشبكة واسعة من الإتصالات السرية بعضها ببعض من جهة ومع قيادة الجبل من جهة أخرى.

وكلفت قيادة الإتحاد القائد الثوري البارز نوشيروان مصطفى لقيادة هذا الجهد والذي بدأ بالفعل بأداء دور متميز في قيادة الإنتفاضة وتوجيه النداءات الى التنظيمات الداخلية وتحريك قوات البيشمركة..

في تلك الأثناء كانت قيادة حزب بارزاني تعيش مع كوادره وأعضائه في منطقة " كرج" القريبة من طهران ولها علاقة وطيدة بالنظام الايراني، وبما أن إيران هي التي قادت مفاوضات المصالحة في منتصف الثمانيات والتي أنهت الحرب الداخلية بجبال كردستان بين القوى الثورية، والتي تمخضت عن قيام الجبهة الكردستانية بين ثمانية أحزاب ثورية في الجبال، فإن إيران فرضت دورا لمسعود بارزاني في قيادة الإنتفاضة، وهكذا كان، برز دوره خلال الإنتفاضة بعطاء إيراني، وإلا فإن جميع المناطق التي شهدت المرحلة الأولى لإندلاع الإنتفاضة مثل رانية ثم المناطق المحيطة بها، وإمتداد لهيب الإنتفاضة الى المدن الكبرى مثل السليمانية وأربيل وبعدها كركوك لم يكن لتنظيمات حزب بارزاني أي وجود فيها إلا فيما ندر، وكان الدور الأساسي فيها للإتحاد الوطني وبقية الأحزاب المؤتلفة بالجبهة الكردستانية.

ونجحت الإنتفاضة وتسلمت الجبهة الكردستانية إدارة الأمور لفترة إنتقالية الى حين تنظيم أول إنتخابات برلمانية حرة في 19/5/1992، وهي الإنتخابات التي جعلت من الحزب الديمقراطي بقيادة مسعود بارزاني في ضربة حظ غير متوقعة صاحب السلطة الأولى في كردستان، فهذا الحزب معروف بحظوظه الكبيرة طوال تاريخه السياسي.

فتحت تأثير الكاريزما التي تمتع بها زعيم هذا الحزب السابق الملا مصطفى بارزاني ولكون أكثرية الناخبين في تلك السنوات من جيل الثورة السابقة التي قادها الملا مصطفى، فقد حصل حزب بارزاني على نصف مقاعد البرلمان رغم أن دوره في الإنتفاضة كان محدودا، والدور الرئيسي كان للإتحاد الوطني وبقية الأحزاب، وسقطت في تلك الإنتخابات أحزاب مناضلة عريقة التي حولت ساحة كردستان الى ساحة منازلة ومواجهة شرسة مع النظام الفاشي مثل الحزب الإشتراكي الكردستاني والحزب الشيوعي وحزب الكادحين وغيرهم، في وقت كانت قيادة حزب بارزاني وبيشمركته يعيشون داخل المدن الإيرانية، والمعركة الوحيدة التي خاضها حزب بارزاني ويعاد عرضها مرارا وتكرارا في فضائياته هي معركة" خواكورك" في وقت أن بيشمركة الإتحاد وغيره من الأحزاب خاضت ملاحم بطولية على إمتداد عمر الثورة الكردستانية الجديدة الممتدة من 1975 الى 1991 ضد النظام الفاشي..

هناك مثل عراقي يقول" يامن تعب يامن شقى يامن على الحاضر لقى" وهذا ينطبق تماما على حزب بارزاني الذي جاء على الحاضر ليستحوذ على مقاليد سلطة لم يبذل فيها شيئا يذكر، لذلك ترى بأن قادة الحزب يمتلكهم الغرور في تصرفاتهم وإدارتهم لشؤون الحكم، فهم ينظرون الى السلطة كهبة من الله وضربة حظ، ولذلك فإنهم لا يتحرجون كثيرا في الإنفراد بسلطتهم وإيذاء شعبهم وإغراق بلدهم بالفساد في لحظة طيش وغرور.

قبل أيام صرح نيجيرفان بارزاني وهو بالمناسبة نائب رئيس حزب بارزاني معترفا أنهم إرتكبوا أخطاء فادحة وعملوا أفعالا سيئة للغاية خلال السنوات الثلاث والعشرين الماضية، مؤكدا" أن حزبه والإتحاد الوطني يتحملان المسؤولية في تدهور أحوال الناس خلال هذه السنوات".وللتنويه فقط فإن نيجيرفان بارزاني حكم أربعة ولايات كرئيس لحكومات الإقليم بواقع 17 سنة من مجموع السنوات الثلاث والعشرين، وهذا يضع الجزء الأكبر من المسؤولية على عاتقه وحزبه..

هذا الإعتراف المتأخر بالمسؤولية أكد صوابية طروحاتنا نحن كتاب المعارضة وخطأ موقف المدافعين عن السلطة من الزمارين والطبالين وحاشية السوء الذين خدعوا شعبهم طوال السنوات الثلاث والعشرين السابقة، وبذلك فقد ظهر الحق وزهق الباطل، وليتجرع أعوان السلطة والإقلام المرتزقة طعم الهزيمة، وليعترفوا بدروهم بسيئات ما فعلوا حين هب كل من يعيش في البلدان الأوروبية والأميركية للدفاع عن هذه السلطة الغاشمة بعيدين عن الواقع المرير الذي عشناه نحن هنا في كردستان..

هذا الفشل الذريع ينبغي أن يدفع بقيادة هذا الحزب الى مغادرة السلطة، أو على الأقل الدفع ببديل آخر عن قيادة الحكومة الحالية لكي يستعيد الشعب عافيته ويتخلص من الفساد المستشري بكردستان.

أن أقل ما يمكن لحزب بارزاني أن يقدمه لشعبه ردا لجميل صبره وتحمله لضنك العيش طوال الثلاث والعشرين سنة المنصرمة هو التخلي عن السلطة بعد أن أثبت فشله في إدارة شؤون الإقليم، ومن المخجل أن يردد بعض أعوان هذا الحزب ومن يسيرون بركابه بأنه لابديل عن بارزاني رئيسا للإقليم ولا لرئيس الحكومة الحالية، لأنه حتى الأنبياء كان لهم بدائل، بدليل أنهم تركوا ورائهم خلفاء ساروا على نهجهم، وليس معقولا أن لا تجود أرض كردستان بغير آل بارزان ليحكم هذا الشعب، خاصة وأن الشعب قد جرب هذه العائلة لمدة ثلاث وعشرين سنة ولم يجني من حكمهم سوى الخيبة والخسران والظلم والفساد وفقدان العدالة، وحان الوقت ليقول الشعب لهذه العائلة االتي تجني ثمار الآخرين..كفى..

&