يعيش اللبنانيون في الخليج عامة والمملكة العربية السعودية خاصة فترة يشوبها الكثير من القلق والتوتر نتيجة لتصارع الأحداث السياسية العربية والدولية، ويزيد هذا القلق مع ازدياد صراع النفوذ في المنطقة والمتمثل بالإيراني والخليجي، وما سبقها من انذارات تهدد فئة معينة من اللبنانيين بالطرد من الخليج، وازداد الأمر سوءاً بعد قطع السعودية مساعدات بقيمة ٤ مليارات دولار عن لبنان بسبب مواقف البعض المناهضة لها، حيث خرج التهديد من عباءة فئة معينة ليطال كل الفئات اللبنانية، وبالتالي أصبح الموظف الكادح الذي لا علاقة له لا من قريب ولا من بعيد بهذه الصراعات في خطر لأنه فقط يحمل الجنسية اللبنانية واغترب في الخليج بهدف العمل وكسب الرزق، فكيف انعكس تدهور هذا الوضع على حياته العملية والنفسية؟
&
يجتمعون كل ليلة خميس في لقاء عائلي ويتسامرون في سهرة صباحية تتمحور احاديثها حول اعمالهم ومشاكل اطفالهم في حين يتنافسن النساء على اعداد أطباق لبنانية وغربية، ويسود المرح علي الجلسة لطالما اشتهر اللبناني بطبيعته المرحة وحبه للحياة، الا ان هذه الاجواء بدأت تزول رويدا رويدا في الآونة الأخيرة بعد تهديد طال اللبنانيين العاملين في الخليج بالطرد اذا لم تتخذ الحكومة اللبنانية موقف حاسم اتجاه العداء والتهجم الذي يطالهم من القوى السياسية التابعة لإيران، وبدأت تلك الجلسات تأخذ منحى التوتر والقلق اتجاه المستقبل، يطرح أحدهم فكرة ارسال عائلته مع اولاده الثلاثة الي لبنان خوفا من تدهور وضع عمله، خاصة بعدما بدأ يشعر بإنقلاب جو العمل ضده، واحساسه بعدم الرغبة في وجوده من قبل جنسيات عربية أخرى، يوافقه الرأي صديقه الذي يعمل كمحاسب في شركة سعودية، ويواجه مشكلة في راتبه حيث تم تخفيضه واعتبر انه نوع من انواع المضايقة لكي يخرج من نفسه، اما ذلك الذي فتح مشروعا صغيرا في مجال تسويق القطع الالكترونية يخاف من اهتزاز عمله بسبب مشاركته كفيل سعودي وبالتالي نسف كل ما يملك ويعود فارغ اليدين مع اولاده الاربعة الى بلاده، ويجمعون في حديثهم علي جملة واحدة: “ ما دخلنا بالسياسية، شو خصنا بتصريحات جبران باسيل المعادية للسعودية، راح يعلملنا اولادنا او راح يوظفنا اذا نزلنا علي لبنان”.&
&
إن هذا الخوف يخلق ويترعرع بكتمان، جدرانه وحدوده هي تلك الجلسات المنزلية العائلية، ولم يظهر أي تذمر من قبلهم خوفا على وظائفهم ومستقبلهم، لكن لم يخلو الآمر من شكر كتبه البعض على مواقع التواصل الإجتماعي، لكن الأكبر هو التحرك الرسمي الذي قام به رجال الاعمال وعبروا فيه عن رفضهم للواقع الذي فرضه الوسط السياسي اللبناني، ونشأت حملات استنكارية، ووفود معارضة، وظهور تفجرت من كثرته الوسائل الإعلامية على اختلافها، ولقد رافق هذه الأجواء حملات خليجية كثيفة على مواقع التواصل الإجتماعي تطالب بطرد اللبنانيين من الخليج حيث كتب خالد الشمري تدوينه علي تويتر قال فيها: &“اطردوا اللبنانيين(البريء قبل المسيء) من الخليج وليذهبوا الى حزب اللات الايراني ليشغلهم في الضاحية وايران، وطالب سرحان البلوي بوقف تجديد اقامات اللبنانيين: ” يجب وقف تجديد اقامات جميع اللبنانيين فورآ .. والمغادره الفوريه لمن انتهت اقامته من دون استثناء ..!! وقال معاند العتيبي :“اطردوهم من الخليج خلوهم ينضفو زبالتهم”، وانتشر هاشتاغ #اطردوا_اللبنانيين _من _ الخليج &مرافقا لهاشتاغ #لبنان _ يمتنع _ عن_ التصويت الذي انبثق بعدما امتنع لبنان عن التصويت على بيان وزراء الخارجية العرب واعتراضه على ذكر "حزب الله وربطه بأعمال إرهابية"‫، وأظهرت ردة فعل الخليجي على تويتر نقمة عارمة على العامل اللبناني، الذي لا دخل له بكل ما يجري في الميدان، لا دخل له بتفرد وزير الخارجية بمواقفه لطالما اكتظ التاريخ السياسي اللبناني بتفرد المواقف وتشعبها كل بحسب مصالحه، ولطالما ايضا استوعبت السعودية هذا التفرد على مر السنين فكانت تقابله بروية ونضج، لكن الظاهر أن التقسيمات السياسية والتسويات العالمية (الروسية، الاميريكية،السعودية، الايرانية، التركية، السورية) التي تتسارع على نار حامية هي التي تلقي بظلالها على الواقع الإنقسامي وبالتالي انعكست علي الموظف الذي يعمل من الفجر الى النجر لكسب رزقه.‬
&
وتبقى الأصوات الناطقة بإسمه التي تؤيد هذا وترفض ذاك او التي نظمت حملات مناهضة للقرارات الصادرة عن بعض القوى اللبنانية، هي المبادرات الوحيدة لكن هل فعلا تمثل رأي الموظف الذي ينتظر راتبه ليؤمن مستلزمات عائلته ام انها تمثل اراء شخصية لا تكترث الا بمصالحها الخاصة وخوفها على استثماراتها؟
&