&
كثيرون من ساسة العراق ومثقفيه كانوا وطنيين حتى النخاع وخدموا العراق وشعبه كلٌّ في مجاله دون أن يعني ذلك عدم اقتراف أخطاء.
كان جعفر أبو التمن الزعيم السياسي الشيعي رئيس الحزب الوطني وكان اقرب مساعديه مزاحم الباججي السياسي السني وحين اصدر أستاذ سوري كتابا تاريخيا يغمز فيه من آل البيت، كادت تحدث فتنة طائفية، فبادر أبو التمن إلى اصدار بيان وطني رائع يدعو للتماسك الوطني وتحكيم العقل والهدوء، فساهم مساهمة فعالة في وأد فتنة طائفية.
ومحمد رضا الشبيبي السياسي الشيعي ساهم بنشاط في العراق الحديث وكان موضع ثقة الجميع بحيث أنه كان أحد من يختارهم الوصي عبدالاله في هيئة ثلاثية تسمى هيئة الوصايا عند غيابه عن العراق.
وكان الشبيبي شاعرا أيضا وله دواوين عديدة. وحدث مرة سوء تفاهم بينه وبين نوري السعيد فغادر الاجتماع غاضبا وفي المساء ذهب نوري السعيد إلى بيته لتلطيف الأجواء.
والسياسي الشيعي محمد الصدر كان عضوا دائما في تلك الهيئة الثلاثية مارة الذكر، وقد ألف الوزراة عام 1948 بعد وثبة كانون.&
وكان سعد صالح وهو الآخر شيعي وزيرا للداخلية بعد الحرب الثانية وفي عهده أجيزت خمسة أحزاب كانت جميعها علمانية وثلاثة منها ديمقراطية وأميل لليسار.
إن كثيرين من ساسة تلك العهود من شيعة وسنة كانوا علمانيين ويرفضون اقحام الدين في السياسة.
وعرف العراق في تلك العهود أول وزير للمالية هو ساسون حسقيل الذي كان شديد المراقبة والتدقيق في الحسابات وكان لا يتردد عن محاسبة البلاط الملكي نفسه. ولذلك ظهرت بين العراقيين كلمة حسقلة، "لا تحسقلها" أي لا تشدد في الحساب. فأين منه حكام العراق اليوم والفساد المستشري ونهب المليارات والعقارات والعقود الفاسدة إن كانت عقود السلاح او عقودا نفطية، بحيث وصلت العراق منذ أيام بعثة دولية للتدقيق في الفساد البترولي في العراق.
وقدمت الطائفة المسيحية عددا من خيرة الساسة والمثقفين من بينهم يوسف غنيمة، الذي كان يكاد يبكي حنينا الى بغداد حين كان في لندن للعلاج الطبي. ونعرف أيضا يوسف سلمان يوسف فهد الذي ضحى بحياته من أجل سعادة الشعب وتقدم العراق.
أما الملك فيصل الأول فقد جاء للعراق ليحكمه وهو غير عراقي، فكان يتصرف كعراقي صميم ويحرص على تماسك الشعب العراقي وسد الثغرات في وحدته وطالب بالنظر في شكاوى الشيعة والأكراد ومعالجتها. وحين قدم العبادي السياسي الشريف علي لمنصب وزير خارجية انهالت ضده الاتهامات ولا سيما تجريحه بحجة انه من دعاة الملكية مع انه كان في قمة السلطة بعد سقوط صدام ولم يحاول تغيير نظام الحكم. وفوق ذلك داهمت عصابة من الميليشيات بيته مهددة له وطالبة منه مغادرة العراق.
ولا حاجة لإعادة التذكير بنزاهة عبد الكريم قاسم وحبه لشعبه حتى النفس الأخير.
هؤلاء وغيرهم لم يشترك في السياسة من أجل المناصب والامتيازات بل كانوا على مستوى عال من الشعور بالمسؤولية الوطنية ونكران الذات.
إن الحكومات التي تنشد خدمة الشعب حقا هي التي تظل في ذاكرة الشعب وتاريخه. إنها تلك التي تؤمن بالمساوات بين المواطنين وتعمل من أجل اليوم كما تعمل من أجل غد.
&
التعليقات