&

في التركيز الفاقع لبعض الوسائل الإعلام الخليجية على التجاوزات بحق اللاجئين من دول الشرق الأوسط في الدول الغربية شيء من تطهير الذات، وشيء من التغطية على التخاذل لبعض الدول التي كانت سبباً في سوداوية المشهد في دول الرحيل تلك، وكذلك آلية من آليات التغطية على التخاذل في الاحتواء، كما يضاف ان في مايسمى عملية& التدخل لصالح الضحايا والذي تحاول& قنواتها الإعلامية التركيز عليه كعامل خارجي معزول جزء من تعزيز المحنة ذاتها.
لا ينكر أحد أن الاعلام يتركز كمهمة في تظهير الحقائق، ولكن الأعتدال في مستويات التظهير جزء من المهمة ذاتها. فالعمل على ترسيخ عالم& "مغلق متشنج" من حيث تجزئة الأحداث على مايبدو من عمل الإعلام المرافق لعملية النزوح السوري إلى الغرب، شيء من تطويع الإعلام لصالح مرام سياسي، وهو واحد من أكثر الكوارث وأكبرها على مصداقية الإعلام في العالم العربي أولاً، والشرق الأوسطي ككل ثانياً.
كيف نتحدث عن أنتهاك حصل في إحدى نزل اللاجئين في دولة أصبحت علامة فارقة في استقطاب اللاجئين كألمانيا بغض النظر عن "المسببات" التي جعلتها تسعى لنيل تلك العلامة، ونسخر الصورة المرئية لقنوات فضائية يتابعها ملايين من البشر من بلاد النزوح إلى الدولة المذكورة سابقاً، على أن المجمل العام للقضية في "ثانويات مدانة". فالتجاوزات تجاوزات، وهي تعد على عرف إنساني في الاحتواء في زمن الحروب أولاً ، وتجاوز للمتن القانوني لذات البلد الذي حصل الانتهاك فيه ثانياً. ولكن لايفوت الجميع أن ذات الدول التي تعايش التجاوز تُمارس فعل الرقابة من خلال إعلامها الداخلي، وتسمح لآلتها القانونية بالضرب على المتجاوزين دون هوادة في قفز يحسب لتلك البلدان على المفهوم الرجعي المزروع في ذهنية أصحاب تلك القنوات الإعلامية التي نتحدث عنها، وحكام دولها، والذي يتمحور حول إبن البلد أولاً، لا القانون أولاً، على عكس بلد التجاوز، والذي يتم اختراقه "داخلياً" بصورة مستمرة عند تضاد إبن البلد والحاكم ذاته لصالح الأخير طبعاً في بلدان صورة الحقيقة المجزئة .
في الرصد الفعلي والهادف للانتهاك يجب أن يكون العمل منصب على رصد الانتهاك كانتهاك لا أكثر ولا أقل، ولا يجب أن يتم تأجيج الصورة على أن عالم كامل من العنصرية الفاشية ينتظر القادمين، والمنهكين أصلاً من الفاشية الوطنية التي أجلتهم عن ديارهم. فتكوين الصورة الشاذة يؤسس لتحضر نفسي شاذ أيضاً، وبالتالي التجهيز النفسي للانطواء والتكتل، والتشدد في عدم الإندماج، والامتعاض من أي يفعل صادر من الآخر، وإن كان ضمن المفهوم المحلي للبلد المستقبل من الروتين الاجتماعي على سبيل المثال، وهذا بحد ذاته أفضل فرصة لترجيح نظرية المتجاوزين على اللاجئين، وتقوية التيارات اليمينية التي تمثلها سياسياً.
التطويع الذي يُسيّر عمل الإعلام لايحسب في صالح أصحاب القضية الأصلية في الضجة المرافقة لقصة التدفق الكبير للاجئين على أوروبة هذه الأيام، فصورة الطفل الغريق (إيلان) كانت ذات وقع كبير في الحيز الذهني الإجتماعي لمجتمعات متفرقة، وكان التضامن الإنساني في أبهة صوره، ولم تكن المبادرات الجماعية والفردية الداعمة للقادمين تعطي أهمية للحدود. لكن أن يتحول التباكي الإعلامي العربي على الطفل الغريق وسيلة لجلد الآخر البعيد، وتظهير الذات على أنه جزء من المحنة لا جزء من تشكلها، في تدوير لمفهوم الحقيقة التي تتحدث عن إغلاق بلدان الإخوة للحدود في وجه الإخوة الهاربين شيء من لا أخلاقية المهنة، وشيء من التطويع الهدام، والذي يجب رصده للمسائلة أيضاً.
يجوز التدقيق على الصورة المرئية كعامل مدافع عن قضايا العامة، ويجوز أيضاً أستخدامها أن كان في تأجيجها مزايا لصالح خير الإنسانية أكثر من التبعات الأخرى في بعض الأحيان، وهي ايضاً جزء من لا مهنية العمل الإعلامي، ولكن المغلّفة بالصالح العام في مستوى أخف. لكن أن يكون التناسي المتعمد للفعل المرادف المفيد والإيجابي للحدث المسلط الضوء عليه "كتجاوز" كما في التباعد المقصود الحاصل بين السرد الخبري المتقطع للتجاوزات في بعض الدول الأوروبية، ومناقضاتها من التضامن المجتمعي والمنظماتي الكبير مع القادمين، مؤشر على& أن الإعلام لم يكن صوت الحقيقة، وصورة الردع، بقدر ماهو صدى أحادية الرؤية الناطقة باسم العامل السياسي الذي يغذيه، وصورة عن بشاعة المستويات التي يعايشها شعوب بلاد المسير غرباً.

كاتب كردي سوري