ما كاد ينشف الحبر الذي وقّع فيه مجلس الأمن الدولي الاتفاق النووي بين ايران والسداسية حتى أطلقت واشنطن التهديدات ضد طهران وحذرتها من عواقب خرق الاتفاق، وردت ايران بتهديدات مماثلة وأنها لن تنفذ قضايا لم ينص عليها الاتفاق، مما أثار القلق لدى الكثيرين حول مصير هذا الاتفاق.

كان من الواضح ان الادارة الأميركية تريد توجيه رسالة إلى أعضاء الكونغرس المعارضين للاتفاق وأغلبهم من الحزب الجمهوري توحي لهم من خلالها بأنها ستبقى على مواقفها وسياستها تجاه طهران حتى لو رفعت كل العقوبات عنها وأعادت العلاقات معها، ولكن يا ترى هل درجة سذاجة المعارضين للاتفاق بلغت حدا حتى أنهم لا يميزون بين البالون الاعلامي الذي أطلقه البيت الأبيض وبين ما حدث في مجلس الأمن الدولي والذي سيترتب عليه تغيير كبير في الوضع الاقليمي والدولي؟

لا أعتقد أنهم لا يميزون بين القضيتين، غاية ما في الأمر أنهم يعلنون رفضهم للاتفاق وهددوا بأنهم لن يصادقوا عليه، على الرغم من إدراكهم أن هذه المعارضة والتهديد غير مجدٍ وأن من حق أوباما استخدام الفيتو لاحباطه، غير ان اصرارهم على ذلك يشير إلى أنهم يريدون الدخول في صفقة مع أوباما على أن يمرروا الاتفاق مقابل الحصول على بعض المكاسب.

ولكن مادام التهديد الأميركي لا يخرج عن اطاره الداخلي وان الاتفاق يشق طريقه ويمضي في في تنفيذ الخطوات التالية، فلماذا صعدت طهران من لهجتها وردت على التهديدات بتهديدات مماثلة؟&

تهديدات طهران تعود الى سببين رئيسيين، الأول، طمأنة الايرانيين الذين يساورهم القلق من تبعات هذا الاتفاق بأنها ليست مستعدة لدفع أي ثمن يريده الغرب مقابل الاتفاق، الثاني، ان طهران جادة في التصدي لأية محاولة للتهديد حتى لو لم يكن الطرف الآخر جادا في تنفيذها أو أنه كان يريد توجيه رسالة الى طرف آخر من تهديده ولم تكن طهران هي المقصودة.

هل هذا يعني ان الاتفاق سيتم تنفيذه وفق الخطوات المتفق عليها؟

كل المؤشرات تدلل على ذلك ولكن هناك ألغام لو لم يتم التعامل معها بحذر وحساسية بالغة فانها ستنفجر وتنسف الاتفاق، فيا ترى ما هذه الألغام؟

الأول: تفتيش المواقع العسكرية.

لا شك أن الاتفاق تضمن فقرة حول تفتيش المواقع التي تشك بها الوكالة الدولية للطاقة الذرية، ولا أظن أن طهران سترفض تفتيش ومراقبة بعض المواقع، ولكن أن يتطور هذا الأمر الى التفتيش التدريجي عن كل المنشآت العسكرية الايرانية فهذا ما سترفضه بشكل قاطع طهران، ومع اصرار الغرب على التفتيش وايران على الرفض فان ذلك ينسف الاتفاق.

الثاني: رفع العقوبات.

فمن الواضح أن طهران ما وافقت على وضع القيود على برنامجها النووي من دون مقابل بل كان رفع العقوبات بشكل نهائي عنها شرط أساسي لذلك، من هنا فان محاولة الغرب في فرض عقوبات جديدة أو تمديد الموجودة، واصرار ايران على رفضها سينسف الاتفاق.

الثالث: أزمات المنطقة&

فايران تلتقي مع الاقليم والعالم بضرورة حل كل الأزمات التي تعاني منها المنطقة، وأعربت أكثر من مرة عن استعدادها في المساهمة بحل هذه الأزمات، غير أن الخلاف يقع في سبل حلها، مما يستدعي اتفاق الطرفين على حل وسط لذلك، غير أن ربط أزمات المنطقة بالاتفاق النووي، والاصرار على أن ايران يجب أن ترضخ لطريقة الطرف الآخر في حل الأزمات مقابل تنفيذ الاتفاق النووي سينسف الاتفاق.

الرابع: اسرائيل.

ايران لديها موقف مبدئي تجاه اسرائيل، ولا توجد أية مؤشرات على أنها مستعدة لتغيير هذا الموقف، وتجربة السنوات الماضية أثبتت ان اسرائيل تلقى بتبعات أية أزمة تنفجر بينها وبين الفلسطينيين على الدول التي تدعم المقاومة الفلسطينية، مما يستدعي من القوى العالمية أن ترغم اسرائيل على حل مشاكلها مع الفلسطينيين، لا أن تصطف مع اسرائيل في القاء تبعات الأزمات التي تفجرها على الآخرين وفي مقدمتهم ايران، وطيلة السنوات السابقة ربطت الدول الغربية حل مشكلة الملف النووي باعتراف ايران باسرائيل، وربما يعاود الغرب الى ذلك مع انفجار أية أزمة بين اسرئيل والفلسطينيين، فاذا اصر الغرب على الربط بين الموضوعين فان ذلك يعرض الاتفاق للانفجار.

وبغض النظر عن كل هذه الألغام، فان نجاح الاتفاق النووي أو فشله يتوقف على المكاسب التي يحصل عليها الغرب منه، فاذا نظر اليها على أنها ضرورية له ولا يمكن التخلي عنها فانه لن يقترب من هذه الألغام ولن يعبث بها حتى لا تنفجر، واذا ما طرأ أي خلاف فسرعان ما يسعى الى حله وتسويته، ولكن اذا اعتبر ان الاتفاق لا يحقق له شيئا، فانه سيتعمد العبث بها لتفجيره وافشاله.

ربما سنتحدث في مقال لاحق عن المكاسب التي يحصل عليها الغرب من الاتفاق النووي، عندها سنكتشف ان ترويجه لمقولة انه منع ايران من انتاج القنبلة النووية عبر الاتفاق ماهو الا غطاء لتحقيق تلك المكاسب.