&اكتبوه قبل فوات الأوان فالتغيير في مجال الانترنت و التكنولوجيا سريعَ سريع سريع. دوّنوا ذكرياتكم مع بدايات الانترنت قبل ان تنسوها فمع كل يوم جديد نفتح فيه المواقع المختلفة نلمس تغييرا طرأ عليها، موقع الفيس بوك و الياهو ايميل و غيرهما من مواقع تضيف اشياء جديدة يوميا.
أذكرعن بداية البريد الالكتروني، انني بين الاعوام 1993 – 1996 كنت اسكن احدى الدول الاوروبية و كان احد اقاربي يسكن نيوزيلاندا اخبرني ذات يوم بــأن احدى شركات الاتصالات قدّمت عرضا تجريبيا، و قد كان عبارة عن بريد الكتروني مجاني لمدة شهر، يال السّخاء، في حينها كان الكومبيتر يعمل بنظام "الدوز" – غير الوندوز – و كانت الصعوبة تكمن في تدوين – الاوامر\ الكوماندز – لصعوبه حفظها و تذكّرها و طبعا كنا نستعين حينها بمدونة جانبية لندوّن فيها تعويذات "الكوماندز"، ففتـحنا ايميلا لكنه لم يكن مفيدا حينها حيث لم نعرف من يمتلك البريد الالكتروني غيرنا نحن الاثنين، كانت المراسلات بين الناس لم تزل بالبريد العادي، المهم انه كان سابقة الكترونية. أذكر أنني في نفس تلك السنوات حصلت على اول موبايل و كان كبير الحجم جدا – بحجم فردة حذاء حقيقي – و يصعب حمله في حقيبة اليد النسائية.
اذكر حين عملت في العام الدراسي 98-1999 بالتدريس فى احدى جامعات دولة الامارات العربية المتحدة، كان الجميع حديثي عهد بالكومبيوتر و الانترنت و قد كانت الامارات دائما سبّاقة في استيراد وتطبيق التكنولوجيا، حينها خصصت الجامعة كومبيوتر واحد لكل ثلاثة اعضاء هيئة تدريسية يوضع في غرفة مشتركة، و كان من لديه عنوان بريد اليكتروني يتباهى به امام الجميع و بعضهم يفخر بأنّ لديه اكثر من عنوان بريدي بالظبط كمن يفخر اليوم بامتلاك اكثر من دار سكني، و كأن عدد العناوين البريدية المملوكة للشخص تقيس مقدار تطوره، كان بريد "الهوت ميل" معروفا و اغلبنا يمتلك حسابا فيه و حين سؤل احدنا عن عنوان بريده الالكتروني و أجاب بأنه يمتلك حسابا في "الياهووو" ضحك الجميع لكلمة "ياهووو" ضنّا منهم انها نكتة ها ها ها.
اذكر يوما فتحت فيه بريدي في "الهوت ميل" فلم أجده، و عرفت حينها انّ حساب الايميل يُغلَق اذا لم يُستعمل لمدة ثلاثة اشهر، زعلت حينها من "الهوت ميل" حيث ضاعت معه جميع الرسائل المخزونه وعناوين اصحاب لم يكن من السهل التواصل معهم دونها، ففتحت لي عنوانا في "الياهو" استعمله لحد الآن حيث كان "الياهو ايميل" السبّاق في جعل سعة الخزن غير محدودة، و كانت قبل توسعتها محدودة تذكرنا بمؤشر يظهر كلّما فتحنا الايميل بحجم الذاكرة المملوءة، و احيانا تنصحنا بتحرير جزء من الذاكرة، بحذف بعض الايميلات.
اتذكّر بأنّنا كُنّا نتبادل التهاني مع اعضاء الكادر التدريسي و العاملين في الجامعة في كل مناسبة – ودون مناسبة - بكاردات التهنئة الالكترونية الموسيقية حيث كانت حديثة الاختراع او اننا لا نعرف غيرها، و كنّا كثيرا ما نستعمل "زر" "الكل\اوول" لنرسلها لجميع افراد الجامعة، و حينها كان فتح خط الهاتف للانترنت بطريقة "الدايل-اب".&
و ذات مرة اراد احد اعضاء الهيئة التدريسية التقديم لوظيفة ما فأرسل سيرته الذاتية الى الجميع داخل الجامعة بالخطأ و يبدو انه شعر بالاحراج، فهكذا اجراء يُحاط بالكتمان عادة، فأرسل لنا معتذرا راجيا من الجميع حذف الأيميل و السيرة الذاتية.
عندما ظهرت كلمة (فيرتشوال) على الساحة العلمية قبل عدة سنوات و طغت، كان يصعُب على الغالبية العظمى من الناس فهم ماهيتها حتى من الدارسين، فما هو المختبر الافتراضي؟ و ما معنى المكتبة او قاعة المحاضرات الافتراضية؟ فليس هناك امثلة لها. و اليوم اجد ابنائي وهم يلعبون الالعاب الالكترونية كلّ يعيش مع نفسه في عالمه الافتراضي الخاص به، تماما كما تُصوّره اعلانات بعض الجهات الحكومية التي تحثّ خاصة على التواصل الاسري.
فهذا الابن الاصغر يبني - في الكومبيوتر - بطريقة البلوكات بيتا له و يصنع الكتب والورق و ينشئ خطوط للسكك الحديدية و ينمّي مزروعاته ويكاثر حيواناته، انه يحرص على ان يخزن كل ما حصل عليه في كل مرة في خزانة قبل خروجه من اللعبة (بالتشيست) كما يقول هو، بينما اشياؤه متناثرة في غرفته و لا يهُمّ. هو يقول كلما انهى ساعة او اثنتين متواصلة من اللعب "انا فرحان، احس بانني انجزت عملا هاما اليوم". تخيلوا صار اللعب في عقولهم انجازا. انه جيل الهواتف الذكية.
و هذا الابن الاكبر لايكترث بالدراسة كثيرا و يقضي معظم وقته - فيما عدا ساعات المدرسة ان هو حضرها - في مشاهدة مقاطع الفيديو الكوميدية. هو يشاهدها باستمرارية لا يقطعها فاصل اعلاني لا لتناول الطعام ولا لأي سبب آخر – فترة المادة الفكاهية هذه تبدأ بعد وصوله من المدرسة بدقيقة وتستمر الى ما قبل النوم بثانية او ربما هو يغفو عليها فينام حتى الصباح، وكأن ذلك يساعده في التخلص من عبئ التفكير بالمشاكل المستعصية التي قد يساوره أمر حلّها– لا أعرف ما هي بالظبط- بالتاكيد أن الدراسة و المدرسة تشكلان بعضا منها. ادمان ليس له مثيل، انها متعة العيش في عالمه الافتراضي الممتع المسلي المفرح الى حد القهقهة و طبعا هو الآخر ينام و يصحو في غرفة مأساوية اغراضها جميعا ملقاة على الارض – فهي المكان المخصص لكل الاشياء – و من يعتقد خلاف ذلك فتلك مشكلته.&
وفي هذا العالم اجد نفسي لا تجد من تتحدث اليه, او لعلي أبرّر ما انا عليه من انشغال مستمر بأحد افضل ما و هبتنا اياه امُنا الحضارة –اللاب توب ايضا - انام ليلا عليه لأصحو في اليوم التالي امام نفس الشاشة. شرّ لابد منه، فانا الآن انجز به كل شئ – حقيقةً و لا اقول تقريبا - فبه اتسوّق للأسبوع واسدّد جميع الفواتير واتراسل و اُتلفن وعليه اقرأ الصحف الالكترونية و من خلاله اعرف النشرة الجوية و اسعار العملات و ما يجري في العالم وحتى محيطي الضّيق جدا – مجتمع مدينتي - كذلك اعرف ما هي آخرالعروض و اتابع حسابي في البنك، ثم اني اشاهد على ذات الشاشة برامج التلفزيون العربية و الاجنبية كذلك اجد عليها حلقات ما فاتني من المسلسلات. اصبحت انا الاخرى مُدمنة النِت وبالتدريج مخلصة له كل الاخلاص، كيف لا وانا اعرف من خلاله اخبار الاصحاب اذا غابوا و اعثر على اناس افتقدتهم لعشرات السنين و اتعرف فيه على اصدقاء جُدد و اعرف من خلاله من يشاركني اهتماماتي. وكلما رفعت عيني عن الشاشة و نظرت عبر النافذة سألت نفسي، ما هذا العالم الذي حولي؟&
ما اطول عليكم السالفة، لسنا بأفضل من جيل ابنائنا فالكل يحيا عالمه الخيالي ولكن بالطريقة التي يحب.
*معمارية و استاذة جامعية سابقة
التعليقات