أصبح عالمنا اليوم في ظل الوباء الشامل لجائحة كورونا، عالماً أكثر قرباً إلى طبيعته الانسانية، وإن جاء هذا القرب في ظروف لا يتمناها أحد لأحد. ولكن كما يقول المثل " رب ضارة نافعة". فلا أحد يشمت في الموت لأن الموت مصيبة.

وبالرغم من أن هذه الجائحة الكبيرة من شأنها كذلك أن تجعل البشر أكثر أنانيةً، كما بدا ذلك من قصص الاستيلاء على بعض الشاحانات المحملة بالكمامات في أحد بلدان أوربا، فلكورونا كذلك الوجه الآخر للتضامن الانساني الذي سيكون العالم اليوم أحوج ما يكون إليه بموازاة العلاج.

إن أول عبرة يمكن أن نستخلصها من قيمة التعاطف الانساني تكمن في أن هذا التعاطف هو في الحقيقة شكل من الحماية الذاتية للمتعاطف وإن بدا الأمر عكس ذلك في ظاهره. بمعنى أن هذه الجائحة المستمرة والتي تكتسح جميع بلدان العالم سيكون المتعاطفون فيها هم الأكثر نجاةً منها.

ذلك أن التفكير الأناني في هذه الجائحة، وتحت ضغوط أضرارها الفادحة، سيكون سبباً لكوارث كثيرة لأن من يظن أنه سيكون في مأمن من هذا البلاء العام سيكون عرضة له في أي وقت من الأوقات، لهذا فإن الشراكة في مكافحة هذا الوباء هي أسلم الطرق للقضاء عليه.

لقد أصبح العالم مع تجربة كورونا مدركاً بأن الضعف الانساني لايزال موجوداً في البشر مهما توهموا أن قدرتهم في انتاج العلوم قادرة على حمايتهم. وهذا سيؤدي، بعد زوال جائحة كورونا، إلى التفكير في المصلحة العامة للبشرية بمنظار آخر يخلو من الأنانية والمادية والنظرة الضيقة.

لا أحد اليوم في وجه الأرض يمكن أن يشمت على أحد بسبب جائحة كورونا وذلك ما سيجعلنا مستشعرين لفكرة التعاطف الانساني من منظور تجربة حية.
لقد رأينا أبرز ملامح التعاطف الانساني في ذلك الترحيب والصفير الذي كان يطلقه سكان المدن من على شرفات منازلهم في نيويورك ولندن ومدريد احتفالاً بأفراد الطواقم الطبية للرفع من معنوياتهم ومنحهم احساساً بأنهم أبطال حقيقيون (وهم فعلاً كذلك).

فاليوم تمر البشرية بمرحلة ضعف وعجز أمام فيروس جعلها في حيرة من أمرها، وحين يجد البشر جميعهم في موقف ضعف فإن التفكير المشترك في أسباب القوة التي يواجهون بها ذلك الوباء يصبح أكثر المشاعر التي تشغل بالهم.

ولقد رأينا في الأخبار كيف أن وباء كورونا المستجد لاقى حالة توافق نادرة في مجلس الأمن على منع انتشاره في سوريا، لأن ما يمر به الشعب السوري في مخيمات اللجوء والشتات هو أكبر حالة ضعف يمكن أن تستجلب التعاطف بين جميع البشر.

دروس كورونا في التعاطف الانساني تستحق التسجيل، سواء عبر الدور الذي لعبه الصينيون في مساعدة الشعب الإيطالي أو ذلك الدور الذي لعبه الأطباء الكوبيون، أو الدور الذي لعبه الروس مؤخراً لمساعدة الشعب الإيطالي أيضاً.

وفي الجانب الآخر رأينا كيف بدا اجتماع دول الاتحاد الأوربي يوم الخميس الماضي عاصفاً حول الوضع في كل من إيطاليا وإسبانيا، والخلاف الذي بدا واضحاً بين دول شمال أوربا، ودول جنوب أوربا، الأمر الذي كاد أن يهدد الاجتماع بالفشل لولا الوعد بالبحث عن مخرج وصيغة للتوافق خلال اسبوعين بين دول الاتحاد.

إن قدرة العالم على التعطف الانساني في وجه وباء كورونا هي القدرة التي ستجعله ينجو رغم العقبات والتحديات الماثلة اليوم، لأن في كل بلاء عام لابد أن يكون هناك تحدياً مشتركاً. وأبرز عناصر تقوية الاستجابة للتحدي لذلك الوباء يكمن في إبراز قيمة التعاطف الانساني كقيمة جوهرية بين البشر.