الكثيرون من الأشرار، والبعض من الأخيار يميلون ويعتقدون اليوم، وربّما يروّجون الى جلد الذّات ولومها وتحميلها بأسباب وبآثام حقيقية أو متخيلة. مراجعة الذات أولى خطوات التصالح المطلوب. والتصالح هو أساس الإصلاح العامّ. الماضي ذاكرة، والماضي الذي لم يعالج سيكون قابلا للعودة، أشباحه ستطارد الأفراد والجماعات دوما. تؤرقهم وتؤذيهم& بإستمرار. والماضي الذي لم يدفن، يدّمر الحاضر، ويشطر الوعي ويعفّن الهواء والماء وخلايا البشر.
&الخضوع الطويل معاد للإنسانية. والإذعان نادر في الطبيعة الحيّة. هو غالبا ما يعني، الخوف الذي يصنعه لنا الطغاة عبر الوعي الزائف أو الوعي الخائف. لا فرق.
&ومن هذه المعاداة للذات المزروعة في أعماق النفوس، ومن مكرها وتواطؤها، تنشأ البذاءة ويعّم الإستسلام وتستأنف الدورة المغلقة للكراهية والأحقاد وتختلّ المعايير والموازيين، لتبقى كفّة الأشرار دائما راجحة. أخيارنا وأشرارنا هم أنفسهم والمعركة هي ذاتها. هم مثل "إنسان فرانكشتاين". أو كروحين سكنا بدنا واحدا. لماذا؟.
لا تبحثوا عن الأسباب. فالرحلة اليها شاقّة وطويلة كإسطورة قديمة. وأنتم متعبون منذ عقود. ولا تقولوا مطلقا "إن عرف السبب بطل العجب". فالسبب بات أسباب. ولا تقولوا أكثر ممّا يسمح به التاريخ لكم قوله، سرّا أو في العلن.
&الغضب مشتّت بلا بوصلة ولا دليل. والظلم والاستبداد الطويل يخلقان ضحاياهما الدائميين في تبادل أدوار غامض بين الضحية القديمة وضحيتها الراهنة. ففي لهيب معارك الضحايا القدامى والجدد يعود الجلّاد ويبعث في ثوب جديد. البدائية وقانون الغاب ونواميس الطبيعة تعود وتترسّخ أكثر في غياب قوانين البشر. الخيار المتاح هو ما بين أشكال الموت فقط. ذبحا أم جوعا أم إختناقا في المركبات أم غرقا في أعماق البحار.
&القليلون من الناجين الفقراء عليهم إجتياز حدود& الإهانات والركلات وامتحانات التشكيك حتى في خلايا الدماء الوافدة والهاربة من الجحيم صوب المجهول. أية سياسات أدّت لهذا كلّه؟. هل لا يهمّ كلّ ذلك؟. لا تسألوا. فالهروب نحو النسيان قد يحفظ وجود الفرد أحيانا، ولكنه لا يحافظ على تماسك الجماعات ولا على تجديد عقدها الإجتماعي ورغبتها في التعايش. أليس كذلك؟.
& أرأيتم كم هي المفارقة عجيبة؟. نبحث عن الأسباب ونعشق النسيان في وقت واحد. وحين نعجز عن إيجاد الحلول، نمضي بسهولة الى أسهل الطرق في التحليل : جلد الذات.
ثمّة نظريات ومنظّرون كثر، مهّدوا طويلا لهذا التسطيح. وثمّة ساسة وسياسات أكثر، تعتاش عليها. ترويج الضحالة هي البضاعة، ودبّ اليأس في النفوس هي السوق الأوسع. نعم نحن متخلّفون ولكن لماذا؟. لا تسألوا. فالسؤال سيقلب المواجع ويحرث بقسوة في قيعان الذكريات البعيدة، ونحن ومراجعنا الفكرية والسياسية والدينية نكره الأسئلة ونتجنّب التفكير. انّه عصر الأسبرين.
الهروب الى الأمام هو ليس هروبا من الأزمات العميقة وليس عجزا عن مواجهتها فحسب، وانّما هو تهرّبا من المسؤولية أيضا وتسليما بالمقادير. الذوات البشرية لا تستسلم بهذه السهولة المهينة. هذا ما تقوله انجازات العلوم الانسانية منذ ما يزيد عن قرنين من الزمان. دموع الضحايا لم تعد تكفي لوحدها كي تحرّك الضمير العالمي. فالعالم تغيّر كثيرا، والضمير كذلك. لا أحد سيحترم الضحية الجبانة مهما بلغت بها درجات الألم. لا تسألوا ولا تتسولوا. ثوروا على طوائفكم التي تكاد أن تبتلع الوطن. ساحة التحرير وسط بغداد هي أوسع من كلّ الطوائف والعشائر وأحزاب الغفلة. ثوروا تصّحوا.
باريس
&
التعليقات