لا أمل إطلاقاً في أي مصالحة جديدة ليبية – ليبية بين قطبي الصراع في هذا البلد الذي هو ثاني أكبر دولة عربية فالأمور لم تعد صراعاً بين قطبين ليبيين شقيقين الجنرال خليفة حفتر وفائز السراج لقد أصبحت وحقيقة منذ البدايات المبكرة ساحة صراع إقليمي ودولي وأن هناك، بالإضافة إلى التدخل التركي المعلن العسكري والسياسي.. وكل شيء، تدخل الروس وبالطبع تدخل بعض الدول الأوروبية وغير مستبعد أن تكون إسرائيل أحد المتدخلين نظراً لإعتبارات إقتصادية وسياسية كثيرة.

والمشكلة أن العقيد معمر القذافي قد أعطى لهذا البلد أسماءً كثيرة من بينها:"الجماهيرية العربية الليبية الشعبية الإشتراكية العظمى" ولكن بدون أي مضمون وأن المؤكد أنه كان لهذه الجماهيرية جهاز مخابراتي فعًال لكنه لم تكن لها جماهيراً لا غفيرة ولا غفورة وبالطبع فإنها ما كانت لا شعبية ولا إشتراكية وأيضاً ولا وحدوية وحيث أنها بقيت ترفع شعار الوحدة ولكن بدون تحقيق ولو خطوة واحدة في هذا المجال.

إنه لا يمكن إنكار أن هذا البلد كان قد بدأ في العهد السنوسي بداية موفقة وأن المفترض أنْ يصبح مثالاً يحتذى بالنسبة للدول العربية الناشئة كلها لولا أنه إبتلي بواحد من أسوأ الإنقلابات العسكرية وأن تجربته المشوشة بقي عنوانها علماً أخضراً وجملاً طويلة بدون أي محتوى وشعارات مدوية لا أصحابها كانوا يعرفون ماذا تعني ولا الجماهير الليبية "الغفورة" كانت قادرة على "إعرابها" وكان كل رفاق الإنقلاب الذي سميّ "ثورة" قد تم إستبعادهم واحداً بعد الآخر وحيث أصبح حتى عبدالسلام جلود الذي كان يعتبر الرجل الثاني في إنقلاب عام 1969 وأحد رموز المسيرة الجماهيرية : "مجرد شاهد ما شافش أي حاجة"!!.

وهكذا فإن القذافي عندما حانت لحظة دفع الإستحقاقات الصعبة كان وحده وكان وحيداً وأنه بقي يردد شعاراته التي كانت كلها بدون أي مضمون وأي محتوى وإلى أن تم إلقاء القبض عليه في أحد "السراديب" الضيقة وتم إعدامه بتلك الطريقة المرعبة وحيث لم يشفع له لا كتابه الأخضر ولم تشكل له ملاذاً لا جماهيريته الوهمية ولا جماهيره الغفورة والغفيرة ولذلك كانت نهايته مأساوية كنهايات كل الذين كان تخلص منهم في مسيرته الخضراء التي إستمرت لسنوات مرعبة طويلة.

ولهذا فإن المفترض أنه غير مستغرب أن تكون نهاية المسيرة الخضراء والجماهيرية التي لم تكن لا هي مملكة ولا جمهورية، هي هذه النهاية التي نراها الآن وحيث أن الشعب الليبي العظيم قد إستفاق من هذا الحلم المرعب الطويل وإذا ببلده ممزقاً على هذا النحو وبهذه الطريقة وإذا بليبيا السنوسية يتناهشها الطامعون كذئاب مسعورة وحيث أنه لا خلاص إلاّ بوحدة الشعب الليبي وإلا بأن يقرر هذا الشعب مصيره ومصير بلده بنفسه.