بما أن الانتخابات البرلمانية التركية على الأبواب فغدا المواطن التركي وتحديداً "الكردي" المتردد مشغولاً بمن سيمدهُ بصوته، ومن هو الجدير بإمضائه من بين الكثير من المتنافسين على صوته، لذا فمن البديهي أن يلجاً المعني بصوته في فترة تزاحم المرشحين الى إعمال المقارنة بين برامج مجمل المرشحين، ويستمع الى وعود النواب المفترضين وأعدائهم على حدٍ سواء، لأنه في كثير من الأحيان لا يدرك المرء قيمة الشيء إلا بعد معرفة نقيضه، وأحياناً يكون المناهض لما يؤمن به سبباً في تفتق ينبوع التساؤلات التي ستراوده لاحقاً، لهذا يبدو أحياناً من المستحسن أن يستمع الواحد الى صوت عدوه السياسي لعله يكتشف من خلاله الأخطاء والعثرات التي وقع بها سابقاً، حيث لم يكن ليعلم بها إلا من خلال ذلك المناهض لعلَّ وعساه يتجنبها لاحقاً، لأن المخالف قد لا يكون شيطاناً على الدوام بالعكس قد يكون في بعض الأحيان مُحرضاً على الرحمن الكامن بداخله.&
ومن تلك الأصوات الغريبة التي ظهرت في زحمة الحملات الانتخابية على امتداد الدولة، والتي لم يعهدها المواطن الكردي في تركيا، هو ما تناهى الى أسماعهم تصريحات تخرق المألوف والمعتاد، لا بكونها جهة معادية وتُجاهر بمعاداتها من قبل، إنما بكون المواطن لم يكن يتوقع ظهورها بتلك الشاكلة، ومنها مثلاً ما نُسب الى محمد أمين كارداش رئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني في تركيا بأن التصويت لصالح حزب الشعوب الديمقراطي هو خسارة وليس فيه أي انتصار للكرد في تركيا، والقائل بأنه سيكون من الافضل للكرد أن لا يصوتوا لحزب الشعوب الديمقراطي المعروف بـ: HDP معللاً قوله بأن الحزب المذكور لن يستطيع تبني أي قرار لصالح الكرد في البرلمان التركي، مضيفاً حتى لو اجتاز حزب الشعوب الديمقراطي نسبة 10% سوف لن يكون له فائدة في حال دخول البرلمان بصفة الحزب.
وقد يقول قائلٌ بأن ذلك التصريح الذي تفوه به كارداش كان من حزب مضاد لتوجهات حزب العمال الكردستاني وموالي لرئيس اقليم كردستان العراق، فيقول في سره من الطبيعي لمن كان منافساً لك بأن يعارض سياستك، وربما إذا استطاع أن يُزاحمك أيضاً، ولكن ما هي مصلحة شخص مثل الكاتب والباحث الاجتماعي التركي اسماعيل بيشكجي، المشهود له بالدفاع عن القضية الكردية في تركيا أكثر من حزب الشعوب الديمقراطي نفسه، لينتقد البرنامج الانتخابي للحزب المذكور قبل فترة ؟ حيث قال بيشكجي بخصوص البرنامج الانتخابي لحزب الشعوب الديمقراطية، لشبكة "رووداو الاعلامية" أن البرنامج الانتخابي للحزب المفروض بأنه حزب كردي لم يتضمن أية إشارة إلى الكرد وكوردستان، بل وتوجه الى الناخب التركي بشكل عام، وما يعزز كلام بيشكجي هو أنه في بداية الحملة الانتخابية لم يكن الحزب المذكور يرفع أعلام الجمهورية التركية في حملاته، بينما في اليومين الأخيرين فغدت نصف الأعلام المرفرفة في تجمعاته المخصصة للانتخابات هي أعلام الجمهورية التركية بموازاة علم الحزب، حتى أن البروفيسور بيشكجي شكك بنواياهم قائلاً: إن ما يطالب به حزب الشعوب الديمقراطي لعرب فلسطين لا بد أن يطالب به للكرد ايضاً، ويدعو بشجاعة إلى انفصال الكرد عن تركيا.
وبعيداً عن رأي كل من بيشكجي وكارداش فمن بين المآخذ على حزب الشعب الديمقراطي أنه بالإضافة الى برنامجه الغامض كفلسفة الزعيم عبدالله أوجلان نفسها، تلك الفلسفة التي نراها أقرب ما تكون الى لوحةٍ سريالية من صاحب فكر فلسفي واضح يعي ماذا يريد ويفهم المتلقي كنه فلسفته، فهم في حملتهم الانتخابية نسيوا تماماً بأنهم يتوجهون الى الشخص الكردي قبل غيره، لذا فقد خلت منشوراتهم وبوستاتهم التي وقعت بين أيدينا من كل ما يتعلق باللغة الكردية، إذ أن كل منتجاتهم الدعائية التي حصلنا عليها كانت باللغة التركية، ومن بين كل منشوراتهم التي كانوا يوزعونها على الناس في الشوارع لم يُلاحظ ولو بوستر أو فونكوغراف أو منشور واحد مكتوب باللغة الكردية، فإذا كان الكرد هم الفئة التي سيتوجه الحزب في خطابه إليهم، ألم يكن من المفروض أن يمتلك شيئاً لهم لا يمتلكه سواهم من المنافسين، وأن يرى المواطن ما لم يلاحظه عند غيره، أي أن تكون لحملته خصوصية تميزه عن غيره.
عموماً فمنذ تأسس حزب الشعوب الديمقراطية يوم 15 أكتوبر/تشرين الأول 2012، قدم نفسه بوصفه حزبا لكل مكونات وأطياف المجتمع التركي، مؤكدا أنه لا يمثل هوية أو عرقا بعينه، وينفي أن يكون حزبا كردياً، إلا أن لونه الكردي لا يبرز إلا في وقت الاستحقاقات الانتخابية، كما يفعل أيضاً حزب صالح مسلم الرافد الآخر من النهر الأوجلاني حيث تبرأ الآخر من الصبغة الكردية للحزب، وسما حزبه باسم حزب الاتحاد الديمقراطي، لذلك فقد يكون التخبط في تسمية وتوجه الحزب يكون مساهماً في ضياح المواطن أكثر من جذبه، فبالرغم أن هنالك من يعتبره حزبا كرديا ونسخة عن حزب السلام والديمقراطية الكردي، لكنه موجه إلى مناطق تركيا الغربية، فهناك من يعتبره حزباً ذا توجه اشتراكي لا علاقة للأكراد به، وهناك من يتهمه بأنه قوة تنفذ قوانين حزب العمال الكردستاني.
ويبقى أن الذي يبعد الصفة القومية عن الحزب هو ما جاء في نظامه الداخلي، حيث يهدف الحزب بحسب قانونه الداخلي إلى "محاربة الاستغلال والتمييز وتوفير حياة كريمة ومساواة للجميع، كما يسعى لتسليم سلطة الديمقراطية للشعب وتغيير النظام"، وهي تماثل برامج الكثير من الأحزاب الاشتراكية في العالم، وحسب نص قانونه الداخلي، فإن "الحزب يمثل المضطهدين والمهمشين بالدرجة الأولى وكل مكونات المجتمع التركي على اختلاف معتقداتها الدينية وتوجهاتها السياسية والثقافية، وكذلك الأقليات، كما يهدف الحزب بحسب ما أوردته الكاتبة وسيمة بن صالح في مقالة لها عن أهدافه التي تتلخص في "محاربة الاستغلال والتمييز وتوفير حياة كريمة ومساواة للجميع"، كما يسعى "لتسليم سلطة الديمقراطية للشعب وتغيير النظام" الذي يعتبره غير ديمقراطي في تركيا بقيادة حزب العدالة والتنمية، وهي بمجملها توازي أهداف أي تنظيم بروليتاري، لذلك فهو بهذا الخطاب يخسر مواطنه الكردي صاحب الحس والدوافع القومية، وكذلك يفشل في إقناع المواطن التركي الذي لديه شكوك من قبل بالعلاقة المسبقة والتقاطع بين حزب الشعوب الديمقراطي وحزب العمال الكردستاني.&
كما أن من بعض المفارقات في الحملات الدعائية لحزب HDP وما تم ملاحظته مؤخراً في حملاته الانتخابية إذ صار في اليومين الاخيرين يرفع علم تركيا أيضاً وبكثرة في أنشطته المقامة في ساحات وميادين استنبول، وكأن ساسة الحزب أدركوا بأنهم لم يحققوا ما أرادوه طوال الحملة، لذا راحوا يرفعون شعارات تتقاطع مع الأحزاب اليسارية الأخرى في تركيا، وفوق كل ما ورد أعلاه فلا يخفى على المتابع لشؤون الكرد في تركيا أن الكثير منهم يمارسون النفاق السياسي، إذ قد تراهم يرقصون ويدبكون في حملات حزب الشعوب الديمقراطي، ولكنهم حين جد الجد يدلون بأصواتهم للحزب الحاكم، وترى واحدهم يقول في سره لما أعطي صوتي لـ: HDP فهو في النهاية لن يفوز في الانتخابات وإن فاز فبماذا سنستفيد منه؟ ويبقى الحزب الحاكم هو القادر على أن يؤمن مصالحنا الاقتصادية أكثر من الحزب الكردي، هذا بالإضافة الى أن هناك فريق منهم وخشية من التيار الأوجلاني ذا الثقافة العنفية يدَّعون بأنهم من مؤيدي حزب الشعوب الديمقراطية، ولكنهم حين الاقتراب من الصناديق يدلون بأصواتهم لمن يرونهم الأكثر فائدة لهم والأكثر ضماناً لمصالحهم المادية من بين مجمل الأحزاب.
التعليقات