لكل أطروحة أو مشروع فكري وعلمي، هناك جانب عملي وعلمي وتقني بحت بما يتطلبه من معادلات رياضية ومصطلحات ومفاهيم علمية تكنيكية محصورة بالنخبة العلمية وبالوسط العلمي المتخصص، وهناك الجانب الفلسفي والاجتماعي الذي يصاغ بلغة تبسيطية مفهومة من قبل الجميع. الهدف من البحث العلمي لاعلاقة له بمساعي الأديان والمثقفين والمنظرين للعلمانية أو أتباع التصميم العظيم من المعتنقين لنظرية الخلق الإلهي المباشر، فعلماء الفيزياء النظرية وعلم الكونيات يواجهون خلال أبحاثهم وتجاربهم مجموعة من التحديات والمسائل اللغزية غير المحلولة وعند تقديم حلول وتفاسير للمعادلات بغية حل معضلة أو مفارقة أو تحدي أو مشكلة غامضة، تظهر لهم مشاكل أخرى تكنيكية تتعلق بهيكلية وهندسة وبنية وشكل الكون المرئي والأبعاد المكانية والزمانية فيه، لايمكن تلخيصها، وكان لابد من الخروج من المأزق أو الطريق المسدود الذي وصل إليه العلماء فيما يتعلق بالتضخم ودالة الموجة والتقلبات الكوانتية أو الكمومية وعدم التلائم أو التوافق بين النسبية والميكانيك الكمومي وسر الثقوب السوداء وبقاء او ضياع المعلومة في داخلها وفرضية تبخرها والموجات الثقالية وغير ذلك، دفعت ببعض العلماء للتعمق بجرأة في المفاهيم والنظريات السائدة ومحاولة تجاوزها أو تطويرها، ومن بين هذه المحاولات، تجاوز وحدانية الكون المرئي الذي نعرفه وندرسه والإطلالة على ماوراء الأفق الكوني الذي حددته عمليات الرصد والمشاهدة بثلاثة عشر مليار وثمانمائة وعشرون مليون سنة ضوئية وهو العمر الافتراضي التقديري للكون المرئي حسب نتائج تلسكوب بلانك الفضائي، وبالتالي قادتنا المعادلات الرياضية إلى حتمية وجود أكوان أخرى موازية أو متداخلة أو متجاورة لكل منها&خصائصها وفراداتها وقوانينها وثوابتها الفيزيائية بعيدا عن الأصل والبداية التي تتحدث عنها الأديان لكوننا المرئي الذي تحددت بدايته المفترضة بحدث الانفجار العظيم. وبالبحث والتقصي تبين لقلة قليلة ماتزال مهمشة من العلماء، وبعيدا عن الوقوع في فخ الميتافيزيقيا، توصلوا إلى أن الكون المرئي ليس سوى جسيم لامتناهي في الصغر رغم هول حجمه الذي نعرفه نظريا اليوم، وهو واحد من ضمن عدد لامتناهي من الجسيمات الأكوان الأولية التأسيسية لكون أشمل وأكمل وأسمى هو الكون الكلي المطلق الحي الذي يمتد من الأزل إلى الأبد وكل ما يوجد في الوجود ليس سوى جسيمات وخلايا ومكونات كونية لهذا الكون المطلق الحي الكلي ولكن يتعين علينا أن نجد النظرية الموحدة لكل النظريات الأخرى وهي نظرية كل شيء وبموجبها وبفضل معادلاتها سنكتشف القوانين الجوهرية التي تسيره أو تضبط إيقاعه وهي غير القوانين الجوهرية التي تسير كوننا المرئي وهي الجاذبية أو الثقالة والكهرومغناطيسية والنووية الضعيفة والنووية الشديدة أو القوية، فهي تنطبق على خصائص كوننا المرئي وما يشبهه من أكوان متجاورة معه قد تكون نسخة طبق الأصل عنه وقد تختلف عنه في بعض السمات والمزايا بما يعني أن عنصر الحياة الأساسي فيها ليس بالضرورة الكاربون.

شهد القرن العشرون المنصرم، عدداً كبيراً من النظريات العلمية عن الكون المرئي، منها من لقي ترحيباً وشهرة وانتشاراً كبيراً، ومنها من لفه النسيان وبقي حبيس الأدراج حيث لم يلتفت لأهميتها أحد في وقته،ا ولم تحدث ضجيجاً في الأوساط العلمية عند نشرها، لكن البعض منها عرف حالة من الانبعاث والولادة الجديدة بعد عشرين أو خمسين أو حتى مائة عام ولقد مست هذه الحالة حتى الأسماء الكبيرة والمعروفة في الحقل العلمي. فعلى سبيل المثال كتب ألبرت آينشتينAlbert Einstein نصاً علمياً سنة 1935 بالاشتراك مع بوريس بودولسكي Boris Podolsky وناثان روزين Nathan Rosen لكنه عاش حالة من السبات لمدة ستين عاماً تقريباً قبل أن يخرجه علماء من الأجيال اللاحقة ويستشهدون به في أبحاثهم ودراساتهم العلمية في سنوات التسعينات. ولقد ظهرت دراسة في مجلة علمية هي Proceedings of the national Academy of Sciences اقترحت دراسة تحليلية وتفسيرات لهذه الظاهرة حيث قام فريق من الباحثين بقيادة آليساندرو فلاميني Alssandro Flammini أستاذ الملعوماتية في جامعة أنديانا، وقاموا بدراسة 22.8 مليون من الأبحاث&العلمية على مدى أكثر من قرن بغية اكتشاف وفرز النصوص الأنيقة النائمة، كما يسمونها في الأوساط العلمية وتوصلوا إليها من خلال استشهاد أو اقتباس علماء آخرين لبعض النصوص من تلك الدراسات والأبحاث المنسية. وهناك مثال آخر يتعلق بعالم فيزياء مرموق وشهير هو هيوغ إفريت Hugh Everett الذي كان طالب دكتوراه في جامعة برينستون سنة 1957 واقترح حلاً ثورياً تضمن فكرته عن الأكوان المتوازية Univers Parallèles لم يتحمس أحد لفكرته ونسيت تماماً ولم يدرسها أحد في الجامعات والكليات المتخصصة آنذاك ولم يعرف تفاصيلها إلا عدد قليل من الفضوليين يعد على أصابع اليد الواحدة حيث كانت الفكرة هي محور أطروحة الدكتوراه لهيوغ إفريت رغم نشره لها في كتاب طبع بنسخ محدودة جداً وبات نادراً ومفقوداً ويصعب العثور على نسخة منه إلا في بعض المكتبات المتخصصة، وهناك بعض التلخيصات المقتضبة عن الكتاب والأطروحة، المتفرقة هنا وهناك بين طيات الدراسات والأبحاث في هذا المجال ولم يشر إليه أحد. وفي سنة 1990 عثر العالم السويدي ماكس تيغمارك Max Tegmark على نسخة منه في دكان صغير في بريكلي معروف ببيعه للأشياء النادرة والمتطرفة. وكانت أطروحة إفريت مذهلة حيث كان قد طرح المسائل الجوهرية وحلولها في ذلك الوقت المبكر وبشفافية مدهشة وهي نفس المسائل التي ما تزال قائمة ومطروحة اليوم في الجامعات والأوساط العلمية لكنه تميز عن غيره من العلماء بأنه ذهب بعيداً بتقصيه حلولاً ممكنة ومفترضة واكتشف أشياء خارجة عن المألوف إن لم نقل خارقة. فعندما تكون لدى المرء فكرة متطرفة radicale يمكن أن يقول لنفسه من البديهي أنها لا تصلح قبل نسيانها أو إهمالها، لكن إيفريت ليس من هذا النوع وراح يتساءل لماذا لايمكن أن تكون فكرتي صالحة وتعمل، وراح يبحث عن أجوب منطقية لمسائل غير منطقية قادت إلى طريق يمكن أن توصله إلى اكتشاف كبير. وتجرأ إيفريت على البوح علناً بأن دالة الموجة La Fonction d’onde لن تنهار على الإطلاق مهما كانت الظروف على عكس التيار السائد في ذلك الوقت، أي أن دالة الموجة التي تصف الكون تتغير ببساطة على نحو محتوم ومقرر في كل لحظة وفق معطيات وشروط معادلة شوردينغر l’équation de Schrödinger، بعبارة أخرى كانت نظرية إيفريت في الأكوان المتوازية بمثابة ميكانيك كمومي أو كوانتي مخفف، ونزع مسلمة اختزال حزمة الموجة réduction du paquet d’onde فإلى جانب فرضية الأكوان المتوازية تعرض إيفريت إلى فرضيةأن كوننا ينقسم على نفسه إلى عدة أكوان متوازية في كل مرة يتعرض فيها لفعل الرصد والمراقبة وأعيد نشر أطروحته وانتشرت على المواقع المتخصصة وباتت متداولة بين الطلاب والأساتذة. ومن ثم ازدهرت نظرية تعدد الأكوان في الوقت الحاضر وباتت حاضرة في المؤتمرات وحديث العلماء بمن فيهم ستيفن &هاوكينغ stephen Hawking.

كيف سيعرف البشر إن كانوا يعيشون في أكوانٍ متعددة؟

يدّعي بعض الفيزيائيين النظريين بوجود فكرة الأكوان المتعددة، التي تفترض وجود نسخ متطابقة تقريباً عن الكون المرئي المعروف و الموجود مادياً. لكن إذا كانت مثل هذه الأكوان المتعددة موجودة، فكيف سيعرف البشر بوجودها، و ماذا ستعني لنا و للإنسانية؟

وفقاً لـلعالم بريان غرين Brian Greene، و هو فيزيائي نظري و مؤلف من جامعة كولومبيا في نيويورك وصاحب الكتاب الرائع " الواقع المتواري La réalité cachée، فقد jكون هناك طريقة تمكننا من معرفة إن كوننا المرئي الذي نعرفه هو واحدا من أكوان متعددة، ويضيف : إن افتراض صحة بعض النسخ من الأكوان المتعددة قد تكون صحيحة وأكثر عرضةً للتأكيد. ويخبرنا بريان غرين أنه من الممكن أن يُوجد الكون المرئي فوق غشاءٍ عملاق ثلاثي الأبعاد، بينما تقول نظرية الأوتار بأنّ الكون مؤلف من أوتار أحادية البعد، و هي النظرية التي اُقترحت الأكوان المتعددة بالاعتماد عليها.

ويصف بريان غرين هذا العالم بالقول: إذا كان الكون عبارة عن رغيف خبز، فإنَّ كل شيء نعرفه عنه يقع في جانبٍ واحد. فوفقاً لـهذا العالم، فإنه يمكن تصور أن حطاما ناتجا عن تصادمات أدى إلى هجرة جانبنا إلى كونٍ أوسع ليترك ورائه بصمات طاقة مفقودة، يمكن لمسرعات الجسيمات مثل المصادم الهادروني الكبير في سيرن أن يكون قادراً على كشفها.

لنتذكر أن الميكانيك الكمومي أو الكوانتي هو الذي يتعاطى مع الجسيمات الأولية ويصفها بواسطة دالات الموجات، وهذه الأخيرة عبارة عن كيانات رياضياتية تعيننا على حساب إحتمالية وجودة الجسيمات المختلفة في عدد من النقاط في الفضاء أو المكان الكوني. وتلقي الضوء على اللامكانية الجوهرية التي لايمكن تفاديها في المستوى الكمومي أو الكوانتي. ويمكننا التوسع في هذه المقاربة ودراسة دالة الموجة في فرضية تعدد الأكوان آخذين بالاعتبار مبدأ اللاتجانس واللاتساوق مدخلين بالحسبان التجاذبات والتقلبات الكوانتية أو الكمومية لطاقة الفراغ، عند ذلك تبرز عدة اتجداهات لعملية اختيار أو انتقاء للأكوان التي&نجحت في البقاء على الحياة وهو الأمر الذي تم التأكد منه بعد دراسة وتحليل الخلفية الإشعاعية الأحفورية الميكروية المنتشرة.

هناك نماذج أخرى تتعاطى مع أطروحة التعدد الكوني على نحو مختلف ومتنوع مما يتطلب العودة إلى نظرية التضخم المفاجيء في الوقت الذي يقوم به التضخم بتوليد تضخم آخر يولد من رحمه على شكل تدفقات تضخمية مذهلة حيث يتجلى الحقل الفيزيائي على هيئة فراغات كمومية أو كوانتية وتغدو بنية التعدد الكوني حتمية لامفر منها.

تقترح بعض نظريات التضخم-و هي الفكرة التي تقول بأن الكون توسع بشكلٍ سريع جداً خلال الأجزاء الأولى من الثانية التي تلت الانفجار العظيم- نوعاً آخر من الأكوان المتعددة. إذ يُمكن أن يكون الانفجار العظيم واحداً من بين العديد من الانفجارات العظيمة، التي أدى كل منها إلى ولادة كونه الخاص –أي أن كوننا مجرد فقاعة كونية ضمن بحرٍ من فقاعاتٍ أخرى.

في مثل هذا السيناريو، قد يتصادم الكون المعروف مع كونٍ آخر، مما يمكن أن يترك وراءه بصمةً في الخلفية الإشعاعية الكونية الميكروية المنتشرة، و هي الإشارة الأولى التي تركها خلفه الانفجار العظيم وفقاً لـبريان غرين، الذي يؤكد بأنّ كل هذه الأفكار تستمر بالتضارب بشكلٍ كبير، و يضيف: ‘‘إن لهذه هذه الأفكار ما يدعمها مما يجعلنا نفكر فيها بجدية، إلا أنها بعيدة جداً عن الحقيقة العلمية في الوقت الحاضر.