فيما يجد العلماء حول العالم في سابق مع الزمن، من أجل التوصل لإيجاد لقاح شاف من فيروس الكورونا، نجد أن هناك إعلاما غير مسئول ذهب بعيدا في الترويج لأفكار علاجات سخيفة، باتت محل سخرية المصريين على كل مواقع التواصل الاجتماعي.

يستضيف المذيع المصري المعروف محمود سعد طبيبا وخبيراً في التغذية يتحدث عن الوقاية من هذا الفيروس الغامض، الذي لم يفلح العالم المتقدم في إيجاد عقار له حتي الآن، ليقول أن بقدرة المصريين مقاومة هذا الفيروس "بالشلولو"، ثم يستمر في شرح ماهو "الشلولو" ويتضح أنه ملوخية جافة في ماء بارد، ثم يعطي معادلته الكيميائية بالعلاج قائلاً : إنه ثوم عالي مضاف له ليمون عالي في وسط ملوخية يعطي مناعة للفيروس!!.. قال ذلك على الشاشة المصرية، وسط أبداء إعجاب المذيع بما يقول!!، وبين الحين والآخر كان يهز رأسه بالموافقة، بدلا من أن يجادله ويوقف هذا السرد العبثي العلمي المتدني.

للأسف الشديد لم تكن هذه هي المرة الأولي في سلسلة الأحاديث الهزلية عن الفيروس، لقد دأبت القنوات التليفزيونية المصرية على استضافة هؤلاء العلماء الذين يسيئون إلى التعليم والبحث العلمي في مصر، فبينما هناك علماء يعكفون في معاملهم يجرون تجارب متواصلة مثلا علي بلازما الدم لمصابين بالفيروس لاستخدامه كتطعيم، أو علي عقارات استخدمت في علاج الملاريا، وكثير من شركات الأدوية العالمية تسابق الزمن من اجل التوصل إلى عقار، نجد في خضم كل هذا الجهد، وانزعاج العالم من تزايد نسبة الوفيات، من يحدثنا عن العلاج بالملوخية .
إن تزيف الوعي لدي الناس هي جريمة أخلاقية كبيرة تستلزم المحاسبة والعقاب، فالشفافية والحقيقة والتوعية الصحيحة هي من أساسيات العمل الإعلامي ، الذي يمكن أن يستند إليه الناس في مكافحة هذا الوباء المستشري.

في بداية ظهور هذا الفيروس سارع الإعلامي المخضرم مفيد فوزي في مقابلة أجراها معه إعلامي مصري آخر في التأكيد على أنه حصل علي معلومات من طبيب مصري مقيم في أمريكا أكد له بأن الفيروس لن ينتشر في مصر ولا الهند بسبب " الكرومونيوم" وعندما ساله المذيع ماهذا؟!!، فقال له أنها توابل هندية موجودة عند العطارين من يتناولها لا يصاب بالكرونا، ومرة أخرى ينحرف الحديث بين الضيف وهو إعلامي قديم والمذيع إلى وصلة من الهزل لاتمت إلى العلم بأي شئ ومن ثمة على شاشة يشاهدها ملايين الناس يخوض فيها المتحدثان في وصلة جهل تضر بالسمعة المصرية في مجال الطب والبحث العلمي بل والإعلام نفسه!!

لاشك أن السقطة الكبري كانت قبل عدة سنوات عندما سلط الإعلام المصري الضوء علي اللواء عبد العاطي الشهير" بعبد العاطي كفتة" الذي خدع المصريين والرأي العام المصري وقتها بأنه توصل إلى اختراع جهاز لعلاج فيروس سي احد أخطر الفيروسات التي عاني منها المصريون في السنوات الأخيرة، ومع كثرة استضافته علي الشاشة لم يظهر من يوقف هذا الهراء. خاصة وان أحاديث هذا الرجل كانت تتسم بالسذاجة، إلا أن الإعلاميين الذين كانوا يتسابقون علي استضافته لم يتبينوا ضحالة علمه وسذاجته،
ومع ذلك لم يتعلم الاعلاميون ولم يتوقف هذا الهزل للأسف الشديد، فنجد أن خبيرا آخر يقول قبل أيام قليلة، أن ذبذبات مترو الأنفاق تولد فرق في الجهد يستطيع أن يقتل فيروس الكرونا، وآخر يقول أن أكل الفول يكافح الفيروس، ومازال الإعلام المتدهور يفسح المجال إما بقصد أو عن جهل لمن يطلق عليهم خبراء وأساتذة في الإساءة إلى كل ماهو مصري.

إن من واجبات الإعلامي أن يكون ملما بالقضية التي يتحدث فيها، لآن أي خلل أو انحراف في الحديث يتحول إلى سخرية كبيرة علي مواقع التواصل، وتطال أيضا جهل المذيع الذي يجلس غارقا في جهله، مصدقا لهراء لايمت إلي العلم بصلة.

المصيبة أن هذا الزيف أصبح سمة تلك القنوات التي يتم توظيفها لإيهام الناس بأمور سياسية أو اقتصادية أو حتي اجتماعية غير صحيحة، بهدف تهدئة بداية التوترات والقلاقل الاجتماعية قبل وقوعها، أي قبل أستفحال أزمات المجتمع، رغم أن ذلك ليس بالصحيح بل يمكن أن يكون وبالا علي الجميع لان اقصر الطرق لتبيان الحقائق هي الصدق وأن يكون الجميع ملم بعظائم الأمور.

في انجلترا وأمريكا وألمانيا تم التحذير فورا ومن اكبر رؤس السياسة في البلاد من أن فيروس الكرونا سيصيب قطاعات واسعة من الشعب، وعلي الفور بدأت الدول في حجز الأقنعة الطبية، والملابس الواقية، والتكالب عليها، بل وصل الأمر إلى حد السطو عليها وهي في طريقها إلى دول أخري، أيضا أجهزة التنفس الصناعي زادت طاقة إنتاجها إلى الضعف وحتي الأن عاجزة عن تغطية المطلوب منها، ونجد في خضم كل هذا الحرص والاقتتال علي تخزين هذه الآليات، أن مصر تقوم بإرسال هدية طبية إلى إيطاليا لا نعرف محتواها بالضبط، لكن ما نعرفه أن المستشفيات المصرية في اشد الحاجة إليها.

في ألمانيا هنا، عجزت بعض المستشفيات الصغيرة عن العمل نظرا لوجد نقص حاد في الأقنعة والملابس الواقية للأطباء والممرضين، فهل الإنتاج المصري منها غطى السوق المحلي ومن ثم ترسل للآخرين بالفائض منه كهدية.

ثم لماذا لم يناقش الإعلام مثلا قضايا مهمة مثل قضية دعوة رجال أعمال مصريين العاملين في شركاتهم إلى العودة للعمل وقطع الحجر الطبي الإجباري خوفا من تضرر استثماراتهم ضاربين بعرض الحائل سلامتهم في مقابل عدم توقف أعمالهم التي تدر عليهم المليارات، في حين انهم لم يتبرعوا للمستشفيات ولا للبسطاء ولاحتي للعاملين رغم قدرتهم الهائلة لفعل ذلك.
إذا كان العالم سيتغير بعد الكرونا، فكل ما نرجوه أن يتغير الإعلام العربي خاصة المصري مع تلك التغيرات المرتقبة، وتذهب الوجوه التي سئمنا من إطلالتها علي الشاشة منذ سنوات طويلة جدا، بعد أن نشرت الجهل وزيفت الحقائق.