&
من المقرر إجراء الانتخابات البرلمانية &في إيران يوم الجمعة، 26 فبراير الجاري، لإختيار نواب البرلمان البالغ عددهم 290 نائبا للسنوات الأربع القادمة. ومن المقرر ايضا إجراء انتخابات مجلس الخبراء في نفس اليوم لإختيار 88 عضوا للسنوات &الثمان القادمة. السؤال: هل إيران حقا دولة ديمقراطية؟
قبل الإجابة على هذا السؤال، علينا ان نعرف معنى الديمقراطية: "الديمقراطية كلمة يونانية الأصل بمعنى حكومة الشعب، فالشعب بالمفهوم الديمقراطي يحكم نفسه بنفسه، وهو مصدر السلطات في الدولة، فهو الذي يختار الحكومة وشكل الحكم، والنظم السائدة في الدولة سواء السياسية منها والاقتصادية والاجتماعية. وهذا يعني ان الشعب هو أساس الحكم، وأساس السلطات في الدولة، وهو مصدر القانون الذي تخضع له الدولة". كما ان الديمقراطية تعطي الحق لكل مواطن ان يرشح نفسه لرئاسة الدولة ولعضوية البرلمان والمجالس البلدية، والشعب وحده هو من يقرر من هو الصالح ومن هو الطالح من بين المتنافسين.
هل ينطبق هذا التعريف على الديمقراطية التي تمارسها إيران حاليا؟ في اعتقادي الشخصي ان الجواب "لا"، لوجود مؤسسات سياسية عابرة للسلطات، أي غير مختارة من الشعب مباشرة او لا تمثل كل شرائح المجتمع الإيراني، وتتمتع بصلاحيات تعلو على صلاحيات المؤسسات السياسية المنتخبة مباشرة من الشعب. المؤسسات العابرة للسلطات هي:
&
مجلس صيانة الدستور:&
هو أعلى هيئة تحكيم في إيران، ويتكون من 12 عضوا لمدة ست سنوات، ستة منهم من الفقهاء يختارهم المرشد الأعلى للثورة مباشرة، وستة آخرون من مختلف التخصصات القانونية يرشحهم رئيس السلطة القضائية ويوافق عليهم مجلس الشورى (البرلمان). تناط بأعضاء المجلس مهمات رئيسية، منها: الإشراف على انتخابات مجلس خبراء القيادة، ورئيس الجمهورية، واعضاء مجلس الشورى (البرلمان) ومجالس البلديات. وله الحق في تقييم المرشحين &لكل المؤسسات التي تم ذكرها، واعلان رأيه بشأن اهليتهم للترشح. وله الحق ايضا في تفسير الدستور، وتحديد مدى توافق القوانين التي يجيزها مجلس الشورى مع مقتضيات الشريعة الاسلامية، وله حق النقض تجاه تلك القوانين.&
في انتخابات الرئاسة الايرانية الأخيرة عام 2013م تقدم 686 مرشحا للرئاسة، بعد مراجعة المجلس لملفات المرشحين، تمت الموافقة على ثمانية مرشحين فقط بينهم الرئيس الحالي الشيخ حسن روحاني. وبشأن الانتخابات البرلمانية &ومجلس الخبراء يوم الجمعة القادم، ترشح للبرلمان أكثر من 12 الف شخص إلا ان المجلس لم يوافق إلا على 6185 مرشحا فقط والغى طلبات الآخرين. اما ما يتعلق بمجلس خبراء القيادة، فقد ترشح اكثر من 800 فقيه ولكن المجلس لم يوافق إلا على 161 فقيها وتم رفض الباقين.
&
مجلس تشخيص مصلحة النظام:&
هو احد اجهزة الحكم غير المنتخبة في ايران، وهو الهيئة الاستشارية العليا، حيث تنص المادة 112من الدستور بأن: تشكيل مجلس تشخيص مصلحة النظام يتم بأمر من القائد الأعلى للجمهورية لتشخيص المصلحة في الحالات التي يرى مجلس صيانة الدستور ان قرار مجلس الشورى يخالف موازين الشريعة والدستور في حين لا يوافق مجلس الشورى على هذا الرأي، ولدى المجلس لجان خاصة تعمل في مجال السياسة والأمن والثقافة والاقتصاد وغير ذلك. يتكون المجلس من 31 عضوا يمثلون مختلف التيارات السياسية الايرانية يعينهم المرشد الأعلى للثورة، ما عدا رؤساء السلطات الثلاث (السياسية والتشريعية والقضائية) فإنهم يصبحون اعضاء بحكم مناصبهم. مدة المجلس خمس سنوات. تناط بهذا المجلس ثلاث مهمات:
ان يكون حكما بين مجلس الشورى ومجلس صيانة الدستور في حال نشوب خلاف بينهما، وتصبح قراراته بشأن الخلاف نافذة بعد مصادقة المرشد الأعلى عليها.
ان يقدم الى المرشد الأعلى (الولي الفقيه) النصح عندما تستعصي على الحل مشكلة ما تتعلق بسياسات الدولة العامة.
ان يختار في حالة وفاة المرشد، او عجزه عن القيام بمهامه بقرار من مجلس الخبراء، عضوا من مجلس القيادة يتولى مهام المرشد حتى انتخاب مرشد جديد.
&
مجلس خبراء القيادة:&
يعتبر مجلس خبراء القيادة الهيئة الأساسية في النظام الايراني الذي عهد اليه الدستور مهمة تعيين وعزل المرشد الأعلى، ويتألف المجلس حاليا من 88 عضوا، جميعهم من رجال الدين (الفقهاء) يتم انتخابهم عن طريق اقتراع شعبي مباشر لدورة واحدة مدتها ثمان (8) سنوات، بحيث تمثل كل محافظة بعضو واحد داخل هذا المجلس طالما كان عدد سكانها نصف مليون نسمة، وكلما زادت الكثافة عن ذلك كلما &زاد معها تمثيلها بعدد الأعضاء. تناط بهذا المجلس مهمتان اساسيتان: الأولى، تعيين الشخصية الدينية التي تتوافر فيها كل الشروط الدينية والفقهية لتولي منصب قائد الثورة (الولي الفقيه)، طبقا للمادة 107 من الدستور. والثانية، الإشراف على اعمال الولي الفقيه (القائد)، ومهمة الاشراف هذه التي يقوم بها مجلس الخبراء هي مباشرة وغير مباشرة في الوقت نفسه. حيث يقوم اعضاء المجلس بدراسة قرارات القائد وفقا للمادة 110 من الدستور ويقيمونها، فاذا ما وجدوا غموضا في جانب من جوانبها اتصلوا بالقائد واستفسروا بشأنها.

المرشد الأعلى (الولي الفقيه):
الولي الفقيه هو الذي يحتل الموقع الأول على هرم السلطة في ايران وهو المحور الاساسي في نظامها، والتي من بين صلاحياته المطلقة رسم السياسة العامة للنظام والاشراف على مدى سلامة تنفيذ هذه السياسات من الناحية الدينية والدستورية، وتعيين وعزل فقهاء مجلس صيانة الدستور، ورئيس السلطة القضائية، ورئيس مؤسسة الاذاعة والتلفزيون، ورئيس هيئة الأركان المشتركة للقوات المسلحة، واعلان الحرب، والتوقيع على أمر تنصيب رئيس الجمهورية بعد انتخابه من قبل الشعب، وعزله ايضا. لا يحدد الدستور الايراني فترة زمنية لبقاءه في هذا المنصب، اي يجوز ان يبقى مدى الحياة.
من المؤسسات السياسية الأربع العابرة للسلطات التي اشرنا اليها، فقط مجلس خبراء القيادة منتخب عن طريق اقتراع شعبي مباشر، ومأخذنا على عدم ديمقراطيته ان هذا المجلس، الذي يعين ويراقب المرشد الأعلى ذو الصلاحيات المطلقة، جميع اعضاءه من رجال الدين وهم لا يمثلون إلا نسبة ضئيلة جدا من عدد الشعب الايراني البالغ حوالي 80 مليون. كما ان منصب المرشد الأعلى، الذي منحه الدستور هذه الصلاحيات الواسعة، من المفروض (ديمقراطيا) ان يترشح له اكثر من شخص وينتخب عن طريق اقتراع شعبي مباشر، ولفترة زمنية محددة.&
وجود الدستور واجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في اي بلد، لا يعني ان هذا البلد اصبح ديمقراطيا. كل البلدان العربية والاسلامية لديها دساتير وتجري فيها انتخابات رئاسية وبرلمانية بانتظام، ولكن اكثر هذه البلدان لا زالت بعيدة كل البعد عن الديمقراطية الحقيقية، فالدساتير مفصلة على مقاسات الحكام سواء كانوا ملوكا او امراء او رؤساء، والانتخابات الرئاسية والبرلمانية يتم التلاعب بنتائجها. هذه هي الديمقراطيات الناقصة او القاصرة.&
المصدر: صنع القرار في ايران. الدكتورة نيفين مسعد.