&
لو وضعنا مقياسا لما يتمتع به أي مواطن من الحريات والحقوق، وقسنا بها الحقوق والحريات التي يتمتع بها ، وعلى مستوى الكرة الأرضية كلها، مختارين فترة زمنية موحدة ولتكن بداية القرن العشرين مثلا. فاننا سنلاحظ، ان هذا المقياس يبداء بشكل تصاعدي وبزيادة ما يتمتع به المواطن في دول معينة من الحريات والحقوق، قد تتخلها انتاكسة هنا او هناك، الا ان المقياس سيعطينيا بالنسبة للاوربا والامريكيتين وشرق اسيا، تصاعدا بشكل اجمالي. مما يعني ان هذه الدول تسير وفق مسار معين وهو ان غايتها هي خدمة وسعادة مواطنيها.
عانت الدول التي يمكن ادراجها ضمن ما نسميها الشرق أوسطية من استعمار، لم تكن له أي غاية غير امتصاص خيراتها ورفد مغامرات سلاطنة العثمانيين، فرغم ان اوربا خطت خطوات واسعة نحو التقدم، في اغلب مجالات الحياة، الا ان السلطنة العثمانية، والتي كانت على اتصال مباشر مع اوربا، وبالأخص فرنسا وألمانيا، لم تتمكن من اللحاق باوربا ولم تتمكن من وضع التطورات &هذه لخدمة رعية السلطان، لا بل ان القمع المسجل والمعروف كان قد وصل اعلى مساراته بالمذابح التي اقترفت ضد أبناء الديانات الأخرى فمثلا الازيدية عانوا من عشرات المذابح التي خيرتهم بين الإسلام او القتل، وكذلك بالنسبة للمسيحيين حيث يسجل مع بداية القرن العشرين مذابح 1905 وتلتها المذابح الكبرى أعوام 1914_1918 التي راح ضحيتها اكثر من مليون ونصف ارمني وسبعمائة وخمسون الف اشوري ومائة الف يوناني. &
وبعد اندحار الاستعمار العثماني، تأسست دول وطنية، تضم خليطا من الشعوب المتشاركة على الأرض، ورغم الغبن اللاحق بالاقوام الغير العربية مثل الكورد والارمن والاشوريون، حيث يلاحظ تقسيم مناطقهم والحاقها بدول مختلفة، الا ان المكونات وخصوصا الأقليات كانت اكثر رضا من العرب حول واقع هذه الدول، ورغم خروج هذه الأقليات مثخنة الجراح، الا ان مساهمتها في بناء وترقية الدول الوطنية كان لا فتا، في حين ان العرب تمتعوا باغلب خيرات هذه البلدان، واستغلوا ثرواتها لتطوير ثقافتهم ونشر لغتهم. ولو قسنا مشاركة المسيحيين مثلا او اليهود في رفد الدول الوطنية بالعلماء والمفكرين واداريين، لوجدنا دورا كبيرا لابناء هذه الأقليات لا يقاس ابدا بنسبتها مع الأغلبية. في حين ظل المؤمنين بالعروبة، وبان المنطقة المشار اليها هي ارض العرب ووطنهم، وان الاستعمار خانهم في تقسيم المنطقة، يشتكون مر الشكوة من الواقع، متطلعين الى الأهداف الوحدوية، متجاوزين كل حوار او تطلع مشروع لتحسين الأوضاع الاقتصادية والسياسية والقانونية للمواطنين، بحجة الأولية للوحدة ومن ثم تحرير فلسطين والمناطق العربية المحتلة مثل عربستان والاسكندرونة وبعد السبعينيات الجزر الثلاثة في الخليج.
ولكن المفارقة الأكبر، ان مقياس الحريات، تراجع وبشكل مأساوي مع ارتفاع نغمات التحرر والعداء للاستعمار والوحدة. ففي &الوقت الذي كانت الحكومات التي تم وصفها بانها عميلة للاستعمار، اقل استعمالا للقوة مع مواطنيها (يستثنى منها مذبحة الاشوريين عام 1933، حيث قاد البلاد في غياب الملك فيصل ونوري سعيد، مجموعة من المتاثيرن بشعارات العروبة والاسلمة). أي نعم لم تكن حريات تامة، ولكن كان هناك معارضة وكان هناك نوع من الحريات الصحفية وكان هناك انفتاح على الثقافة العالمية، وكان هناك تطور في حقوق المراة. وكان المواطنون يشعرون بانهم أبناء الوطن. ولم يكن يشعر بالاضظهاد ونوع من التماييز السلبي الا أبناء القوميات الأخرى، التي بقت ساكتة املة بالتغيير نحو الاحسن. &لا بل يمكن ملاحظة أمور تلفت النظر ان كمية العنف التي كانت تمارسه &الأنظمة الحاكمة وباسم الدولة، ضد مخالفيها تفاقم بمرور الزمن وكل نظام خلف الاخر تفنن في هذا المضمار كاحد اهم إنجازاته، وبالمقابل كانت المعارضة ليست بعيدة عن هذه الممارسة باسم الانتقام والذي شمل كل من يخالف المعارضة وان كان حليفها في معارضة الأنظمة.
فلو اخذنا تجربة العراق، كثمال، فان وصمة العار للنظام الملكي كانت القيام بإعدام بعض قادة الحزب الشيوعي العراقي، وبضمنهم اول سكرتير له ومؤسسه الشهيد فهد. وهذا حدث في مع بدء الحرب الباردة وتصاعد نغمة الحزب الشيوعي التخوينية للنخبة الحاكمة، في خطاب ديماغوجي لم يكن له من اثر غير تثوير الناس، دون تقديم بدائل سياسية، لا بل ان الحزب لم يتمكن من المساهمة في رفد الحركة الديمقراطية بطروحات قابلة للتحقيق. ولكن لو انتقلنا الى مرحلى ما بعد انقلاب 1958، سنجد العنف يستشري في المجتمع، ورغم ميل الزعيم عبد الكريم قاسم للمهادنة وللعفو عن المخطئين وخصوصا ممن استهدفوه شخصيا، الا ان العنف كان ظاهرة من ظواهر الانقلاب، فاحداث الموصل وكركوك وغيرها من المناطق تثبت ان الأحزاب المشاركة في الحكم والتي في المعارضة شاركت في سفك الدم العرقي وبلا خوف او وجل في الوقت الذي كانت تدعي انها تعمل لاجله. وبعد انقلاب 14 رمضان او 8 شباط 1963 ارتفعت وبشكل مفرط مسألة استعمال القوة، وتطور الى القتل والاغتصاب وصار القانون بيد شبان كل غايتهم الانتقام او اثبات رجولتهم على أناس اسرى وضعفاء شبان سموا الحرس القومي ، وكانت مدة الانقلاب البالغة حوالي عشرة اشهر، حقا جحيما عراقيا، وعشرة اشهر سوداء لم يرى العراقيين مثالا لها. تتميز فترة العارف الأول بانها استمرارية لنظام البعث مع عودة بعض ممارسات الدولة وضبط الأمور ولكن معاناة العراقيين المخالفين بقت ولكنها اتصفت بانها اقل حدة مما سبقها، اما فترة عبدالرحمن عارف فهي يمكن ان يقال عنها بانها الأفضل والأكثر هدواء، ولان عبد الرحمن عارف لم يستعمل القوة ولم يرغب في استعمالها وحاول ان يفتح أبواب التعددية، فانه اتهم بالضعف والوهن. واتت فترة البعث الثانية مع احمد حسن البكر وصدام حسين، ورغم ان فترة البكر شهدت ممارسات عنفية كبيرة وكان من ضحاياها بالاخص المعارضون السياسيون وخصوصا في السنتين الاوليتن، الا ان &العنف لم يستثني اليهود مما دعا البقية الباقية والصامدة للهرب وإنقاذ نفسها. ولكن أجهزة الدولة استمرت بالسير في مسارها البيروقراطي والذي كان يساهم في تصريف أمور الناس واحقاق بعض الحقوق. رغم استمرار بعض الممارسات التمييزية ضد الاشوريين خصوصا حرمانهم من الجنسية العراقية وطرد عشرات الالاف ممن اتهموا بانهم من التبعية الإيرانية. حيث شمل هذا الكثيير من التجار الشيعة لكي يحل محلهم تجار سنة. مع وصول صدام للسلطة وبالصورة العنيفة التي وصل بها، والتي من خلالها تم اعدام مجموعة كبيرة من قيادات البعث ممن شم منهم رائحة المعارضة، سقطت الدولة العراقية، بيد الحزب وسقط الحزب بيد العائلة. وبحجة سرعة الإنجاز تم الغاء القانون في اغلب الأمور وصارت كلمة صدام هي القانون. وصار افراد العائلة يـأمرون ويقررون دون ان يحق لهم قانونا ذلك. وبالاظافة الى دخول البلد حروب كثيرة وخاسرة، فان القمع تزايد وبشكل هستيري، وشمل كل العراقيين ومن مختلف الانتماءات. وما يثير الأكثر ان من خلف صدام وان لم يتمكن من امساك أمور الدولة بشكل تام الا انه تفنن في كمية العنف، وصار الشارع وكل الناس مسرحا وضحايا للعنف المستشري. وصار كل من يملك ولو قليلا من أدوات القو، يستعملها للتنكيل بمنيراه الأضعف، وبالتالي فان احد اهم مهام الدولة انتفى، وهو حماية الناس ونشر الامن واحتكار القوة.
اليوم لم يعد كافيا لنرمي كل الأسباب على الاستعمار واذنابه، ولا على الرجعية وعملاءها ولا على الصهيونية ومخالبها، لان كل هذه قد رحلت او تم تصفيتها حسب ما مر من التاريخ، وبقى الاخيار والوطنيين والمؤمنين، فعلام هذا التصاعد اذا؟ التصاعد في العنف والملاحظ، في كل المنطقة من خلال التدمير التام لكل البنى الاقتصادية والاجتماعية وبيد أبناء الوطن ممن يدعون ملكية الأرضية كهبة الاهية، هو بسب عدم وجود مفهوم للوطنية أصلا، بمعنى ان هناك أناس متساوون في الحقوق والواجبات، وان اختلف جنسهم ودينهم ولونهم. أي نعم مرت البشرية بمثل هذه الحالات، ولكن البشرية اغلبها سائر باتجاه المساواة بين البشر مهما كان منبتهم ولونهم وجنسهم، الا هذه المنطقة، التي لا تزال تستمد حقوقها من المقدس، من ما كان ملائما قبل اكثر من الف سنة، في زمن المفاهيم والقيم والمعارف تنتشر بسرعة &البرق وتعبر الحدود وتدخل البيون دون استئذان. كل انسان في هذه البقعة ينظر للاخر من ناحية طائفته او دينه او قوميته او جنسه، ويحكم عليه من خلال هذه المنظار، وإذا علمنا ان الطوائف والأديان تمفر احداها الأخرى، وتطلب لهم الموت، واذا علمنا ان القوميات فيها السائد والمغلوب، فيها الأكثرية والأقلية، واذا علمنا ان المراة محكوم عليها بفعل العادات التي يتم تقديسها بانها غير مهيئة للعمل العام وانها عار يجب ستره وان شرف الشخ والعائلة والعشيرة متعلق بجزء صغير فيها، فحينها علينا ان نعلم ان عملية التدمير الذاتي مستمرة. &&
&