السادة علماء الإقتصاد السياسي والتطور الإجتماعي،

&أضع بين أيديكم "المانيفيستو الشيوعي الجديد" أدناه المكمل لمانيفيستو ماركس وإنجلز 1848، وقد انتهى فعلاً إلى تقويض النظام الرأسمالي في سبعينيات القرن الماضي دون إقامة نظام اشتراكي بديل، مؤملاً نقده بصورة علمية وموضوعية بدلالة كل المعطيات القائمة اليوم لما في ذلك خدمة عظمى للبشرية جمعاء

&
في السادس من آذار 1919 إفتتح لينين في موسكو الإجتماع التأسيسي للأممية الشيوعية الثالثة بحضور ممثلي 37 حزباُ ومنظمة اشتراكية وشيوعية من أوروبا والولايات المتحدة واستراليا واليابان . أكد لينين في خطابه الإفتتاحي .. " أن انتصار الثورة الشيوعية في العالم غدا مؤكداً " ، وأضاف .. " لقد برهنت البروليتاريا الروسية على أنها متقدمة على البروليتاريا في بريطانيا وحتى في ألمانيا " ، وخلص إلى القول .. " إن مستقبل شعوب العالم سيتقرر هنا في موسكو من قبل البروليتاريا الروسية " –وكانت قد غدت روسيا آنذاك مركز الثورة الشيوعية في العالم كله ـ هكذا قرأ لينين في العام 1919 مانيفيستو ماركس وإنجلز الصادر في العام 1848 .
هل هذه القراءة اللينينية في العام 1919 للمانيفيستو الشيوعي الصادر عن ماركس وإنجلز في العام 1848 هي قراءة صحيحة حتى اليوم؟&
بعد قرن طويل يقرأ المثقفون وكتاب الأعمدة في الصحافة العالمية ومن ورائهم العامة يقرؤون جميعهم اليوم استشهادات لينين تلك على أنها خاطئة بعد أن شهد العالم انهيار ثورة لينين الشيوعية نفسها في العام 1991 .
وهل دعاوى هؤلاء المثقفين وكتاب الأعمدة لها ما يبررها ؟&
البورجوازية الوضيعة تميل بطبيعتها إلى إنكار الحقائق حتى الوقائع التاريخية غير القابلة للإشتباه منها . لم يؤكد لينين انتصار الثورة الشيوعية بدءاً من العام 1919 وما بعد إعتماداً على آراء ماركس وإنجلز في مقدمة البيان الشيوعي في العام 1882 حيث قالا .. " تشكل روسيا اليوم الطليعة الثورية في أوروبا " ، وقالا أيضاً .. " قد تصبح الثورة الروسية شارة البدء لثورة البروليتاريا في الغرب " . إعتمد لينين في تصريحاته تلك على الإنتصار التاريخي الذي حققته البروليتاريا الروسية على البورجوازية الروسية وحلفائها من ملاك العقارات وأنصار القيصرية والذين بدأوا الحرب على البلاشفة تحت شعارهم الأثير "الموت للبلاشفة" في مارس 1918 قبل أن يتحققوا من سياسات البلاشفة في مساعدة البورجوازية على استكمال ثورتها في فبراير شباط 1917 .&
كان على البلاشفة، بعد انتصارهم في الحرب الأهلية، أن يتفرغوا إلى العناية بأحوال شعبهم وتدبر أحواله المعاشية وقد طحنته الحرب الإمبريالية والحرب الأهلية التي تلتها مباشرة لكن الدول الاستعمارية الإمبريالية لم تسمح لهم بذلك . فقبل أن تنتهي الحرب الأهلية جيّشت أربع عشرة دولة رأسمالية وإمبريالية تسعة عشر جيشاً كاملة العتاد والعدد وآرسلتها إلى الأراضي الروسية "لتخنق البولشفية في مهدها" &كما توعد ونستون تشيرتشل وزير الحربية البريطاني آنذاك . إلا أن البلاشفة ألحقوا بالمعتدين هزيمة مذلة فكان أن أسقط مجلس العموم البريطاني ونستون تشيرتشل من مقعده الوزاري بعد أن تسبب بإفلاس خزائن المال البريطانية دون جدوى . ذلك أيضاً ما أكد صحة استشهادات لينين .
ثمان سنوات من الحروب المتواصلة 1914 ـ 1921 جعلت من الأراضي الروسية قفراً بلقعاً وشعوبها تبيت على الطوى بتعبير لينين . في العام 1922 فقط تمكنت دولة دكتاتورية البروليتاريا من التوجه إلى العناية بمعاش الشعب فكان أن وصل مستوى الإنتاج القومي في العام 1926 إلى ما كان عليه في العام 1913 قبل الحرب . وتضاعف الدخل القومي بما يزيد على عشرة أضعاف خلال السنوات العشر 1928 ـ 1938 وهو ما جعل الإتحاد السوفياتي أقوى دولة في الأرض . وقد تبدّت تلك القوى الهائلة في معركة ستالينجراد وفي جنود الجيش الأحمر في برلين يقتحمون ملجأ هتلر الحصين تحت الأرض ويسحقون تلك الرأس الهتلرية الشريرة تحت أحذيتهم الثقيلة .
الجيوش السوفياتية قامت بسحق 180 فرقة نازية متقدمة بينما جيوش بريطانيا وأميركا مجتمعة قضت كل سنوات الحرب تواجه ثلاثين فرقة إيطالية متخلفة سيئة التسليح . بل وحتى بعد أنزالهم في النورماندي في يونيو 1944 بعد أن تبدت هزيمة ألمانيا النازية واضحة في الأفق القريب، استعطفوا القوات السوفياتية لفك أسرهم في جبال "الجاردنز" شرق فرنسا في غرّة يناير 1945 وإنقاذهم من الإبادة التامة ؛ فكان أن أمر ستالين بفتح أكبر معركة في تاريخ البشرية في 12 يناير 1945 لفك أسر جيوش بريطانيا وأميركا ودخلت خلال فترة قياسية أراضي بروسيا شرق ألمانيا .
حال انتهاء الحرب توجهت الدولة السوفياتية إلى إعادة إعمار ما دمرته الحرب وكان واسعاً بمختلف المقاييس حيث معظم الحرب جرت على الأراضي السوفياتية . النصر الذي حققه الاتحاد السوفياتي في إعادة الإعمار يوازي انتصاره في الحرب . في العام 1950 كان الاتحاد السوفياتي قد عاد أفضل مما كان قبل الحرب . بل إن ميخائيل غورباتشوف عبر عن إعجابه الشديد في كتابه "البريسترويكا" مما رآه في حملة إعادة الإعمار ووصف الإتحاد السوفياتي بخلية النحل التي لا تنام ليلاً نهاراً وداهمته فكرة تقول أن البلاشفة ليسوا من طينة البشر .
هل تواجد شخص في العالم مع بداية النصف الثاني من القرن العشرين كان يمكنه أن يتصور أن ثمة أخطاراً تهدد وجود الاتحاد السوفياتي أو أن استشهادات لينين في العام &1919 غير صحيحة ؟ طبعاً لم يكن هناك مثل هذا الشخص ؛ بل إن المثقفين وكتاب الأعمدة الذين أشرنا إليهم ما كانوا ليشهدوا في بداية الخمسينيات إلا على حصانة الإتحاد السوفياتي التي لا يعتورها أدنى شك . وليس بلا سبب أن راهن الأمريكيون بكل ما يملكون على هزيمة الشيوعية فخسروا أنفسهم وما حققوا إلا إطالة عمر المشروع اللينيني حيث ضيقوا الخناق على البورجوازية الوضيعة السوفياتية في مسعاها لتقويض الإشتراكية السوفياتية بدءاً من العام 1953 .
من المؤكد وخلافاً لكل التوقعات فإن ستالين وهو الرئيس القوي والحازم لدولة دكتاتورية البروليتاريا كانت تخامره شكوك قوية مع بداية الخمسينيات بمستقبل الإتحاد السوفياتي والثورة الشيوعية، التي كان لينين قد أكد انتصارها قبل 30 عاماً، وقد عبّر عن هذه الشكوك بمناسبات مختلفة نستحضر منها إثنتين :
في الندوة التي عقدها الحزب في العام 1951 تضم القادة والخبراء للبحث في المسائل الإقتصادية للإشتراكية في الاتحاد السوفياتي تحدث ستالين على غير عادتة بكثير من الود تجاه الإنتلجنسيا والفلاحين وهم الأعداء الرئيسيون للبروليتاريا وللإشتراكية برأي لينين، وقد خالف ستالين إذاك غالبية المنتدين وعلى رأسهم مولوتوف الذين طالبوا بتسعير الصراع الطبقي والتخلص نهائياً من طبقة الفلاحين، كما خالف المبدأ الذي استحدثه ستالين نفسه في العام 1938 والقائل .. " كلما تقدمت الإشتراكية كلما استعر أكثر الصراع الطبقي . كان ستالين يخشى على الثورة في حالة تسعير الصراع الطبقي وقد عبّر عن ذلك بكل صراحة .
كشف ستالين عن مخاوفه حول مصائر الثورة الاشتراكية دون لبس عندما طالب الهيئة العامة في المؤتمر التاسع عشر للحزب، نوفمبر 1952، ألا ينتخبوا مرة أخرى الكهول في القيادة والمكتب السياسي بمن في ذلك ستالين نفسه لأنه لم يعد في الكهول طاقة كافية للعمل على نجاح الشيوعية . ولما لم يستجب المؤتمر لطلب ستالين وأعاد إنتخاب جميع الأعضاء أنفسهم، عاد ستالين يقترح انتخاب اثني عشر عضواً آخرين من الشباب المتحمسين للشيوعية كي يتشكل المكتب السياسي للحزب من 24 عضواً وليس من 12 عضوا فقط، وفي ذلك زيادة في الإطمئنان على مستقبل الثورة كما أوضح ستالين ؛ وقد تم ذلك – لو استجاب المندوبون لطلب ستالين ولم يعيدوا انتخاب نفس الكهول في المكتب السياسي للحزب لما تخلف الاتحاد السوفياتي حتى الإنحلال، بل ولما تم اغتيال ستالين بالسم، ولما كان العالم اليوم هو نفس العالم المضطرب الذي نعيش فيه .
ليس من شك في أن تصريحات ستالين حول تشكيل قيادة الحزب أثارت مخاوف أقرانه الكهول في المكتب السياسي وجعلتهم يقلقون على مستقبلهم الحزبي فيتقاعدوا محرومين من أدنى سلطة اعتادوا عليها طيلة عمرهم الطويل، ومنهم على وجه الخصوص وزير الأمن لافرنتي بيريا بعد أن علم أن لدى ستالين شكوك تحوم حول علاقته بشبكة الأطباء اليهود في الكرملين المتآمرين على صحة أعضاء القيادة في الحزب . ومن المرجح أن تلك المخاوف قد لعبت دوراً في تصفية ستالين .
لكن لماذا كان لدى ستالين مثل تلك الشكوك حول مستقبل الثورة ولم يكن لدى لينين مثلها لدى انتهاء الحرب الأهلية في العام 1919 ؟ &
كانت الحرب الأهلية توشك على نهايتها في ربيع 1919 وكانت شرائح من البورجوازية الوضيعة وخاصة الفلاحون الفقراء تقف بقوة مع البروليتاريا الروسية، بينما لدى نهاية الحرب العالمية الثانية والنصر الذي استنزف معظم قوى الاشتراكية بقيت البروليتاريا دون حلفاء . صحيح أن النصر تحقق على أيدي جميع الطبقات السوفياتية في تحالف وطني لكن ذلك التحالف ما كان ليستمر بعد كل الخسائر التي لحقت بجميع الطبقات وخاصة طبقة البروليتاريا . شكلت البروليتاريا الطليعة المقاومة للعدوان النازي الهمجي فالخسائر التي لحقت بالحزب الشيوعي وبالبروليتاريا لم تلحق بأي طبقة أخرى . الهيكلة الطبقية للمجتمع السوفياتي لم تكن بعد الحرب مثلما كانت قبلها . من هنا تولدت شكوك ستالين التي كان لها أسانيدها الحقيقية كما تكشّف فيما بعد .
في الثامن والعشرين من فبراير 1953 تم اغتيال ستالين بالسم ويرجح ذلك المحققون وكذلك مولوتوف أن بيريا وزير الأمن هو من قام بذلك أثناء تناوله العشاء مع ستالين تلك الليلة .
توفي ستالين في مساء الخامس من مارس وفي صباح اليوم التالي 6 مارس اجتمع أعضاء المكتب السياسي الكهول، الذين كان ستالين قد طالب بإبعادهم عن مركز القيادة اجتمعوا وقرروا إلغاء عضوية الإثني عشر عضواً جديداً وهو ليس من صلاحيتهم وفيه تجاوز للقانون وللنظام، بل لا يمكن إعتبار ذلك بغير العبث بمصائر الثورة الإشتراكية . فعضوية المكتب السياسي بين المؤتمر العام للحزب والمؤتمر التالي لا يلغيها سوى الموت أو حكم الإدانة الصادر عن محكمة بمحاكمة علنية .
في سبتمير 1953 دعا خروشتشوف وعصابته في المكتب السياسي اللجنة المركزية للحزب لتلغي الخطة الخمسية الخامسة وقد أقنعها العسكر أن الخطة تشكل خطراً على أمن الاتحاد السوفياتي . ولذلك تم تحويل الأموال المخصصة للصناعات الخفيفة ورفاه الشعب إلى العسكر وصناعة الأسلحة . وما كان ذلك إلا إرتداداً قاطعاً عن الاشتراكية، فالسياسة العامة في التوجه لإنتاج الأسلحة هو ما تسبب بانهيار الدولة السوفياتية والنظام الإشتراكي ولا تستطيع الدولة القائمة اليوم في روسيا ولن تستطيع الاستغناء عن هذه السياسة لأن في ذلك عودة إلى النظام الإشتراكي، وعلينا ألا ننسى أن إنتاج الأسلحة ليس إنتاجاً رأسمالياً خلافاً لما يعتقد البعض .
ما إن أنهى مؤتمر الحزب العشرين أعماله في الخامس والعشرين من فبراير 1956 حتى تقدم خروشتشوف إلى اللجنة المشرفة على التنظيم وهو يرأسها بطلب إضافة جلسة خاصة من خارج أعمال المؤتمر . وافقت اللجنة دون أن تتحقق من أسباب الطلب . في تلك الجلسة الإضافية فوجئ المندوبون بخروشتشوف يسحب تقريراً من جيبة، تقريراً سرياً لا يعلم عنه المكتب السياسي أي شيء كما تقضي الأصول، يهاجم فيه ستالين أيقونة الشعوب السوفياتية المقدسة ويبدو أن ذلك الخطاب المشبوه كان مفروضاً على خروشتشوف من قبل الجنرالات، وقد عبر عن ندمه فيما خصّ ذلك التقرير في تعظيمه لستالين في خطابه في مؤتمر الحزب الحادي والعشرين في العام 1959 وقد عزا إليه كل التقدم والنجاحات الكبرى التي تحققت في الاتحاد السوفياتي . & & & & & & & & & & & & & & & & & & & & & & & & & & & & & &&
في يونيو 1957 إجتمع المكتب السياسي وقرر سحب الثقة من خروشتشوف بأغلبية 7 : 2، لكن خروشتشوف بدل أن يخضع لقرارات الحزب ويخلي مركزيه، الأمين العام للحزب ورئيس مجلس الوزراء، راح يستعطف صديقة وزير الدفاع مرشح لعضوية المكتب السياسي المارشال جورجي جوكوف أن يتدبر مساعدته في وجه البلاشفة الستالينيين . لم يتأخر المارشال رئيس المؤسسة العسكرية المتواطئة مع خروشتشوف وأخذ على عاتقه (!!) دعوة اللجنة المركزية التي لا تُستدعى إلا بقرار من المكتب السياسي . جمع الأعضاء بالطائرات الحربية السريعة من أقاصي الاتحاد السوفياتي بحجة أن ثمة مؤامرة يحيكها أعضاء في المكتب السياسي ضد الأمين العام خروشتشوف . مرت المؤامرة على اللجنة المركزية في اجتماعها غير الشرعي وقررت طرد الأعضاء البلاشفة الذين صوتوا بنزع الثقة وعددهم سبعة من المكتب السياسي والإبقاء على إثنين فقط هما ميكويان وخروشتشوف نفسه . من المعلوم تماماً أن عضوية المكتب السياسي لا تلغيها اللجنة المركزية .
الهرطقات التي تفوه بها خروشتشوف في المؤتمرين الحادي والعشرين والثاني والعشرين في العامين 1959 و 1961 على الترتيب من مثل إلغاء دولة دكتاتورية البروليتاريا ولجم الصراع الطبقي والفصل بين الثورة الاشتراكية والثورة الوطنية والإستقلال المالي لمؤسسات الإنتاج والإلتقاء مع الإمبريالية في منتصف الطريق من أجل سلم العالم، كل تلك التفوهات تدل دلالة قاطعة على أن البورجوازية الوضيعة بقيادة العسكر وتواطؤ خروشتشوف وعصابته بدأت ردتها على الإشتراكية حال وفاة ستالين في 5 مارس 1953 . وهكذا قررت الهروب من الإشتراكية المستحقة لكن إلى أين ؟ إلى اللامكان، إلى الفوضى . إنتاج الأسلحة، الذي ابتدعته البورجوازية الوضيعة السوفياتية سبيلاً للهروب من الإستحقاق الإشتراكي، لا يصنع نظاماً إجتماعياً ولا يؤدي إلا إلى تجويع الشعب وإفقار الدولة، وهو ما حدث في روسيا والجمهوريات السابقة للإتحاد السوفياتي .
&
في روسيا والمعسكر الإشتراكي نجحت البورجوازية الوضيعة في الهروب من الإستحقاق الإشتراكي منذ العام 1953، فهل وازى ذلك هروب من الاستحقاق الاشتراكي في معسكر الرأسمالية ؟
&
الرأسمالية العالمية بدأت الهروب من الاستحقاق الإشتراكي منذ العام 1919 ؛ وإلا بماذا نفسر قيام الدول الرأسمالية بتجهيز 19 جيشاً لغزو روسيا و"خنق البولشفية في مهدها" حتى وصل الأمر إلى إفلاس خزائن المال البريطانية !؟
رُدت جيوش الغزو على أعقابها مهزومة ذليلة وكان أن تعلم الرأسماليون درساً قاسياً وهو إنه ليس بمقدورهم الوقوف بوجه الشيوعيين، ولم يبق لهم سوى "الإنسحاب التكتيكي" وتأمين ذلك بحواجز صعبة على الطريق مثل حاجز الفاشية في إيطاليا 1922 وإقامة منظمة الإخوان المسلمين في مصر 1928 والنازية في ألمانيا 1933.
جيوش البروليتاريا البلشفية عصفت بتلك الحواجز الفاشية والنازية التي كانت قد عصفت بأكبر إمبرطوريتين استعماريتين في التاريخ، بريطانيا وفرنسا . وإنتهت الحرب إلى تواجد دولتين كبريين، الإتحاد السوفياتي وهو الدولة الأقوى وتنادي بالحرية لمختلف شعوب الأرض، والولايات المتحدة التي ورثت كل مواريث الاستعمار وأهمها مقاومة الشيوعية فكانت الحمقى التي استنفذت نفسها في مقاومة الشيوعية وكل ما فعلته هو أنها أطالت في عمر الإتحاد السوفياتي .
في المناخ الذي توفر بعد الحرب وقد تراجعت قوى الإستعمار تراجعاً كبيراً وبالمقابل إتسعت المظلة السوفياتية لتحمي حركات التحرر في آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية، تفجرت ثورة التحرر الوطني في القارات الثلاث 1946 – 1972 واستطاعت كافة الدول المحيطية أن تنجز استقلالها وتشرع في بناء اقتصادها المستقل الذي لا يتسع بالطبع لامتصاص فائض الإنتاج في المتروبول أو المركز الرأسمالي .&
إذّاك فقط تحققت تحليلات ماركس واختنقت الرأسمالية غريقة في فائض إنتاجها .
طبعاً لم يستطع الرأسماليون الاستمرار في تجارتهم وهي حصراً إنتاج البضاعة دون إنتاج الفائض منها والذي يجسد أرباحهم ولذلك ترتب عليهم الإقلاع عن إنتاج البضاعة والإنتاج الرأسمالي . الإستمرار في الإنتاج الكثيف بغير إنتاج الفائض الذي يزيد عن حاجة السوق المحلية وهو ما يؤدي إلى إنتفاء فائض القيمة(surplus value) ، الذي هو الهدف الوحيد للإنتاج الرأسمالي، لا يمكن أن يتحقق إلا في ظل دولة إشتراكية، دولة دكتاتورية البروليتاريا، الأمر الذي فيه حتف الرأسماليين .
البورجوازية الوضيعة السوفياتية نجحت في الهروب من الإستحقاق الإشتراكي عن طريق تحويل قوى العمل المتاحة في المجتمع السوفياتي إلى أسلحة وليس إلى بضاعة ذات قيمة استعمالية . غير أن الرأسماليين لا يستطيعون أن يسلكوا ذات المسلك ؛ فإذا كان بإمكان البورجوازية الوضيعة السوفياتية أن تلقي بأجيال الأسلحة المتعاقبة إلى تلال الخردة والتعويض عن ذلك بتصدير المواد الخام، فالرأسماليون في الغرب لا يستطيعون القيام بمثل هذا الخداع وليس لديهم المواد الخام . فكان المهرب الوحيد أمامهم هو إنتاج الخدمات عوضاً عن البضائع فالخدمات لا تُخزّن ويتم استهلاكها قبل اكتمال إنتاجها ولذلك لا تفيض عن احتياجات الأمة . ولما كانت الخدمات لا تنتج القيمة (Value) أصلاً، عداك عن فائض القيمة، فكان أن تنبّه قادة الدول الرأسمالية الخمسة الأغنى (G 5) في العالم إلى مثل هذه النقيصة فقرروا في اجتماعهم في رامبوييه/باريس نقل القيمة من البضاعة إلى النقود، متجاهلين القانون الأساسي للحياة البشرية التي عمادها إنتاج السلع الحيوية . إستخدم هؤلاء الأغنياء الخمسة كل أموالهم الهائلة في دعم تلك القفزة في الفراغ غير أن الحياة لا تعترف بأحكام أعدائها فأونصة الذهب في العام 1970 كانت قيمتها حوالي 70 دولاراً أميركياً ووصلت في العام 1911 إلى حوالي 1400 دولاراً، أي تضاعفت قيمتها عشرين ضعفاً وما ذلك إلا لأن الذهب هو بضاعة والنقود ليست بضاعة ولا تحمل بذاتها قدراً معتبراً من قوة العمل .
قرار الدول الأغنى الخمسة بسحب عملاتهم من التداول في أسواق الصرف كيلا تخضع لتقلبات الأسعار، وتضامنهم جميعاً في الحفاظ على الأسعار الثابتة لعملاتهم المحددة مسبقاً من قبلهم، وليس من خلال السوق، لم تعد هذه العملات مسهلاً (facilitator) لمجرى الإنتاج الرأسمالي (نقد – بضاعة – نقد) وبذلك تم إغلاق الدورة الحيوية للنظام الرأسمالي وشطبها نهائياً . فإذا ما كانت النقود هي موئل القيمة وحاملها فإن تحويلها إلى بضاعة لم يعد لازماً وذا فائدة رأسمالية !!
وهكذا قرر الرأسماليون الأغنى في العالم الاستغناء عن النظام الرأسمالي لأجل الهروب الميّسر من الإستحقاق الإشتراكي . لكن الهروب إلى أين ؟ إلى اللامكان !!
يذكّرنا هؤلاء الرأسماليون بالحيوانات الشبيهة بالإنسان التي انقرضت لأنها فشلت في إنتاج حياتها مثلما ينتج الإنسان حياته اليوم . قرار الرأسماليين بالإقلاع عن إنتاج البضاعة إنما هو قرار عدمي معاد للحياة البشرية التي تعتمد أساساً على إنتاج القيمة الاستعمالية الحيوية . وعليه فإن كل القيمة في البضاعة وليست في النقود التي قيمتها الاستعمالية الوحيدة هي معايرة القيمة البضاعية إذ لا حاجة للنقود بغياب القيمة البضاعية كما سيكون الحال في الشيوعية . الإتسان تجاوز الإنقراض من خلال إنتاج وسائل الحياة وهي الغذاء والكساء والإيواء، أو البضائع في النظام الرأسمالي . الإقلاع عن الإنتاج البضاعي، وهو ما يبشر به نقل القيمة من البضاعة إلى النقود، إنما هو بالضبط إعدام الحياة الإنسانية حيث أن الإنسان هو دائماً وأبداً الإبن الشرعي (الجينومي) لوسائل الإنتاج البضاعي تحديداً حيث أن إنتاج الخدمات بدأ أصلاً لخدمة الإنتاج البضاعي وهو لا يخلق الحياة، يجمّلها نعم، لكنه لا يخلقها . من هنا رأينا الدول الرأسمالية سابقاً كما في غرب أوروبا والولايات المتحدة، وقد أخذت تقلع عن إنتاج البضاعة منذ أربعين عاماً أو أكثر، لا تستطيع أن توفر الحياة لشعوبها بغير الإستدانة . ليس إلا ضرباً من ضروب الخبل أن توصف الولايات المتحدة بالدولة الرأسمالية الإمبريالية بينما هي أكبر مستورد في العالم للبضائع ورؤوس الأموال وأكثر من نصف موازنتها الإتحادية السنوية هو سندات للصين الشيوعية .
تعلن الولايات المتحدة على أنها أكبر منتج في العالم وتدعي أن إنتاجها السنوي يتجاوز 15 ترليون دولار ؛ لكنها لا تعلن أن قيمة الخدمات منها تزيد على 12 ترليون دولار والتي هي في الحقيقة لا قيمة لها، وقيمة البضائع منها لا تزيد على 3 ترليون دولار . استهلاك الولايات التحدة من البضائع سنوياً لا يقل عن 4 ترليون ولذلك تضطر الولايات المتحدة إلى الإستدانة من الخارج كل عام ما قيتمه حوالي ترليون دولاراً من البضائع . مديونية الولايات المتحدة للخارج تتعدى اليوم 18 ترليون دولارا ؛ ويتفاقم عجزها في خدمة ديونها وستصير إلى الإفلاس في أمد قصير، وليس كل ذلك إلا بسبب الإقلاع عن إنتاج البضاعة كما أكد ذلك الرئيس الأميركي الحالي باراك أوباما إبّان أزمة الرهن العقاري في خريف 2008 . ومع كل ذلك لا ينعدم الخبْل الذين ما زالوا يصنفون الولايات المتحدة على أنها الدولة الرأسمالية الإمبريالية !!
ما كانت الولايات المتحدة لتؤول إلى هذا المآل البائس وتترنح على شفا الإنهيار لو لم تمكنها البورجوازية الوضيعة السوفياتية من إنزال هزيمة ساحقة بالبروليتاريا الأميركية والأوروبية كيلا تؤول كل السلطة إلى البروليتاريا التي تستجيب إلى الإستحقاق الإشتراكي منطلقة في التنمية الإشتراكية الشاملة، وكيلا تستنفذ الطبقة الرأسمالية الأميركية الحمقى كل الثروات الأميركية الهائلة بما في ذلك النظام الرأسمالي نفسه في مقاومة الشيوعية والهروب الفوضوي من الاستحقاق الإشتراكي .
&
البورجوازية الوضيعة السوفياتية هربت في العام 1953 من الاستحقاق الإشتراكي وقصرت كل قوى العمل المتاحة على إنتاج الأسلحة، وهو ما شجع الرأسماليين في الغرب على الهروب من الاستحقاق الإشتراكي من خلال تجنيد كل قوى العمل المتاحة في إنتاج الخدمات . لا الأسلحة ولا الخدمات هي من البضاعة وهي تهلك الثروة بدل أن تنتجها . في روسيا يتحقق تأجيل الإنهيار الشامل للهروب فقط عن طريق تصدير النفط والغاز الذي كان تصديره محرما في النظام الإشتراكي . وتؤجل البورجوازية الوضيعة الأميركية الإنهيار الشامل لمشروع هروبها الفوضوي من الاستحقاق الإشتراكي من خلال الإستدانة حصراً .
كان الزعم بخطأ القراءة اللينينية في العام 1919 للمانيفيستو الشيوعي الصادر عن ماركس وإنجلز في العام 1848 سيستحق الدرس لو أن تعميم إنتاج الأسلحة في المعسكر الإشتراكي السابق أو تعميم إنتاج الخدمات في المعسكر الرأسمالي السابق يوفران نظاماً إجتماعياً مستقراً قابلاً للحياة، لكن لما كان كلاهما يعملان على تجفيف أسباب الحياة الأمر الذي انعكس في مديونية هائلة للعالم تبلغ حتى اليوم أكثر من 75 ترليون دولاراً الأمر الذي يعني قصراً أن الهروب من الاستحقاق الإشتراكي ليس إلا الطريق المغلق النهاية وأن الثورة الشيوعية وكما أكد لينين في العام 1919 مؤكدة الإنتصار . الثورة الشيوعية باتت احتمال البقاء الوحيد القائم أبداً أمام الإنسانية . & &
عمان &25 أغسطس آب 2015
&