شاهدت مساء يوم 28 تموز 2015 برنامج تحريضي على قناة البغدادية وهو برنامج قضية رأي عام بعنوان: ثورة الكهرباء ثورة شعب ضد الفساد، شارك فيه الناطق الإعلامي باسم وزارة الكهرباء الذي بدا محاصرا من قبل الضيفين الآخرين ومعهم مقدم البرنامج وعجز عن تبرير تقصير وعجز الوزارة عن الوفاء بوعودها وتعهداتها للمواطنين على مدى ثلاثة عشر عاماً منذ سقوط النظام السابق سنة 2003 إلى اليوم. وقد عادت بي الذاكرة إلى تاريخ 4 حزيران 2008 عندما نشرت مقالاً في إيلاف وكان عبارة عن نداء موجه إلى رئيس الوزراء العراقي السابق الأستاذ نوري المالكي وكان بعنوان: لو كنت وزيراً للكهرباء، الذي لفت انتباهه وطلب مقابلتي في باريس للتحدث في الموضوع وفي مواضيع أخرى كثيرة، لكن شيئاً لم يتغير.&

لو أخذت النص السابق ووضعته هنا لما تغير شيء وهو ينطبق بحذافيره على الواقع المزري السائد اليوم والذي يعاني منه المواطن العراقي المسكين وهو يعيش في جحيم الصيف اللاهب حيث وصلت درجة الحرارة في بعض المناطق إلى 55 درجة وبل وحتى 60 درجة في الظل إلى جانب الرطوبة خاصة في مناطق كالبصرة التي ثار أبناؤها احتجاجاً على انقطاع التيار الكهربائي عنها لساعات طويلة وفقدت أحد أبنائها من الشباب الذي سقط جراء إطلاق النار عليه في محاولة لتفريق التظاهرة الاحتجاجية، ثم تلتها تظاهرات احتجاجية أخرى في ذي قار أو الناصرية وربما في مدن عراقية أخرى. وأتساءل ألا يشعر المسئولون في أعلى هرم القيادة السياسية في العراق بالخجل والخطر الداهم عليهم لو تفاقمت ثورة الغضب في الشارع العراقي؟ سمعت كلاماً كثيرا في هذا الملف الحساس ولدي أرقام ومعطيات وتفاصيل مذهلة عما يدور في كواليس الملحمة الكهربائية العراقية ولكن سأذكر رقماً واحداً له دلالة كبيرة وهو أن العراق بحاجة إلى 21 ألف ميغاواط من الإنتاج للطاقة الكهربائية في حين أنه لا ينتج الآن سوى 11 ألف ميغاواط. كل الوزراء الذي تعاقبوا على وزارة الكهرباء تعهدوا للمواطنين ووعدوهم بأنهم سيجدون الحل الناجع والنهائي لإنهاء أزمة الكهرباء مرة وإلى الأبد وكل كلامهم ذهب أدراج الرياح ولم يعد المواطن العراقي يصدق أي مسئول عراقي سواء أكان وزيراً أو نائباً في البرلمان أو رئيس أو عضو مجلس محافظة أو محافظ. عندما يحدثونهم عن الجهود المبذولة أوالتي ستبذل لحل هذه المعضلة المستعصية رغم ما رصد لها من أموال تكفي لتزويد قارة أفريقيا برمتها بالكهرباء. هناك بالطبع عوامل معروفة وأخرى مجهولة أو خفية عن المواطنين تفسر هذا العجز واللامبالاة بمعاناة المواطنين. أهم العوامل المعلنة هو الفساد المستشري في نسيج وشرايين الدولة العراقية ووزارة الكهرباء ليست استثناءاً من هذا السرطان. وهناك بالطبع العوائق الطبيعية كالظروف الأمنية ونقص التمويل اللازم وعدم توفر الوقود لتشغيل المحطات الإنتاجية الخ..&

إن قضية الكهرباء شائكة ومعقدة وتقنية وهي عصب الحياة الحديثة ويقاس بها مدى تطور البلد أو تخلفه، مدى انتعاش اقتصاده أو ركوده. فكل شيء تقريباً يعمل بالكهرباء اليوم وبدونها تشل الحياة فالحداد والنجار والسمكري والكهربائي وصاحب المطعم والمعامل والمستشفيات والأطباء ووسائل الإعلام والاتصالات والمختبرات والجامعات ووووو الخ لايمكنها أن تعمل أو تنتج بشكل صحيح بدون الكهرباء. واليوم ونحن في عز الصيف حيث هناك ارتفاع مضاعف لدرجات الحرارة أكثر من باقي مواسم الصيف التي مضت وعانى العراقيون جحيمها في بيوتهم أو أماكن عملهم، بل أستطيع القول أن موسم الحر بدأ مبكراً هذا العام منذ شهر آذار الماضي حيث أولى بشائر الحر القاتل، تتكرر نفس المأساة، والعراقيون يتساءلون لماذا هذه الأزمة الدائمة والمستعصية على الحل؟ ألا يوجد من ينقذنا من هذا الجحيم ونحن أغنى دولة في العالم؟&

هل من المعقول أن بلداً متقدماً ومتطوراً جداً كالولايات المتحدة الأمريكية الذي حكم العراق عشرة عقود، وبلداً كالعراق بكل إمكانياته المادية الضخمة وكوادره العليا عاجزون أو غير قادرون على وضع حد لهذه المحنة؟ الجواب الأولي هو أن الولايات المتحدة هربت من العراق وتركته كتلة من الخراب والدمار والتناحر الداخلي، ومرتع للفساد المستشري داخل أوصال الدولة العراقية ومنها وزارة الكهرباء، حيث الإهمال واللامبالاة وانعدام الكفاءات وغياب الإرادة الحقيقية الصادقة، خاصة وأن الوزارة لم تقدم للمواطنين سوى الوعود الكاذبة والمشاريع الوهمية وتعلق قصورها على شماعة الإرهاب والوضع الأمني المتردي في السنوات الماضية، وعدم توفر التمويل اللازم والوقود اللازم، وغير ذلك من المبررات، وكلها ذرائع واهية وأعذار غير حقيقية ومبررات كاذبة أو مبالغ فيها، وهي نفس المبررات التي رددها المتحدث الرسمي أو الناطق الإعلامي باسم الوزارة على شاشة قناة البغدادية قبل يومين.

المعروف أن لكل مشكلة حل ولمشكلة الكهرباء عدة حلول. لو كنت وزيراً للكهرباء وأميناً على مصالح البلد ومتحسساً بمعاناة الشعب ومتفهماً لاحتياجاته اليومية، لتصرفت على الفور ومنذ اليوم الأول لتسلمي مهمة وأمانة هذه الوزارة للبحث عن الحلول اللازمة بأسرع وقت مهما كلف الأمر من جهد ومال، ولاقترحت عدة مقترحات منها المؤقتة على المدى القصير والفوري ومنها الإستراتيجية طويلة الأمد وتحتاج للكثير من الوقت والجهد والمال لكنها تعطي ثمارها الأكيدة بعد أشهر أو سنوات قليلة. هناك أولاً مقترح الوحدات والتجمعات السكنية القريبة من بعضها والمشتركة ببعض المزايا الجغرافية حيث يمكن نصب محطات توليد كهرباء صغيرة خاصة بتلك الوحدات السكنية ومعها محطات احتياطية وتكليف القطاع الخاص بإدارتها والإشراف عليها ويقتصر دول الدولة على المراقبة والإشراف وتسهيل المهمات وتوفير الوقود الرخيص وقطع الغيار لإدامة الصيانة وفرض الغرامات العالية جداً على المخالفين أو المتلاعبين بحقوق الناس.

&الكل يعرف أن محطات توليد الطاقة الكهربائية تعمل إما على الهواء وطاقة الرياح " الأوليونات" أو المراوح الضخمة والعالية التي تستغل الرياح وتحولها إلى طاقة كهربائية كما هو متبع في دول شمال أوروبا والدول الاسكندنافية وهولندا وهي وسيلة تحمي وتحافظ على البيئة ولاتلوثها. وهناك محطات تعمل بالمياه واستغلال الشلالات والسدود لتوليد الطاقة الكهربائية. وهناك محطات تعمل بالغاز وأخرى بالوقود كالكيروزين والنفط الأبيض والكازوال والبنزين وغيره من أنواع الوقود وهي متوفرة في العراق باعتباره بلد نفطي كبير، أو يمكن توفيرها عن طريق استيرادها في الوقت الحاضر. وهناك محطات توليد الطاقة الكهربائية التي تعمل بالوقود النووي أي بتجهيز مفاعلات نووية سلمية تقتصر في عملها على توليد الطاقة الكهربائية الرخيصة والمضمونة والوفيرة لكنها تولد نفايات نووية يمكن طمرها في الصحراء الشاسعة تفادياً لضررها. وهناك بالطبع الطاقة الشمسية التي يمكن تحويلها إلى طاقة كهربائية شبه مجانية لأن الشمس في العراق متوفرة والحمد لله صيفاً وشتاءاً فلماذا لايتم استغلالها والأمر ليس طوباوياً أو مستحيلاً فلقد درست هذه الإمكانية دراسة معمقة ووضعت دراسات جدوى لهذا الغرض ويكفي نصب أجهزة مختلفة الأحجام ذات مرايا خاصة أو خلايا ضوئية تستقبل وتختزن الطاقة الشمسية ثم تحولها إلى طاقة كهربائية حسب الطلب والحاجة. وهذه الأجهزة متوفرة بأحجام وأسعار مختلفة ومتننوعة منها مايكفي لبيت واحد تثبت فوق أسطح المنازل أو وسط مجمع سكني محدد أو فوق أسطح بنايات سكنية ومنها محطات ضخمة لتجهيز مدن كاملة بالتيار الكهربائي، ولقد تعهدت شركة فرنسية بتزويد العراق بمكيفات تعمل على الطاقة الشمسية ولا حاجة لها بالكهرباء الوطنية ولا تربط بها تعمل 24 ساعة على 24 ساعة ليلاً نهاراً حيث تحول الطاقة الشمسية فوراً إلى كهرباء لتشغيل المكيف وتخزن في بطاريات خاصة ضمن جهاز التكييف كمية للكهرباء كافية لتجعله مستمراً في العمل طيلة الليل وهذا من شأنه أن يخفف كثيرا من استهلاك الناس والدوائر الحكومية ومرافق كثيرة كالمستشفيات والمذاخر الطبية للطاقة الكهربائية ن وقد اقترحت أنا بنفسي على الوزارة ثلاث مشاريع استثمارية لإنتاج الطاقة الكهربائية من الطاقة الشمسية وما على الوزارة سوى التعهد عبر عقود قانونية بشراء الإنتاج من هذه المحطات الشمسية الأجنبية وربطها بالمنظومة الوطنية وبيعها للمواطنين. كانت المشكلة في السابق تكمن في ثمنها المرتفع الذي يدفع مرة واحدة عند شرائها، لكنها اليوم باتت ارخص بكثير ومتقدمة تكنلوجيا وذات مردودية عالية ومضمونة وصديقة للبيئة، أما المادة الأولية اللازمة لتشغيلها فهي مجانية وهبة من الله للبشر، والصيانة ليست عسيرة أو معقدة. فلماذا لم يفكر بها أحد أو يبادر إلى تطبيقها ولو على سبيل المثال وتقديم عينات عملية ملموسة على أرض الواقع؟

أتعهد للسيد رئيس الوزراء وللسيد وزير الكهرباء المحترمين أنهما لو كانت لديهما الإرادة السياسية الصادقة لتمكنت خلال أسابيع قصيرة من إقناع الحكومة الفرنسية والشركات الفرنسية ذات الاختصاص، بعد تقديم الضمانات اللازمة، ومنها ضمانات سيادية، بالدفع المؤجل أو بالبترول، بنصب مفاعلات نووية متطورة جداً مكرسة لتوليد الطاقة الكهربائية حصرا وتحت إشراف تقنيين غربيين ومراقبة وكالة الطاقة الذرية لتخليص العراق إلى الأبد من أزمة الكهرباء

&