لم يخطر ببالي يوما أن أمرّ على إسمك إذ أخلو الى نفسي، لأنّي لم أعد ذلك الحالم الدمشقي القديم بأندلسِ. فماضينا صار مروحّة للفاشلين ولسجناء الماضي كما أعرف وتعرفين. الفاشلون وقود الحروب ونفايا الأيام وهوامش الأرض والمجتمعات. الرعاة والسادة يدركون قواعد هذه اللعبة عندنا أكثر من غيرهم. لأنّهم لا يحلمون وربّما لا ينامون أصلا. الفشل ينادي على اليأس. وأن تكون بلا إرادة هو المطلوب إثباته في الهندسة السياسية. يصعب عليّ الإعتراف بإنتصارهم في المعركة بنفس الصعوبة التي عليّ الإعتراف بأنّي لست آخر الحرسِ.

لم يخطر ببالي يوما ولا ببال أبناء جيلي بأنّ الوطن حين يعود مجرّد خرقة ملوّثة تربط جراح المذاهب والطوائف والأحقاد القديمة ستموت فيه الأحلام وتنتحر فيه أسباب العيش المشترك. الحلم يافع بطبيعته وللكابوس أياد خشنة. أصابع نحيلة محنّاة تخرج من الحلم لتسبّب لنا الكوابيس. هل غطّيت نفسك جيدا قبل النوم؟. فثمّة فضائح أخرى بإنتظارك. السلطة ثياب الإمبراطور وموعد سقوط الأقنعة. المصالح أفسدت المظلومية التاريخية. التراث والموروث والكلمات المأثورة ضاعت في الزحام. ومعها ضاع الإنسان والوطن.

الحلم الشيعي الطويل سيختنق قبيل ولادته بفعل ضغط المليشيات الخارجية وبفعل الجهل بإدارة الدولة والمجتمع. حتّى وإن تحقّق الكابوس. فالإمبراطورية الرومانية بعظمتها إختنقت بالخوذة العسكرية. أمّا الحلم القديم بالإنتصار للفقراء والذي سيبقى أسيرا لمشروع عسكري وتوسعي خارجي فهو أكبر من قدرة الطائفة على التنفيذ وعلى التأثير في المحيط المحلّي والإقليمي وسيبقى مشلولا عن الحركة وغير قادر على الفعل الحقيقي سوى الإستمرار في تعبئة أحلام الفقراء في القناني الفارغة وسىوى إختصار التاريخ وتأجيل الحلول لهم بإنتظار ظهور "المهدي المنتظر".

لم يخطر ببال روّاد الفكر الشيعي الحديث بأنّ الأمر سوف يؤول للمهرجين. الشروط المحلّية وحدها لا تكفي للسيادة على القرار في عالمنا. المهرجون مفضّلون دوما على الآخرين. إن لم تراجع معاييرك الاجتماعية أولا فإنّ شروط اللعبة هي هكذا. لماذا يتصدّر السفيه ويتراجع الحكيم؟. وما هي شروط الكاريزما السياسية والدينية والإجتماعية والحزبية والعسكرية والمدنية وغيرها عندنا؟. وبأية أحكام وأعراف وقيم ومعايير وشروط يتّم تفضيل أفراد على غيرهم؟. دينيا وعلمانيا. الأمر سيّان.

الأوطان لا تُبنى بالأحقاد وإنّما بالتسامح. كلُّ حزب وكلّ طائفة بل كلّ فرد هو مشروع حقد على الآخرين. جرابيع صغيرة ترفع مشاريع كبرى للحرية. العناوين والشعارات قبل المعاني. التراب قبل الإنسان والوطن قبل المواطن ووطني حبيبي وطني الأكبر حتّى عدنا من أصغر الكائنات المجهرية حضاريا.

إنّها مرحلة الإساءة للدين وللأوطان والمذاهب والقيم الأخلاقية برمّتها. وقد تكون مفيدة تاريخيا لإدراك المعاني العميقة لسيطرة الدين على السياسة. وقد يكون هذا الإدراك متأخرا وفات آوانه ولم يعد هنالك ثمّة علاج. كلّ شيء مدروس ولا عزاء للغافلين.

"أمرُّ بإسمكِ لا جيش يحاصرني ولا بلاد كأنّي آخر الحرسِ..". م.درويش.

&