قادة الحرس الثوري في طهران ومعهم حزب الله مصابون بالصدمة بعد زيارة رئيس المكتب السياسي لحركة حماس وزعيمها الخارجي خالد مشعل للرياض وإعلان دخوله في محور مواجهة محور الممانعة الذي عاش وتربى في أحضانه سنوات طويلة.

الزيارة لبيت الطاعة السعودي هلت بعد سنوات من الخصام وصل حد العداء بين حماس المتربعة في الحضن القطري والمنفذة لكل الأوامر المطلوبة منها في "الربيع العربي" والذي أوصلها لصدام عنيف مع المملكة وصل لاعتقال مجموعات لحماس من المقيمين في المملكة بتهم جمع تبرعات والتورط بتحويل أموال لأشخاص وجماعات تخضع لقوانين مكافحة الإرهاب العالمية، بعد أن اختارت الجماعة العداء المطلق مع محور مصر السعودية الإمارات إثر سقوط نظام المخلوع محمد مرسي وحكمه.

التناغم وعودة الود بين الرياض وحماس أخذ مرحلة طويلة من اللوم والعتاب وتقديم خالد مشعل ومن معه براهين الطاعة أنه سيكون الخادم الأمين المنفذ لما يطلب منه، بعد أن ضاقت المساحات بوجهه إثر هروبه من دمشق للدوحة ومشاركته الفاعلة في دعم المعارضة المسلحة والمشاركة معها لإسقاط النظام السوري.

الأزمة اليمنية دفعت بعودة العلاقات بين حماس والسعودية الساعية لتشكيل تحالف سياسي واسع يشارك فيه إخوان اليمن بقيادة حميد الأحمر خصمها اللدود أثناء التحرك الذي قاده الإخوان لإسقاط نظام علي عبد الله صالح لمصلحة الأجندة القطرية، الذي اعتبرته الرياض تحدي لها من قبل القطريين وأدواتهم في اليمن، ومعرفة تفاصيل ومفاصل حركة وعمل جماعات الإخوان ورغبة الرياض بتجميعها تحت جناحها ساهمت بسرعة عودة الود لأن الرياض تعرف حجم العلاقات المتينة في الساحة اليمنية بين حماس وحميد الأحمر.

زيارة مشعل كان عنوانها الأول الطلاق النهائي مع طهران وحلفائها في المنطقة والقرار الذي قبله مشعل مكرهاً أتى بعد أن وضح له أن العلاقة مع محور الممانعة التي تقوده طهران لن تعود لسابق عهدها، فبعد أن غدرت حماس بدمشق التي صنعتها وسلحتها لم يعد للثقة المطلقة مجال معها، وصارت العلاقة محددة بدعم طهران لكتائب القسام في غزة على اعتبارها أداة تقلق إسرائيل وتستنفذ منها جهداً عسكرياً يخدم رؤيتها في الصراع معها.

إحساس مشعل بالتجاهل الإيراني وضياع الثقة والتشجيع القطري له بعد دخول الدوحة الحرب في اليمن ضد الحوثيين أوصله للذهاب طائعاً للحضن السعودي، وحماس الباحثة بأي ثمن عن كسر أطواق الحصار المفروضة عليها بدء من مصر ستحاول استغلال الرضى السعودي للبحث عن مخرج لمصيبتها التي ذهبت لها عن قناعة بإعلان العداء ضد النظام المصري الذي حجمها وفرض عليها الخنوع قسراً أمام نجاحه بتطهير سيناء من الجماعات الإرهابية وإغلاق أنفاق التهريب شريان حياتها الذي يزودها بالمال والسلاح لاستمرار سيطرتها على غزة.

الطلاق مع طهران خصم السعودية الأول والمهدد لأمنها واستقرارها، سيكون له تبعات ونتائج سياسية لا تبدو أنها تعني قيادة حماس كثيراً وخسارة الدعم المالي لن يكون له تأثير يذكر أمام الرضى السعودي، والانعكاس الوحيد السيئ يتمثل في ضرورة تصفية العلاقات المتينة لقادة كتائب القسام مع الحرس الثوري الإيراني والقيادات العسكرية والأمنية لحزب الله في لبنان.

مفاوضات التهدئة بين حماس وإسرائيل برعاية قطرية تتقدم بسرعة وتتضمن هدنة لعشر سنوات ستفرض على حماس تصفية الكثير من مراكز أجنحتها العسكرية في غزة والتي قد تصل لإزاحة بعض رؤوس سيكون بقائها عائقاً أمام ترتيبات التوافق القادم مع إسرائيل برعاية عربية.

حماس ستكون رافعة الصدام ضد التمدد الإيراني الشيعي والذي يحتاج لحشد جهود جماعة الإخوان في اليمن وغيرها لمواجهة قادم نجحت إيران في وضع ترتيباته مع القوى الدولية الكبرى من خلال الاتفاق النووي وإعادة ترتيب بعض الأوضاع في المنطقة، ومجانية الصدام الذي ستقفز له الحركة مع حلفاء الأمس سيدخلها في صدام داخل أجنحتها المتصارعة يعريها أكثر أمام مناصريها سابقاً ولا يوحي بقرب انتهاء أزماتها في ظل الإصرار المصري على إنهاء الفوضى والإرهاب في سيناء، وصدام مجاني في الساحة اللبنانية والتي بنت حماس قوتها فيها بضوء تحالفها مع حزب الله الحاضنة التاريخية لها في المستنقع اللبناني وتشعباته الفلسطينية.

صدمة قفزة قيادة حماس البهلوانية ستتردد بعمق لدى قيادات الحرس الثوري الإيراني وحزب الله المراهنة على أن تصرفات خالد مشعل وجماعته والغدر بالنظام السوري كان موقفاً شاذاً فرضته انتهازية سياسية توهمت قرب نجاح مشروع إسقاطه، فكانت حتمية التباعد معه على أمل أن تنال حماس حصة مع المنتصرين كما فعلت في ليبيا واليمن وتونس بعد سقوط أنظمتها.

مؤشرات القطيعة سيتردد صداها طويلا بين طهران والضاحية الجنوبية لبيروت وبدء حماس بتصفية الإرث الطويل للعلاقة مع محور الممانعة سينطلق سريعا وبدايته من غزة بتجفيف منابع الوجود الإيراني وارتداداته ستكون عنيفة وسريعة في لبنان، والمؤكد أن وجه حماس القديم سيتغير مرة واحدة بدون مساحيق تجميل تحت رايات المقاومة وتحرير فلسطين ورفض الاعتراف بإسرائيل، لكنها ستبقى تحت رايات الإخوان في صدامها القادم مع طهران.