حقق حزب المحافظين البريطاني فوزا ساحقا في الإنتخابات التشريعية التي جرت يوم الخميس السابع من الشهر الجاري، حيث حصل على 331 مقعدا من أصل 650 مقعدا في مجلس العموم. وبهذا الفوز، يضمن المحافظين تولي "دايفيد كاميرون" رئاسة الحكومة لولاية ثانية مدتها خمس سنوات من دون الحاجة إلى شريك من حزب آخر يتقاسم معه السلطة، كما كان الحال في إنتخابات عام 2010م حيث تم تشكيل حكومة إئتلافية بمشاركة حزب الديمقراطيين الأحرار الذي تولى رئيسه وقتها "نيك كليج" منصب رئيس الوزراء.

&جاءت هذه النتائج مفاجئة للجميع، حيث إن مراكز الإستطلاع والمراهنات لم تكن تتوقع مثل هذا السيناريو سوى بإحتمال واحد من خمسين، وأن التوقعات السابقة كانت تنحو نحو إحتمال نتائج متقاربة بين الحزبين الكبيرين "العمال والمحافظين".

بعد هذه النتائج الصادمة وغير المتوقعة، عقد "نيك كليج" زعيم حزب الديمقراطيين الأحرار مؤتمرا صحفيا أعلن خلاله تحمله المسئولية الكاملة، حيث قال: " من الواضح أن النتائج قاسية أكثر مما خشيت، وأنا أتحمل المسؤولية ولذلك أعلن إستقالتي كزعيم للديمقراطيين الأحرار".

أما زعيم حزب العمال "أد ميليباند" الذي أعلن إستقالته من زعامة الحزب في كلمة ألقاها أمام الصحافة وأنصاره فقد قال: "ليس هذا الخطاب الذي أردت إلقاءه، وإني أتحمل المسؤولية الكاملة عن هذه الهزيمة، وأنه حان الوقت كي يتولى شخص آخر الدفع بمصالح الحزب، بريطانيا بحاجة إلى حزب عمالي قوي قادر على إعادة البناء بعد هذه الهزيمة". كما قدم "نايجل فاراج" زعيم حزب إستقلال المملكة المتحدة اليميني إستقالته من زعامة الحزب بسبب خسارته لمقعده في الإنتخابات الأخيرة.

ومن المفاجئات في هذه الإنتخابات التي حدثت لإول مرة منذ 350 عاما، فوز مرشحة في العشرين من عمرها لتصبح بذلك أصغر مشرع في مجلس العموم البريطاني، عندما احرز القوميون الإسكوتلنديون إنتصارا يرمز إلى نهاية حزب العمال في مقاطعتهم، حيث فازت مرشحتهم "ميري بلاك" الطالبة البالغة من العمر 20 عاما، وبفوزها هذا تمكنت من إزاحة أحد أبرز وجوه حزب العمال "دوغلاس ألكسندر". وبهذا ستكون "ميري" أصغر نائب يدخل مبنى "وستمنستر" لأول مرة منذ عام 1667م.

الدستور البريطاني غير المكتوب يعتمد على أعراف وتقاليد ديمقراطية راسخة تراكمت عبر مئات السنين، ولا يمكن تفسيرها وتأويلها بطريقة مزاجية ومن كل حزب سياسي لخدمة أهدافه. هذا الدستور يعطي الحق لرئيس الوزراء خلال الخمس سنوات القادمة لإجراء إنتخابات مبكرة في أي وقت في حالة عدم التوافق بين شركاء الحكم، أو حين يشعر رئيس الوزراء أن أغلبية الشعب البريطاني غير راضية عن أداء الحكومة.&

في الدول الديمقراطية الحقيقية، زعيم الحزب الخاسر في الإنتخابات يتحمل شخصيا المسؤولية الكاملة عن الخسارة، ويستقيل من زعامة الحزب وربما من العمل السياسي بأكمله ليعطي فرصة لوجوه جديدة وأشخاص أكثر حيوية تقود الحزب لمستقبل أفضل. الساسة وزعماء الأحزاب السياسية في الدول الديمقراطية لا يتمسكون بالسلطة مدى الحياة، ولا يتقاتلون مع بعضهم البعض من أجلها، فالسلطة في فكرهم وثقافتهم تكليفا وليس تشريفا، وهي خدمة للشعوب وليست منة عليها، والقرار أولا وأخيرا للشعوب يتخذونه عبر صناديق الإقتراع في إنتخابات حرة ونزيهة كل أربع أو خمس سنوات.&

أما في الوطن العربي، فثقافة تحمل مسؤولية الفشل والإستقالة غائبة بالكامل من الوعي الجمعي للشعوب العربية. في الوطن العربي، لا يخرج الرئيس العربي من القصر الرئاسي، كما يقول الكاتب البحريني المبدع (المرحوم عبدالله خليفة): " إلا بإنفجار عرق في رأسه، أو بجلطة في مكان مؤثر من جسمه التاريخي، أو أن تنزل قوات دولة عظمى لكي تزحزح الإلتصاق الأبدي لجسمه بكرسي العرش، ويذهب في عملية الفتاق السياسية الحربية مئات الآلاف من الضحايا، أو أن يموت موتة ربه التي لا مفر منها"، لقوله سبحانه وتعالى: كل نفس ذائقة الموت. وهذا ينطبق كذلك على زعماء الأحزاب السياسية، ورؤساء منظمات المجتمع المدني، ومشايخ المؤسسات الدينية. كل هذا يحدث بسبب التسلط وثقافة التأليه والتقديس المتجذرة في المجتمعات العربية.&

الإنتخابات الرئاسية أو البرلمانية في حد ذاتها وسيلة وليست غاية، والمقصد المهم من الإنتخابات هو محاسبة الحكام أو النواب ومساءلتهم في وقت الإنتخابات إن من خلال تقويم برامج المتنافسين قبل الإنتخابات، أو عن طريق مكافأة أو معاقبة السياسيين على أدائهم السابق إذا ما رغبوا في الترشح مرة ثانية.&

إن مجرد إجراء إنتخابات رئاسية أو تشريعية في بلد ما لا يعني بالضرورة أن نظام الحكم في ذلك البلد قد خرج من مصاف الدول المتسلطة أو الشمولية وأصبح ديمقراطيا. فالإنتخابات التي يوصف نظام الحكم المقترن بها بالديمقراطية لا بد أولا ان تستند إلى دستور ديمقراطي، يضع المبادئ الرئيسية للديمقراطية موضع التطبيق الحقيقي، ولا بد ثانيا أن تتسم الإنتخابات بسمات ثلاث، هي: الفعالية والحرية والنزاهة.

في الدول الديمقراطية الحقيقية حيث التدوال السلمي للسلطة من البديهيات المسلم بها، تعتبر الإنتخابات أداة إستقرار وتطوير، وتصحيح للسياسات الخاطئة على كل الأصعدة للحكومات السابقة. بينما في المنطقة العربية، أصبحت الإنتخابات – التي أغلبها شكلية – أداة لتكريس التسلط وزعزعة الإستقرار، وزيادة الإحتقان السياسي، وإرتفاع وتيرة العنف الديني والطائفي والعرقي.&