عندما يتحول الحاكم الى دكتاتور، يصبح غبيا&أرعنا..
لأن&حرصه&الشديد&على التمسك بالسلطة&ستفقده&توازنه وستعمي بصيرته عن رؤية الواقع&كما يجب. وسوف يعيش في عالم خيالي تصنعه الحاشية&بهدف المصلحة&، وفي المحصلة فإن الشعوب هي من ستدفع الضريبة&الباهضة للدكتاتورية.
قبل أن يتحول صدام&حسين الى دكتاتور أوحد&بعد إزاحة ولي نعمته أحمد حسن البكر، وحين&شغل منصب النائب كان العراقيون يخرجون عن بكرة أبيهم الى الشوارع للترحيب به والهتاف له أثناء جولاته بمدن العراق، وكان الكثير منهم يرون فيه أملا لنهوض البلاد، ولكن&بعد أن أصبح دكتاتورا وحكم العراق&بقبضة من حديد، زج بهذا الشعب المخلص الى السجون والمعتقلات، وأصبح العراقيالذي كان يركض&ورائه هاتفا " بالروح بالدم نفديك يا صدام" يهرب من أداء&الخدمة&العسكرية ويختبيء بين قصب الأهوار أو يحتمي بجبال كردستان&للحفاظ على حياته بدل&فداء&رئيسه&بالروح والدم.
الدكتاتورية دائما تخلف الدمار والخراب في البلدان، رأينا مصير ألمانيا بعد موت هتلر،&وكذا مصير اليابان بعد الهزيمة الكبرى في الحرب. وقريبا منا رأينا مصير ليبيا واليمن وسوريا والعراق.&
المشكلة أن حكام المنطقة لايعتبرون مما حصل وما آلت اليه مصير الدكتاتوريين، وأبرزهم رجب طيب أردوغان الرئيس " الورع " و" التقي "&حامل القرآن " و" خليفة رسول الله المزعوم " الذي ملأ سجون بلاده&بالمعارضين&كما فعل صدام والأسد&وبات يقلدهما بتصدير مشاكله الداخلية الى خارج حدود&بلاده بإعلان الحرب ضد أعداء وهميين.
قلت في مقال سابق بأن كرد سوريا لم يكونوا يوما مصدر تهديد لتركيا، فلم نر منذ تشكيل حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي السوري&أي نشاط عسكري لهذا الحزب لا&داخل تركيا ولا على حدودها، فلماذا أصر أردوغان على محاربة هذا الحزب ومحاولة إبعاده عن حدود بلاده تحت زعم سعيه لتوطين اللاجئين العرب الفارين من سوريا الى تركيا.
كالعادة أخطأ أردوغان مثله مثل أي دكتاتور في المنطقة حين ظن أنه بالقوة العسكرية الغاشمة يستطيع ترويض الأكراد، وأنه&بإقامة شريط عازل على حدوده&وإنتهاج سياسة شوفينية لتغيير ديموغرافي،&يستطيع أن يخمد الثورة الكردية الناشبة ضد نظامه الدكتاتوري كما أخطأ صدام&في السابق حين ظن أن إقامة&شريط حدودي عازل بعمق عشرين كيلومترا على الحدود الايرانية والتركية وتهجير سكانها، سيؤمن له هدوءا على الحدود، وظن أن تعيين ابن عمه المجرم علي الكيمياوي&مسؤولا للشمال&سيضمن له القضاء على الثورة الكردية.
ولكن&النتيجة كانت مشاهدة صدام وابن عمه داخل قفص الاتهام&بمحكمة جنايات العراق، وفي المقابل&وصول قادة الثورة الكردية الى منصب رئيس الدولة ومجلس الوزراء&والبرلمان.
هناك مثل كردي يقول " ذهب ليسترجع لحيته، لكنه خسر شاربه أيضا ". وهذا المثل ينطبق تماما على أردوغان الذي ظن في غفلة من الزمن ومتغيرات العالم وفي عصر الفيسبوك والفضاء المفتوح أنه بارسال طائرات ودبابات وصواريخ الناتو لمحاربة شعب أعزل لايمتلك غير بندقية، أنه سيسجل نصرا كبيرا وسيسوق مشاكله الداخلية الى خارج بلاده، وانه&بهذه الحرب سيسترجع الدعم المفقود من شعبه لنظامه. لكن كما يقول المثل " راد يكحلها، عماها ". فلم تكن حساب البيدر كحساب الهبل، فورط&نفسه وبلاده في أزمة دولية خانقة&سيضطر في النهاية&الى دفع فاتورة ثقيلة بسبب تلك المغامرة الفاشلة.
فلأول مرة في تاريخ العلاقلات التركية الأمريكية يوافق&الكونكرس الأمريكي على قرار بإدانة مذابح الأرمن، وبأغلبية ساحقة لم يكن أي مراقب سياسي يتوقعها، حيث صادق 405 عضوا&على القرار مشفوعا بالتصفيق والهتاف داخل الكونكرس، وعارضه 11 نائبا فقط..وهذا الرقم له دلالات عظيمة جدا، ويؤكد بأن شعبية ومصالح تركيا في أمريكا أصبحت في الحضيض، فعلى الرغم من التاريخ الطويل&للعلاقات التركية الأمريكية والمصالح المشتركة لم يعد هناك سوى 11 نائبا يؤيدون تركيا من مجموع&أكثر من أربعمائة نائب بالكونكرس. وهذه كارثة بالطبع بالنسبة لتركيا، خاصة وأن قرار المجلس بإدانة المجزرة الأرمنية أصابت تركيا بالمقتل وفضحت أساليبها الدموية&في تصفية معارضيها، مما سيؤثر بطبيعة الحال بسمعتها الدولية.
من جانب آخر، ورغم أن تركيا حصلت على دعم&أكبر قوتين عظميين في العالم وهما أمريكا وروسيا، ورغم أنها دولة عضو في الناتو وتمتلك قدرات عسكرية هائلة وتساندها جيوش المرتزقة التي يفوق أعدادها المائة ألف، إلا أن حملتها العسكرية ضد&أكراد سوريا لم تحقق النتائج المرجوة باقامة المنطقة الآمنة&المزعومة، فقواتها مازالت تراوح&مكانها ولاتستطيع من دون مساعدة أمريكا وروسيا أن تتقدم خطوة أخرى نتيجة المقاومة الشديدة من قوات سوريا الديمقراطية.&وهذا يعني فشل الحملة العسكرية التركية.
على الصعيد الأوروبي فقد كانت الحملة العسكرية التركية ضدأكراد سوريا بمثابة المسمار الأخير الذي دق بنعش تركيا في&محاولاتها المستميتة لدخول الاتحاد الأوروبي، وهناك إحتمال طردها أيضا من حلف الناتو..
أما على الصعيد العربي، فقد خسرت تركيا صداقتها مع جميع الدول العربية التي&ادانت&مجتمعة غزوها الغاشم للأراضي السورية، والدولة الوحيدة الي أيدت تركيا، هي قطر التي هي أساسا دولة مارقة ومنبوذة وتغرد خارج السرب.
لا نغالي بالقول أن أهم أسباب سقوط النظام الجمهوري في العراق ( عبدالكريم قاسم والعارفين وأحمد حسن البكر وصدام حسين) وظهور الجمهورية الطائفية&الحالية بدلا&عنها، هو الحرب المستمرة ضد الشعب الكردي في العراق، فبسبب محاولة صدام حسم هذه الحرب بالتنازل عن جزء من أراضي العراق وفق إتفاقية الجزائر، والتي أدت الى نشوب الحرب ضد إيران بعد تمزيق تلك الاتفاقية من قبل صدام، ثم خروج العراق بمليارات الدولارات من المديونية، والتي قادت الى احتلال الكويت، ثم الحصار والغزو الأمريكي الذي أسقط ذلك النظام.
وكذا الحال مع نظام الأسد في سوريا، الذي أدى قمعه لحقوق الشعب الكردي لبروز الأكراد كأكبر وأعظم قوة عسكرية مناهضة له في الثورة السورية الأخيرة، وبالتأكيد ستحل لعنة الأكراد&على نظام أردوغان وجمهوريته بسبب&عقود طويلة من القهر والقمع العنصري، فما حصل هو اول&الغيث، وبعده سيكون الطوفان.
التعليقات