&منذ بداية اطلاق رئيس الحكومة العراقية السيد حيدر العبادي مشروعه الاصلاحي لم ابدِ الكثير من التفاؤل، فالرجل لن يقدر ان يسير في هذا الطريق بمفرده ومن خلال الكلمات والخطابات التي يلقيها في بعض المناسبات والمهرجانات، وهو ان امتلك النية الصادقة، والرغبة الحقيقية للاصلاح فهو بالتأكيد سيكون بحاجة الى قوة الإرادة، ورغبته ان اجتمعت مع قوة ارادته فهو بحاجة الى دعم محلي (من المواطنين ) و(منظمات المجتمع المدني غير الغارقة في الفساد) و (الإعلام الوطني الصادق النزيه) والى دعم من المجتمع الدولي أيضاً، وكل ذلك أي (النية والرغبة والارادة والدعم) بحاجة الى آليات عملية وموضوعية ومعقولة وحازمة كي يمضي في تحقيق مشروعه الاصلاحي (الذي ما زال مشروعاً إعلامياً).

& قبل أربعة أيام صدمتني دعوة العبادي للمؤسسة القضائية لاصلاح بنفسها بنفسها، قائلاً حسب وكالات الإعلام &:(أبلغنا القضاء باصلاح نفسه وهو قادر على ذلك).

& ان هكذا دعوة بحد ذاتها مؤشر واضح على ان العبادي بنفسه في واد ومشروعه الاصلاحي في واد آخر، وهذا الكلام ليس طعناً بالرجل او انتقاصاً من شأن رغبته وارادته بقدر ما هو تنبيه الى انه (أيضاً بدأ يعتمد على ما يكتب له مرؤوسيه ومستشاريه وهو يصدقهم تماماً).

& من المثير بل من الصدمة ان يذهب العبادي هذا المذهب في محاولته لاصلاح القضاء الذي ينخر الفساد في جسده كباقي مؤسسات الدولة العراقية (الدولة الفاشلة)، فهل ينتظر العبادي من بعض الفاسدين ان يتحولوا بين عشية وضحاها ومن خلال خطابه المنبري المتخم بالموعظة والارشاد الى ملائكة يمسحون الأرض من أدران فسادهم بأنفسهم ؟!

& وهل يغيب عن بال السيد العبادي بان الوعظ المنبري عبر كل العصور وفي كل المجتمعات لم يغير من الواقع على الأرض شيئاً ؟! إن كان قد غاب عن باله فعليه بقراءة التاريخ، وإن كان قد قرأ التاريخ فعليه أن يعيد قراءته بعقلية ورؤية نقدية، لا أن يرضى بمدونات التاريخ كمسلمات لاتقبل الجدل.

& في مقالاتي السابقة في هذه الصحيفة كان تركيزي على اصلاح القضاء، ورأيت وأرى انه لا اصلاحَ ينجح قبل ان يتم الشروع في اصلاح القضاء، أما ان ينتظر العبادي من القضاء ان يقوم باصلاح نفسه بنفسه فهذا شيء يثير الدهشة، ويثير العجب، ويضع العشرات من علامات الاستفهام، ويجعلنا كلنا نشكك في مشروعه الاصلاحي...لأن القضاء لن يقوم باصلاح نفسه بنفسه مهما كان الثمن ومهما كانت الدواعي والضرورات... ولكم نتمنى ان يهتم القضاة والمعنيين بالقضاء باصلاح جسد مؤسستهم بقدر مراعاتهم واصلاحهم اليومي لاجسادهم بالغذاء بالدواء والاستحمام كي يبقوا اصحاء الأجساد... فنحن الآن أمام إشكالية إصلاح النفوس والمؤسسات، وهذه مهمة جسيمة وبحاجة الى جهود كبيرة ووقت طويل... وباعتبار ان السيد العبادي شخصية عامة ومن حقنا توجيه اللوم والنقد له، أستميحه عذراً سلفاً لأقول له : مشروعكم الإصلاح يا سيادة رئيس مجلس الوزراء مثير للشفقة، وخطابكم الإعلامي لن يغير من الواقع شيئاً، ونتطلع الى ان تستشير يومياً نماذج وعينات مختبرية من كل الشرائح المجتمعية ومن كل موسسات الدولة، وتستمع اليهم، فحقيقة لا نتمنى لكم ان يأتي يوم ولسان حالكم هو لسان حال الشاعر بهاءالدين زهير حينما قال:

هبوني امرأً قد كنتُ بالبينِ جاهلاً... أما كان فيكم من هداني إلى الرشدِ ؟!

فيا سيادة الرئيس لا تنتظر من القضاء ان يقوم باصلاح نفسه بنفسه.
&

كاتب واعلامي كردي عراقي