ليس أغلب الظن لا بل المؤكد أن خمسين عاماً من حكم السلطان قابوس، رحمه الله الرحمة الواسعة، قد وضعت عُمان هذا البلد الجميل حقاًّ وشعبه الطيب بالفعل في عداد الدول المتقدمة فقد قطع المسافات الطويلة بين الماضي بكل تخلفه وإشكالاته ومشاكله وبين هذا الحاضر، الذي بدأ بالعام 1970 ، بكل إنجازاته وحيث بات هذا البلد العربي مضرب مثل في الإستقرار والتقدم وبات شعبه يوصف وعن حق وحقيقة بالطيبة وبأنه وخلال هذه السنوات القليلة قياساً بحركة التاريخ قد أنجز ما يحتاج إنجازه في بعض دول ما يسمى :"العالم الثالث" ليس إلى خمسين عاماً فقط لا بل ربما إلى قرنين من السنوات وأكثر.

لقد كانت حالة هذا البلد، الذي يحتل موقعاً "إستراتيجياً"، إزدادت أهميته بعد الإكتشافات النفطية، قبل هذه الخمسين سنة الماضية.."لا تسر الصديق ولا تغيض العدا" ، كما يقال، وذلك مع أن تاريخه الأبعد كان مدعاة للتباهي والإفتخار وأنه كان قد تمدد حضارياً في شرقي أفريقيا وكان إزدهار "زنجبار" في تلك السنوات التي باتت بعيدة أكبر مثال على هذا كما كان قد تمدد في شرقي الخليج العربي وكانت عطاءاته هناك في غاية الأهمية.

والمهم هو أن السلطان قابوس، أمطر الله تربته الطاهرة بشآبيب رحمته وغفرانه، عندما تسلم الأمانة في الثالث والعشرين من يوليو عام 1970 كان هذا البلد الجميل، بالإضافة إلى أوضاعه الداخلية المتردية فعلاً وحقاًّ وحقيقة، يواجه تمرداً مسلحاًّ قامت به "حركة ماركسية" كانت بدأته في عام 1963 ثم ما لبث أن تنامى بعد إستقلال اليمن الجنوبي وأصبحت هناك جمهورية اليمن الديموقراطية الشعبية وحيث تمكن المتمردون بعد ذلك من السيطرة على نحو 80 في المائة من إقليم ظفار بدعم من الإتحاد السوفياتي والصين الشعبية وكوريا الشمالية.. وحقيقة وبعض الدول العربية.

ولعل ما يؤكد أن السلطان قابوس كان، وفي ذلك الوقت المبكر، مؤهلاً للقيادة بحكم عوامل متعددة وكثيرة أنه لم يتعامل مع إقليم ظفار بالعنف والقوة العسكرية وأنه لجأ إلى الحوار مع المتمردين وحقق لهم إن ليس كل فمعظم ما كانوا ينادون به وحقيقة أننا عندما نتمعن في مسيرة هذا البلد الجميل وشعبه الطيب بالفعل، التي تواصلت على مدى الخمسين عاماً الماضية وهي ستبقى تتواصل في هذا العهد الجديد في السنوات المقبلة بالتأكيد، فإننا نجد أن تطلعات هذا الراحل الكبير كانت تتجاوز تطلعات الثائرين على نظام والده وهو قد إنخرط وعلى الفور ومعه شعبه في الإصلاح والبناء فجاءت النتائج كل هذه الإنجازات العظيمة.

ثم وإن ما يجب أن يقال الآن، بعد إنتقال هذا القائد العظيم والمميز إلى جوار ربه، أنه ومنذ البدايات، أي منذ اللحظة التي إنتهت فيها الأمانة إليه في الثالث والعشرين من يوليو عام 1970، قد إبتعد ببلده عن الصراعات والتمحورات العربية والإقليمية وأنه بصورة عامة قد وضعه على مسافة واحدة من الجميع ومع الأخذ بعين الإعتبار أنه كان يقترب من "الأشقاء" الذين كانوا يقتربون منه كما أنه لم يكن يدخل في خصام تناحري مع الذين كانوا يقحمون أنفسهم في خلافات معه.

والآن وبعد خمسين عاماً من العطاء المتواصل والمستمر فقد أصبحت عُمان بمثابة وردة جميلة في هذه "الحديقة العربية" التي لا شك أن فيها بعض الزهور والشجيرات "الجورية" الزاهية وذلك إلى جانب العديد من الأشواك وأشجار "العوسج" وهنا ولأنني قد زرت هذا البلد العربي الجميل وتجولت في ربوعه وتنقلت بين أوديته وشعابه ودخلت العديد من بيوت أهله الطيبيين والكرماء فإنني استطيع أن أجزم أن عُمان من أجمل البلدان العربية وأن شعبها من أطيب شعوب هذه المنطقة وأيضاً من أكرمهم .. إن هذه كلمة حق يجب أن تقال.