&

قبل حوالي اسبوعين نشرت بعض وسائل الإعلام تصريحا منسوبا للمستشار في الديوان الملكي السعودي وعضو هيئة كبار العلماء في السعودية "الشيخ عبد الله بن سليمان المنيع"، التصريح يشير الى ان الهيئة تحضر لحوار مع من سماهم "عقلاء الشيعة" في الاحساء والقطيف، او حتى شيعة العراق وايران، او اي بلد من البلدان التي فيها طوائف شيعية لمحاورتهم وبيان الحق لهم، مشيرا الى ان "الثوابت هي القرآن والسنة ومن خالفهما فهو على ضلال". كما اوضح "الشيخ عبد الله" ان فكرة الحوار الآن قائمة في هيئة كبار العلماء، وهناك إعداد لبرامج حوارية على هذا الأساس.

نأمل ان يكون ما نشر في وسائل الإعلام حول هذا المقترح صحيحا، خصوصا بعد ان رشحت لاحقا اخبارا غير مؤكدة تنفي صحة ما نسب للشيخ عبد الله المنيع. لكن هذا لا يمنع ان يبدي المهتمين بشأن وحدة المسلمين سواء من رجال الدين او غيرهم من المفكرين والمثقفين والكتاب من الإدلاء برأيهم في هذا الموضوع، وهذا ما شجعني على طرح هذه الرؤية المتواضعة.

أولا: ان الخلاف بين المسلمين الذي بدأ بعد وفاة الرسول (ص) مباشرة، لم يكن له علاقة لا من قريب ولا من بعيد بالدين الاسلامي وعقائده حيث لا توجد مذاهب وقتها، بل كان سببه الرئيس هو: "من هو احق بخلافة الرسول (ص) أبو بكر ام علي رضي الله عنهما"؟ وقد حسم الخلاف لصالح أبو بكر حيث كانت الغلبة للفريق المتحزب او المؤيد له. المذاهب الاسلامية بشكلها الحالي لم تنشأ او تظهر على الساحة إلا في حوالي منتصف القرن الثاني الهجري، وهذا يعني ان المسلمين قبل ظهور هذه المذاهب كانوا يتعبدون على طريقة واحدة في صلاتهم وصيامهم وحجهم وغيرها من العبادات.

ثانيا: يتفق المسلمون جلهم ان الخلاف بين المذاهب الاسلامية الخمسة الرئيسية هي في الفروع وليس في الأصول. كما ان الخلاف بين المذاهب السنية الاربعة والمذهب الجعفري التي ينتمي اليها الاغلبية الساحقة من المسلمين لا تتعدى 15%. لماذا لا نبني علاقتنا الدينية مع بعضنا البعض على ما نتفق عليه ونسبته 85%، ونعذر بعضنا البعض فيما ما نختلف عليه (الـ 15%) ونتركه للخالق يفصل فيه يوم القيامة.

ثالثا: الاحتكام الى القرآن الكريم والسنة النبوية من اجل إثبات من هو على حق ومن هو على ضلال لن يوحد المسلمين بل ربما يزيد من التوتر والفرقة بينهم، فالقرآن الكريم حمال اقوال او حمال اوجه كما يصفه الإمام علي، وتفسيره جهد بشري قابل للخطأ والنقصان. اذا كان فهم القرآن وتفسيره بهذا الوصف، فما بالك بالسنة النبوية التي يقر المسلمون بانها تعرضت للتشويه والتحريف على مدى القرون الماضية.

رابعا: الخلاف الذي حدث بين المسلمين بسبب تعدد المذاهب لا بد ان يحدث حتى لو لم يكن هناك خلاف على موضوع خلافة الرسول الكريم (ص)، كما حدث للأديان السماوية الاخرى وغيرها من الأديان الموجودة على الارض منذ بدء الخليقة. الاختلاف من سنن الله في خلقه وله الحكمة في ذلك، قال سبحانه وتعالى: "ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم".

خامسا: انا لست ضد مبدأ الحوار، فالحوار لغة الحكماء والعقلاء. ولكن ان يكون الحوار (خصوصا في موضوع عقائدي لدى معتنقيه الكثير من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية التي يستدلون بها على صحة عقائدهم) بهدف ان يثبت احد الاطراف انه على حق والآخرين على ضلال، هذا ليس بالحوار المطلوب. من اجل هذه الأمة، لا نريد حوار تناحر مذهبي يستغله دعاة التقسيم والفرقة، بل نريد حوارا يزيل هذا الاحتقان الطائفي المدمر، ويرجح كفة الاعتدال والوسطية، ويقوي الألفة بين المسلمين.

سادسا: من الأفضل ان يكون الحوار حول تكريس مفهوم العيش المشترك على اساس الأخوة في الانسانية والوطن، واحترام معتقدات بعضنا البعض، وعدم إساءة كل طرف لرموز الطرف الآخر. الرسول الكريم يقول: "الإنسان أخ الإنسان أحب أم كره". والإمام علي يوصي "مالك الأشتر" عامله على مصر ان يتعامل مع الرعية على مبدأ: "أما أخ لك في الدين او نظير لك في الخلق".

سابعا: الحوار بهدف تكريس مفهوم العيش المشترك لن يرضي المتطرفين ودعاة الفتنة من الطرفين، وسيحاولون صب الزيت على النار من الطريق الأكثر حساسية لدى اتباع المذاهب الاسلامية، وهو التطاول على الرموز الدينية "الصحابة وأمهات المؤمنين" لكل مذهب والإساءة اليهم. وهنا يأتي دور العقلاء من رجال الدين من الطرفين، كل طرف يجب ان يلجم اتباعه المسيئين بالرد عليهم وتفنيد اكاذيبهم.

نريد حوار يوحد ولا يفرق ليس بين المسلمين وبعضهم البعض، بل يشمل إخوتنا في الوطن من اتباع الديانات الأخرى، على قاعدة "لكم دينكم ولي دين" وعلى اساس "الدين لله والوطن للجميع". علينا القبول ببعضنا البعض كما ارادنا الله بهذا الاختلاف دون حقد او بغض او كراهية. علينا ان نستمع لبعضنا البعض، ونقرأ لبعضنا البعض، لإزالة الكثير من المفاهيم المغلوطة التي حشيت بها عقولنا منذ سنوات طويلة من طريق دعاة الفتنة والمتاجرين بالأديان من الطرفين.

&