&

مع دخول الاتفاق النووي بين الدول الست الكبرى وإيران حيز التنفيذ، تباينت الآراء ووجهات النظر حول هذا الموضوع بين دول مؤيدة، ودول متحفظة، ودول رافضة لهذا الاتفاق على رأسها إسرائيل وبعض دول المنطقة العربية. كما بالغت بعض التحليلات الاقتصادية في إستفادة إيران من رفع العقوبات التي لا يمكن إنكارها، ولكن هذا لن يتحقق خلال فترة زمنية قصيرة كما يتوهم البعض، وإنما قد يستغرق فترة زمنية ما بين ثلاث الى خمس سنوات على الأقل كما يعتقد الكثير من الاقتصاديين.&
العقوبات التي كانت مفروضة على إيران مسؤولة عن حوالي 20% فقط من مشاكل الاقتصاد الإيراني الذي يعاني اصلا من مشاكل اقتصادية بنيوية متعددة منذ عدة سنوات قبل فرض العقوبات الاقتصادية. فالبطالة تصل الى حوالي 14%، ومعدل التضخم يبلغ حوالي 15%، بينما معدل الناتج المحلي الإجمالي لم يتعدى 3% في عام 2015م.
أما القطاع النفطي الذي يمثل المصدر الأهم للعملات الصعبة، هو المتضرر الأكبر من العقوبات السابقة، ولن يسترد عافيته بالسرعة المتوقعة والمطلوبة تقنيا ولوجستيا وإستثماريا بسبب إنهيار الأسعار نتيجة تخمة المعروض النفطي في الأسواق. ومن وجهة نظر الخبراء المتخصصين في شؤون النفط، أن إيران تحتاج الى دعم تقني كبير من طرف الشركات الغربية المتخصصة لرفع انتاجها من النفط.&
على سبيل المثال: لترفع إيران إنتاجها بمقدار 500 ألف برميل يوميا وهذا ما تسعى اليه حاليا، يستغرق ما بين ستة شهور الى إثنا عشر شهرا. أما ان تصل الى مستوى إنتاجها قبل فرض العقويات عليها وهو أربعة ملايين برميل يوميا، فهذا سوف يستغرق ما بين ثلاث الى خمس سنوات، ويحتاج الى استثمارات تقدر بحوالي 200 مليار دولار لإعادة تأهيل البنية التحتية للمنشاءات النفطية المهترئة.
سوف تتوفر لإيران على المدى القريب مبالغ مالية كبيرة تقدر ما بين 120 الى 150 مليار دولار كانت محتجزة لدى اكثر من دولة بسبب العقوبات الاقتصادية. هذه الأموال سوف تستغلها الحكومة الإيرانية لتحديث البنية التحتية المدنية المتهالكة، وتطوير المنشاءات النفطية، وشراء طائرات مدنية حديثة. يقدر خبراء الطيران ان إيران سوف تحتاج الى حوالي 400 طائرة مدنية خلال العشر سنوات القادمة.&
وقد أشارت الأخبار انه خلال الزيارة الحالية التي يقوم بها &الرئيس الإيراني لفرنسا، سيتم في العاصمة الفرنسية توقيع إتفاق كبير مع عملاق الطيران الأوروبي "أيرباص" يشمل 114 طائرة. وربما يوقع مثل هذا العقد في المستقبل القريب مع الشركة الأمريكية العملاقة "بوينج". هذا يعني ان الجزء الأكبر من المبالغ المذكورة أعلاه سيكون من نصيب الشركات الأوروبية والأمريكية.
ويبقى موضوع الإستثمارات الأجنبية من أهم الملفات الشائكة التي سوف تشهد تجاذبات بين التيار المحافظ المسيطر حاليا، والتيار الاصلاحي بقيادة الرئيس الإيراني وفريق عمله الإقتصادي والسياسي. فلا تزال المنظومة البيروقراطية والقانونية حجر عثرة أمام تنشيط حركة الإقتصاد وجلب الإستثمارات الخارجية. لكن المراقبين من الداخل والخارج يتوقعون ان تقوم الحكومة بالتعاون مع الهيئة التشريعية بسن قوانين من شأنها تهيئه الأجواء لجلب الإستثمارات الأجنبية، وطمأنة المستثمرين الأجانب.
كل ما ذكر أعلاه مرتبط بالشأن الإقتصادي، أما ما يخص الشأن السياسي، ففي اعتقادي ان افضل وسيلة لتحقيق الإستقرار والنمو الإقتصادي المستدام، هي ان تعيد إيران النظر في علاقتها السياسية مع الولايات المتحدة ودول أوروبا ومحيطها العربي وخصوصا دول الخليج العربية. وأن تتعاون مع الجميع بإيجابية بهدف تهدئة الأوضاع المتفجرة في المنطقة العربية والعمل على التوصل لحلول سياسية تعيد الاستقرار في المنطقة.
لا أرى داعيا لهذا الهلع في دول الخليج العربي والدول العربية الأخرى من رفع العقوبات عن إيران، فالعدو الحقيقي ليس من الخارج بل هو من الداخل. العدو الحقيقي هو غياب المشاركة الشعبية في السلطة، والفساد الممنهج المستشري بلا حدود، وغياب التخطيط العلمي، والتمييز وقمع حرية الرأي والحريات الشخصية. شاركوا الشعوب في إدارة أوطانهم، وارسوا أسس العدالة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، واقضوا على الفساد وزمرته، والتمييز القائم على أسس طائفية دينية أو عرقية، وصونوا واحترموا حرية الرأي والحريات الشخصية. بهذا سوف يعيش الجميع (حكاما ومحكومين) في سلام وأمان وتطور، ولن تستطيع دول اجنبية مهما بلغت قوتها من إختراق شعوبكم وتهديد أمنكم القومي والوطني. & &
& &
&