مع خطوات عملية تلوح في الأفق عن بدء تنفيذ (صفقة القرن) لإحلال السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، عاد الحديث كثيفا، وعبر جدالات في الساحة الأردنية ومطالب يقابلها نفي حكومي عن توجه رسمي في عمّان لإلغاء قرار فك الارتباط القانوني مع الضفة الغربية.

وتصدى مسؤول أردني للرد على تلك المطالب والجدالات بالقول: كل ما يقال مجرد تخرصات وهرطقات فارغة، وقال المصدر لموقع (عمون) إنه لم يتم بحث الامر لا سرًا ولا علانية.

وحيث الكلام والجدل والنقاشات والمطالب تتصاعد هذه المرة حول إلغاء قرار فك الارتباط مع الضفة الغربية، من أجل اتفاق على المستقبل المشترك مع الجانب الفلسطيني الشقيق، فإنه لا بد من سوق هذه القصة المتعلقة بالقرار، وكيف كنت من حيث لا أحتسب معنياً فيه من خلال مسؤوليتي الصحفية حين كنت مديرا لتحرير صحيفة (الشرق الأوسط) اللندنية،،، فماذا جرى؟

في منتصف ليل الخامس والعشرين من مارس/ آذار 1988 تلقيت مكالمة هاتفية من الآنسة زين الرفاعي المستشارة الإعلامية آنذاك في السفارة الأردنية في لندن، وهي سألتني إذا كنت قادراً أن أكون في مبنى السفارة في الساعة السابعة من صباح اليوم التالي. وقد أبلغتني حينها أن رئيس الحكومة وقتها زيد الرفاعي اتصل بها هاتفياً من مطار هواري بومدين في الجزائر طالباً منها الاتصال بي لمثل ذلك اللقاء.

ووقتها قالت لي الآنسة الرفاعي أن الرئيس الرفاعي "وهو شقيقها" سيصل بمعية الملك الحسين الى لندن في الطريق الى عمان من الجزائر، وليس معهما وقت طويل ، ولذلك كان موعد اللقاء الباكر.

حين ذهبت الى مبنى السفارة في الموعد الباكر المحدد، وصل زيد الرفاعي، ولم يكن في السفارة سوى رجال الأمن الأردني وكان خارجها حراسة بريطانية. ثم ابتدأ الرئيس الحديث قائلا: اردت ان التقيك للحديث في شأن مثير، واتمنى أن تكون قادراً على نشره في صحيفة (الشرق الأوسط) ـ وقتها كانت ذات باع طويل في التأثير بالقرار العربي ـ .

قال زيد الرفاعي: نحن وافقنا تحت ضغط عربي بطلب من منظمة التحرير الفلسطينية على قرار نستعد لإعلانه في وقت وشيك وبعد عودتنا إلى عمّان، القرار "يا أخي نصر” هو فك ارتباط المملكة الأردنية الهاشمية بالضفة الغربية إداريا وإدارياً. نطقها الرفاعي بعد صمت رهيب و”تنهيدة وشفطةمن سيجاره الشهير” ثم أردف: نحن ذاهبون لفراق … ولكن من أجل لقاء ووفاق ولو بعد حين !. واضاف: لقد اضطرونا لاتخاذ مثل هذا القرار فلن نستطيع الخروج على الإجماع ؟!.

وتابع زيد الرفاعي: لهذا "أخي نصر” راينا أن نبوح لك بالخبر لنشره في (الشرق الأوسط) إذا تمكنت .. وإذا لم تتمكن فنحن نعذرك حيث مثل هذا الخبر قد يعارض نشره الإخوة في السعودية .. ـ على اعتبار ان الصحيفة مملوكة لمتنفذين هناك ـ.

واضاف: نحن نسعى للإسراع بنشر الموضوع حتى نقطع الطريق على القيادة الفلسطينية التي قد تسارع لتوجيه اتهامات لنا في قرار من هذا النوع كانت هي تقف خلفه وحملت القادة العرب على الوقوف معها.

قلت للرئيس الرفاعي: لا أعدك بالنشر،، فليس لي صلاحية في نشر أمر مهم ومثير كهذا .. ولكن إذا تم النشر فلي شرط واحد لا غير !، قال: هات،، قلت: أتمنى أن لا يصدر بيان من عمّان بالنفي إذا تم نشر الخبر .. هنا ضحك الرفاعي وقال: اعدك بعدم النفي.

بجهد كبير وحدس مهني نفّاذ من الزميل عثمان العمير رئيس تحرير (الشرق الأوسط) آنذاك، في اقناع القيادة السعودية ومن لهم القرار في توجيه سياسات الصحيفة تم نشر الخبر كـ"مانشيت" رئيسي وعبر الطبعات الدولية للصحيفة في جدة والرياض ولندن ونيويورك ومارسيليا والدار البيضاء وفرانكفورت،، وساعتها حققنا سبقاً صحافياً تناقلته جميع وكالات الأنباء.

في اليوم التالي، تلقيت في مكتبي في لندن، مكالمة هاتفية من الرئيس زيد الرفاعي حيث ابدى ارتياحه جدا لنشر التقرير، وقال مازحاً: هل سمعت نفياً رسمياً منّا ؟ ، قلت لا، قال: نحن سندرس القرار في مجلس الوزراء وقريباً سيعلن جلالة سيدنا القرار رسمياً على الملأ. وفعلا تم ذلك، ليثور الجدل الممتد لسنين وإلى اللحظة حول قرار فك الارتباط،، ولا يزال الجدل قائما ومثيرا سواء بسواء...... !