في عام 2004، وعندما بدأت بکتابة مقالات أتناول فيها الشأن الايراني ، شرعت بالکتابة عن منظمة مجاهدي خلق المعارضة ويومها کانت ضمن قائمة المنظمات الارهابية وواجهت الکثير من الانتقادات التي رکزت على إن هذه المنظمة صارت مجرد عنوان لواقع لم يعد له من وجود، لکنني ومن خلال معلوماتي الواسعة عن المنظمة وتأريخها النضالي منذ عهد الشاه، کنت واثقا من القدرات غير العادية لها وإنها ستبقى واحدة من القوى السياسية الاساسية في المعادلة السياسية الايرانية.

عندما کانت أبواق النظام الايراني تعلن عن إن مجاهدي خلق لم يعد لها من دور ووجود في داخل إيران وإنه قد تم حسم أمرها، وکان هناك"حشد إعلامي" من وسائل إعلام وأقلام عربية تقوم بإجترار ماتعلنه تلك الابواق"من دون تمعن أو تدقيق"، فإن الذي کان يلفت النظر کثيرا، هو إنه لم يکن يمر عام دونما أن تقوم السلطات الايرانية بتوجيه أصابع الاتهام للمنظمة بدور لها في قضايا ومسائل مختلفة بل وحتى إن الذي لم ينتبه له هذا "الحشد الاعلامي"، إن بعض المسٶولين الايرانيين وفي ذروة الزعم بإنتهاء دور المنظمة، کانوا يطالبون أولياء الامور بالانتباه لأبنائهم کي لايتأثرون بأفکار وطروحات مجاهدي خلق وينضمون إليها، الى جانب إن أية عملية أو حادثة کانت تقع فإن الاجهزة الامنية الايرانية سرعان ماکانت تلقي المسٶولية على المنظمة، ولاندري کيف يتم الجمع بين الشئ ونقيضه کما کان ولايزال يفعل نظام ولاية الفقيه في إيران بخصوص موقفه من مجاهدي خلق.

هناك حقيقة مهمة جدا على الاعلام العربي الانتباه لها جيدا، وهي إن منظمة مجاهدي خلق قد تم إدراجها ضمن قائمة الارهاب على أثر"صفقة"مشبوهة بين إدارة الرئيس بيل کلينتون أيام کانت مزاعم الاعتدال والاصلاح في ذروتها وقد إعتقدت هذه الادارة بأنها سوف"تحتوي"و"تعيد تأهيل" نظام ولاية الفقيه، لکن خروج المنظمة لم يتم على أثر صفقة وإنما على أثر معرکة قضائية خاضتها المنظمة في المحاکم الاوربية والامريکية حتى أثبتت برائتها وهنا أود الإشارة الى إن وقع وصدى خروج المنظمة من قائمة الارهاب قد نزل نزول الصاعقة على طهران لأنها کانت تعرف ماذا کان سيعني ذلك والى أين سيقود والاهم من ذلك فقد تم حجب هذا الخبر من جانب وسائل إعلام النظام عن الشعب الايراني عند إعلانه!

التشکيك في المنظمة وفي أفکارها ومبادئها وتأريخها، کان ولايزال يشکل جانبا أساسيا من الحملة المستمرة للنظام الايراني ضدها، لکن الذي يجب معرفته هنا هو إنه وطبقا لنظرية التحدي والاستجابة للفيلسوف والمؤرخ الإنجليزي "أرنولد توينبي"، فإنه ليس لدى المنظمة من حسابات لکي تقوم بتصفيتها مع تأريخها، بل إنه على وسائل الاعلام على مختلف الاصعدة أن تبادر الى تصفية کل ذلك الکم المشبوه من المعلومات التي أخذتها عن النظام بخصوص مجاهدي خلق ولاسيما بعد أن أثبتت الاحداث والتطورات کذب وزيف معظمها وعلى سبيل المثال لا الحصر فإن حادثة تفجير الحرم الرضوي في 20 حزيران 1994، والتي أسفرت عن مقتل 25 زائرا وجرح المئات، لکن تبين فيما بعد تورط الحرس الثوري في تلك الحادثة.

اليوم، وعندما تنظم الجالية الايرانية من أنصار "المجلس الوطني المقاومة الإيرانية" والذي تشکل مجاهدي خلق عمودها الفقري، معرضا مفتوحا في باحة الكونغرس الأميركي لإحياء الذكرى 31 على مجزرة الإعدامات الجماعية ضد السجناء السياسيين عام1988 في إيران على يد نظام ولاية الفقيه ويحضره رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب الأميركي، إليوت اينغل، من الحزب الديمقراطي وألقى كلمة قال فيها" نحن في كلا الحزبين الديمقراطي والجمهوري نقف إلى جانب الشعب الإيراني ونطالب بمراعاة حقوق الإنسان في إيران" مشيرا قبل ذلك الى أنمرتكبي هذه الإعدامات عام 1988، يتبوأون حاليا أعلى المناصب الحكومية في النظام الإيراني. فإن ذلك يعني بأن مجاهدي خلق تمکنت من أن تقف ندا سياسيا مقتدرا للنظام الايراني وترد له الصاع صاعين، إذ لم يعد المجال السياسي الدولي حکرا على النظام الايراني بل إن مجاهدي خلق تمکنت من إقتحامه ببراعة وإن إتصالات أجراها النظام الايراني على أعلى المستويات"بين روحاني وماکرون مثلا" أو بيانات أصدرتها الخارجية الايرانية ضد مشارکات عربية"مصرية وسعودية" في التجمعات السنوية، الى جانب ماقد أثارته طهران ضد الادارة الامريکية بهذا الصدد، کل ذلك يثبت بأن مجاهدي خلق قد صارت قوة سياسية ليست تعمل في داخل إيران ضد النظام ضمن تنظيمات معاقل الانتفاضة ومجالس المقاومة"التي تداعت عن الانتفاضة الاخيرة"في سائر أرجاء إيران، بل وحتى خارج إيران وعلى الصعيد الدولي وإن مجلة"نيوزويك"الامريکية الشهيرة عندما تٶکد في تقرير لها بخصوص مستقبل إيران مابعد هذا النظام قائلة" تعد حركة مجاهدي خلق، الحركة الأقدم والأفضل تنظيما والأكثرشهرة بين العديد من حركات المعارضة الإيرانية التي تنتظردورها." وبطبيعة الحال فإن هذا الاعتراف المهم يأتي بعد أن تمکنت المنظمة من أن تقود الانتفاضة الشعبية الاخيرة کما إعترف بذلك الولي الفقيه بحد ذاته.

مجاهدي خلق قادمة ولامحال من ذلك لطهران، وإن کافة المساعي الجارية من أجل ترميم النظام غير مجدية ولاسيما بعد أن تم تثبيت حقيقتين قاتلتين ضد النظام، أولهما إن الشعب"وکما إعترف روحاني"لم يعد يثق بالنظام، والثاني إنإنخفاض "عدد المصلين في صلاة الجمعة، في جميع أنحاء ايران، إلى أقل من 100 ألف مصلي"، کما إعترف بذلك رجل الدين "حسين موسوي تبريزي"، يدل على إن النظام قد أصبح کالکهل الذي لايستطيع العطار أبدا من إصلاح ماقد أفسده الدهر!