هنري كامبل-بنرمان Sir H.Compbell Bannerman ،هو رئيس الوزراء البريطاني من حزب الاحرار للاعوام 1905-1908، قدم استقالته من منصبه بسبب المرض، وهو اول من لقب برئيس الوزراء.

كنت اقلب قنوات التلفاز، واذا بقناة كوردية تنقل مؤتمرا بالعربية عن النكبة (ذكرى تقسيم فلسطين) وشخص فلسطيني يحاضر عن مؤتمر عقد عام 1907، ومصادفة بعدها بيوم اطلعت على فديو لشخص خليجي وهو يتحدث عن مؤتمر كامبل بانرمان المنعقد حسب زعمهم عام1907 ويقول مرات عدة لا تنسوا عام 1907. الفلم شوهد منذ نهاية نيسان الماضي اكثر من سبعمائة وخمسون الف مشاهدة، وتم مشاركته اكثر من تسعة واربعون الف مشاركة وهناك عليه وفي مختلف المشاركات مئات الالاف من التعليقات التي تؤيد وتؤكد على مضمون الفلم.

&وبدأت عملية البحث فوجدت امور كثيرة ومنها ان السير هنري كامبل بانرمان حسب المنشور دعا سبع دول اوربية ليس من بينها المانيا وهي ايطاليا وفرنسا والبرتغال واسبانيا وبلجيكا وهولندا بالاضافة الى بريطانيا الى مؤتمر مهم. وقد اطلع السيد كامبل بانرمان المؤتمرين بان الحضارة الغربية في طريقها الى الانحدار! فهل يرضيهم ذلك، وابدى الجميع عدم رضاهم، وهنا طرح عليهم ان المنطقة التي ستقود الحضارة هي المنطقة الممتدة من الخليج الفارسي الى المحيط الاطلسي، حسب دراسات جامعات اوربية عديدة، لانها تضم شعب يتكلم لغة واحدة يعتنقون دينا واحد بغالبيتهم، وان كانوا اليوم فقراء يتقاتلون على قطرة ماء. ولذا فقد اقترح عليهم مجموعة من خطوات لوقف اي تقدم لهذه المنطقة ولتبقى قيادة الحضارة العالمية بيد الدول ذات التراث المسيحي. ومنها الحد من تزويد المنطقة بالعلوم والعمل على بقائها متاخرة ومنقسمة وتتصارع على خلافات حدودية والاهم اقامة حاجز بين شقها الافريقي والاسيوي لكي لا يمكنها ان تتوحد، وان يكون هذا الحاجز مرتبطا بالغرب محتاجا له بشكل دائم ويكون بؤرة لخلق المشاكل الدائمة للمنطقة.

في عام 1907 كانت الدولة العثمانية لا تزال قائمة، وكانت هنالك على الاقل اربعة دول في المنطقة قائمة ولها قياداتها وان كانت متحالفة او واقعة تحت سلطة الانتداب، وهي المغرب وتونس ومصر وسلطنة عمان. اي واقعيا كانت المنطقة منقسمة لا بل ان التاريخ لا يذكر ان المنطقة كانت موحدة تحت ظل دولة واحدة، فحتى في عز الدولة الاموية وبدايات الدولة العباسية، كان الولاة المعينون يتمتعون باستقلالية واسعة جدا ولم تستمر هذه المرحلة طويلا، فنشأت دويلات مستقلة عن المركز في بغداد. قامت الامبراطورية العثمانية بالاستيلاء على غالبية مناطق البقعة، ووحدتها ولكنها وحدتها ايضا مع مناطق في شرق اوربا وتركيا الحالية، اي ان وحدتها في المرحلة العثمانية لم تكن دليل على ان المنطقة موحدة في ظل حاكم شرعي من ابناء المنطقة ويعبر عن تطلعاتها. ومن هنا فان اتهام الاستعمار بمحاولة تقسيم المنطقة لتحقيق مصالحه الخاصة، مسألة تقع في مجال خداع الذات اكثر مما هي حقيقة. رغم ان كل طرف يعمل من اجل تحقيق مصالحه لانه مدفوع غريزيا بذلك، الا بعض المثقفين العرب ممن يدعون العمل لمصلحة البشرية من خلال زرع كراهية الاخر والانتقاص منه. الامر الذي يخفيه البعض ممن يروجون لمقولة الوطن العربي والامة العربية، هو ان في هذه المنطقة شعوب قبل العرب وهذه البلدان والمناطق تعود لها تاريخيا والعرب ما هم الا مستعمرين في الغالب ولكن مستعمر عمل بكل جهد على اجراء تغييرات في عقيدة وانتماء وثقافة المجتمع الاصلي.ففي شمال افريقيا المنطقة كانت مكتضة بالامازيغ وفي الشرق من العراق وسوريا ولبنان هناك الاشوريون. وعلى سبيل المثال يقال ان الخليفة العباسي المامؤن حينما كان يتجول حول بغداد كان يصطحب مترجما لكي يترجم له من السريانية او النبطية الى العربية. لان المنطقة كانت مسكونة باهلها. في حين ان الاستعمار الحديث لم يحاول ان يغيير في عقيدة الناس باي وسيلة الا التبشير وهو متاح لديهم ايضا، ولم يحاول ان يبيد الناس ممن عارضوه، بل تفاوض معهم واقر بمطالبهم سريعا.

من جملة ما ينسب الى التقرير انه اقر بضرورة الحد من تزويد المنطقة بالمعارف والمعلومات والعلوم لكي لا تتطور، ولكي لا تكون البديل للحضارة الغربية. في هذا القول مغالطات عديدة، فبزعم الكثيرين ان مصدر العلوم والاكتشافات والاختراعات هو القران وبعضهم يضيف نهج البلاغة، فان مصدر العلوم هو العرب ولكن الغرب تمكن من ان يستلها من هذه الكتب، اي بمعنى ان الغرب فهم الاسلام افضل من ابناءه. والمغالطة الاخرى ان الدراسة والتعلم في الغرب مفتوحة وتمنح للجميع، بدليل ان هذه المعرفة تمكن البعض ان ياخذها ويطورها وينافس الغرب فيها وفي ما نتج عنها من اختراعات واكتشافات.

والتركيز على زرع جسم في الجسد العربي لكي لا يتوحد، كذبة اخرى تشهد الاحداث التي تمر بالمنطقة، فخلال ما يقارب القرن لم تتمكن الدول القائمة بعد رحيل الاستعمار من توحيد شعبها، بل كل ما فعلته هو زرع المزيد من الاحقاد والانقسامات بين مكونات الشعب الواحد، وخلال كل هذه الفترة لم تتمكن دولتان مجاورتان من التوحد، مثل سوريا والعراق، او مصر وليبيا او غيرها، فهل منعتهم من ذلك اسرائيل ايضا؟

من الواضح ان مثل هذه المخططات والوثائق التي يتم الادعاء بها هي اكاذيب يختلقها البعض وخصوصا القوميون والاسلاميون لكي يبرروا تخلفهم، ويبرروا حقدهم على الاخر. فرغم الابحاث والجهد التي بذلها مفكر قومي معروف كانيس صايغ، فانه لم يقع على مؤتمر او وثيقة خارجة عنه بهذا المضمون.

فقط اريد من القراء الكرام تخيل احوال المنطقة قبل قدوم الاستعمار، ولنتسائل كم كلية او جامعة كانت قائمة في المنطقة الممتدة من المغرب الى الخليج، الم تكن هناك فقط الجامعات والكليات التي كانت تدار من قبل الدول المستعمرة او التي ارادت نشر نور العلم في المنطقة؟ كم كان طول الطرق المرصوفة والسكك الحديد الممدودة في هذا البقعة، كم عدد الاسرة والمستشفيات القائمة؟ كيف كان يدار القضاء وكيف كان يولي الحكم في الكثير من ولايات العثمانية؟ وليقارنوا ذلك فقط بعد ثلاثين سنة من قدوم الاستعمار، اي ليقارنوا الحال بحال المنطقة في الثلاثينيات من القرن الماضي. فانهم سيجدون البدء بتعبيد طرق المواصلات واستخراج الثروات التي لم يكن يعرف بها اهلها ولا بفوائدها، وتعدد المستشفيات والكليات والجامعات وانتشار التعليم، وبدا خروج النساء الى الحياة العامة، وبدء ترسيخ قيم وقوانين تقود الدولة وتنصف الافراد وهذا كله بفضل هذا الاستعمار، ونحن هنا لا ننكر انه عمل لاجل مصالحه، ولكنها كانت مصلحة مشتركة، وبدليل ان الدول بعد ان تحررت حسب زعمها من الاستعمار وتمكنت من امتلاك القرار المستقل، الشئ الذي عملته هو تدمير كل البنى التحيتة وبنية وحدة الشعب وتدمير الثروة الوطنية من خلال التسلح، السلاح الذي تم استعماله ضد ابناء البلد ممن تجراء ونادى وطالب بحقوقه كانسان وكمكون.

السؤال الذي يتبادر الى الذهن دائما، لماذا انساق الناس والشعوب والحكام الى هذه المخططات وهم يعلمون بها اذا؟ الجواب بالتاكيد سيكون انه ليس هناك مخطط واحد، الا في خيال الناس التي لم تجد اي سبب لتخلفها الا خلق عدو مختلق يعمل ليل نهار ضدهم، اما بسبب دينهم او قوميتهم او ثروتهم او عقولهم الفذة.

&