الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يدعو العراقيين في خطبته على تويتر الى طرد إيران من العراق.. والمرشد الأعلى للجمهورية الإيرانية يدعو في خطبة الجمعة الى طرد الأمريكيين من العراق. ووزير الدفاع الأمريكي يضع قواته في العراق بحالة الإنذار، وقائد قوات الباسداران يضع عناصر ميليشياته في العراق بحالة الإنذار !. وفي المنتصف يضع العراقيون أيديهم على قلوبهم بإنتظار إندلاع اللهيب وقيام الدولتين بتصفية حساباتهم، وسوف تنهال الصواريخ والقذائف على رؤوس العراقيين في حرب لاناقة لهم فيها ولاجمل، بل ولا حتى حمير وبقر.

كان العراقيون دائما مشاريع للحرب بسبب التدخلات الخارجية ، فإما يخوضونها بالنيابة عن الآخرين، واما يخوضها الآخرون على أرضه. وبين هذه وتلك، كانت الضريبة الباهضة دائما من نصيبالعراق.

حتى في عنفوان مجد الدكتاتور صدام حسين الذي كانت إشارة من اصبعه تخيف حكام المنطقة ، كانت هناك تدخلات أجنبية في شؤون العراق، بدليل ما ذكره طارق عزيز في تصريح له معلقا على فشل مفاوضات السلام بين حكومته وبين الاتحاد الوطني الكردستاني عام 1984، حين أشار الى أن السبب في عدم توقيع الإتفاق مع الأكراد كانت تركيا التي ضغطت على صدام للتراجع عن اتفاقية السلام . ولعل الاتفاق الثنائي الذي وقعه صدام مع تركيا والذي سمح للقوات التركية بالتوغل داخل الأراضي العراقية بعمق 20 كم ، هو دليل آخر على ضعف السيادة العراقية حتى في أوج قوة صدام وهيبة الدولة.

خاض صدام حربه ضد إيران بالنيابة عن الامبريالية الأمريكية التي إرتعبت من ظهور الجمهورية الاسلامية بقيادة الخميني.. ثم خاض حربه ضد الكويت بالنيابة عن الأحزاب القومية التي نادت بـ " تحرير " القدس من الصهيونية، هكذا قال صدام حين أشار الى أن طريق القدس يمر عبر الكويت!. ثم تورط في حربه الأخيرة ضد أمريكا وحلفائها تحت زعم امتلاكه لأسلحة نووية، ثم ظهرت الحقيقة بأنه لايمتلك عتادا لبنادق جيشه المتهرئة!. وفي كل تلك الحروب كانت الدماء الغزيرة تسيل من جسد العراق ويذهب شبابه ضحايا لحروب عبثية لاطائل من ورائها. وبالتأكيد ستكون الحرب القادمة كارثة أخرى تلحق بالعراق، حيث أن إيران ستنقل ساحتها الى العراق لأنها أساسا تعاني من إحتجاجات الشارع وسوف لن تغامر بجلب الحرب الى ساحتها الداخلية، وستعمل على إستخدام ميليشياتها الطائفية في العراق لمواجهة أمريكا كما فعلت في لبنان واليمن وسوريا.

الحرب القادمة التي ستدور رحاها على أرض العراق بعد حين، سوف لن تكون مختلفة عن الحروب السابقة من ناحية موازين القوى. فالقوات الأمريكية ستكون متفوقة كالعادة وستشارك في الحرب القادمة بصواريخ عابرة للبحر وبطائرات من غير طيار، بمعنى أنها لن تخسر سوى بعض " التنك " والخردوات العسكرية.

ان الحماقة التي إرتكبتها الميليشيات الطائفية بالهجوم على مقر السفارة الأمريكية ببغداد ستكون الشرارة التي تشعل الحرب وقتل قائد فيلق القدس ونائب رئيس الحشد الشعبي ما هو الا بداية لإجراءات إنتقامية تالية ، فالحرب كما قال بريت ماككورك المبعوث السابق للإدارة الامريكية قد بدأت فعلا بين أمريكا وإيران، وطبعا ستكون ساحتها العراق الجريح المثقل أساسا بالدمار والخراب وفساد السلطة السياسية. فهل تتعظ الميليشات العراقية من ضربة سليماني وأبو مهدي أم أنها سوف ترفع الفالة والمكوار بوجه طائرات اف 35 وصواريخ توماهوك العابرة للقارات؟

ماحدث سوف يجر تغييرات إستراتيجية على طبيعة الصراعات القادمة في العراق ولا يملك العراقيون غير أن يحافظوا على لحاهم من الضياع، لأن القادم هو الأعظم.