&مثلما اخطأت واشنطن ومنظومة الدول الخليجية في التعامل مع واقع العراق ما بعد عام 2003، تتجدد ذات الاخطاء من جديد بعد توقيع الاتفاق النووي الامريكي مع طهران، بدأت ملامح متغيرات كبرى في العراق لقطف ثمار هذا الاتفاق بما يحد من النفوذ الايراني اولا ويعيد ترتيب الفعاليات السياسية العراقية على رقعة شطرنج ما زالت واشنطن تبحث فيها عن حلول عراقية للانغماس في مشروعها الشرق اوسطي بعد اعوام من الفوضى التي لم تخلق غير نموذج داعش وهيمنتها على ثلث الاراضي العراقية.

&في هذه الظروف ظهر من يريد القفز على ظهر التظاهرات التي تدار بفعاليات عراقية لها علاقات تمويلية وتدريبية مع مؤسسات اميركية ابرزها المعهد الديمقراطي الامريكي، لكن اي من هذه الفعاليات لم تظهر قائدا ميدانيا بإمكانه حشد الجموع الهادرة بمطالب الاصلاح وراءه في تنظيم سياسي واقعي، فيما حاولت احزاب السلطة ان تدير البندقية من الكتف الايراني الى الكتف الامريكي بتطبيقات اقرب الى نموذج "التقية" المعروفة عند الاحزاب الشيعية ، وفي خط ثالث حاول اياد علاوي وغيره من ليبرالي العراق الجدد ركوب ذات الموجة ، غير ان اصلاحات رئيس الوزراء حيدر العبادي ذات الوجه التقشفي الاقتصادي لمواجه ازمة انهيار اسعار النفط اكثر منها اصلاحات سياسية، اسقطت بيد الجميع بان مشاكل التغيير المنشود من اي طرف لابد وان تمر من بوابة مواجهة هذه المعضلة الكبرى التي جعلت الناس يتظاهرون مطالبين برغيف الخبز فيما الدولة بقضها ونقضيها غير قادرة على توفيره، مرة بصورة خدمات الكهرباء والماء واخرى بالقضاء على البطالة ورابعة بالحد من مظاهر الفساد المالي والاداري.

في خضم هذه التطورات التي تتسارع جمعة بعد اخرى في ساحات التحرير العراقية ربما تنتهي الى مطالبة العبادي بالرحيل عن السلطة وحل البرلمان وتشكيل مجلس سيادي، الا ان مشكلة اتفاقات لندن ما بين هذه الاحزاب الشيعية والسنية والكردية ما زال ماضيا مثل السيف القاطع على رقاب الشعب.. جمهور الناخبين.

&كيف؟؟

مرة اخرى تواجه واشنطن والكثير من القوى الاقليمية وابرزها منظومة مجلس التعاون الخليجي ذات الاخطاء الكبرى في التعامل مع المجتمع العراقي لفهم اليات تعاطي المرجعية الدينية في النجف الاشرف مع هذه المتغيرات المتجددة وابرز هذه الاخطاء حينما ترى واشنطن وغيرها من القوى الاقليمية المناهضة للنفوذ الايراني ان ترى في العراق الساحة المناسبة لتصفية حساباتها مع طهران بل العكس هو المفروض بان تكون الساحة العراقية بوابة الحلول لهذه الحسابات بدلا من نموذجا عشوائيا لرد الفعل ، فواقع العراق الجديد بأحزابه الحالية يؤكد بما لأي قبل الشك عدم وجود تلك الفرضية القائلة بان هذه الاحزاب الشيعية لم تخرج من معطف ولاية الفقيه وهي لا تخجل من الافصاح عن ذلك علانية ، لكنها في ذات الوقت يمكن ان تتعامل مع الواقع الاقليمي بما يحول حسابات الشك والاختلاف الى نموذج مطلوب من عودة العراق الى حاضنته العربية، عنها سيكون الشيعي العراقي ، كما هو ابدا ، عربيا خارج النفوذ الايراني ، وفي هذه العودة ستعيد هذه الاحزاب حساباتها اكثر من مرة ، وهي الحالة التي غابت عن واشنطن وعن الكثير من الدول العربية التي استخدمت دبلوماسية الريال للحد مما عرف بالهلال الشيعي، وكسر هذا الهلال بمخاطره الاقليمية لابد وان يكون باحتضان شيعة العراق كونهم عربا ، وليس التعامل معهم على اساس العداء للنفوذ الايراني.

&ومرة اخرى تخطئ واشنطن في التعامل مع هذه الاحزاب بكونها لا ترى فيها تلك القوى الماسكة للشارع الامني في العراق عكس القوات المسلحة التي تحولت الى مجرد وعاء فارغ من محتواه القادر على مسك الارض بل تحولت هذه القوات التي تتعامل بعقلية التدريب الامريكي التي لم تبلور استراتيجية امنية وطنية قادرة على مواجهة تنظيم ارهابي مثل تنظيم داعش.

&ما هو المطلوب؟

&بالتأكيد ان فتح ابواب الحوار قضية مطلوبة بقوة ، وهذا الحوار لابد وان يأتي بحلول مقبولة وموضوعية تحافظ على العراق وطنا للجميع وهي حالة تتحقق فقط حينما لا تخرج الافاعي من جيوب الاخرين لتحطيم الاواصر الاجتماعية باسم الاحزاب التي تندفع مع من يدفع لهم اكثر من اجل تحطيمها كما سبق وان حصل طيلة عقد واكثر من الزمان ، وهذا الحوار لابد وان يكون بروح عروبية خالصة تتجاوز عقدة الطائفية وهلالها الشيعي او رواسب قرون طويلة من الميراث الاجتماعي الطوطمي ، عندها سيفهم الجميع حكمة سيد النجف اية الله علي السيستاني وهو الايراني الجنسية لكنه اكثر عراقية من قادة الاحزاب العراقية شيعية كانت ام سنية كردية ام عربية.&

&