بملامح أنثوية رقيقة، وجه أبيض وعيون خضر، أطلت الفتاة، حنين حسام، عبر مقطع فيديو، داعية غيرها من الفتيات الجميلات، للظهور في بث مباشر "لايف" أمام الكاميرا والحديث مع الغرباء، عبر تطبيق "لايكي"، بمقابل مادي يتراوح ما بين 39 و3 آلاف دولار. إنها مصيبة، إنه العار، فتاة تحرض غيرها على الفسق والفجور!

بعد بث "حنين" الطالبة بكلية الآثار جامعة القاهرة.، مقطع الفيديو، قامت الدنيا في مصر ولم تقعد، وتواجه تهمة التحريض على الفجور والفسق، وهي اتهامات فضفاضة عادة ما يندرج تحتها المتهمون بالدعارة والمثلية الجنسية، ولكن الغريب حقًا أن بعض من تولى جلد الفتاة واتهامها بالتحريض على الدعارة، هو نفسه يمارس العهر السياسي، ومن اتهمهما بالخروج عن التقاليد هو ذاته من كسر ودمر هذه التقاليد، وهي ليست إلا ضحية لهؤلاء.

أحد الاعلاميين، أول من تناول قضيتها، وتحدث وكأنه عمدة القرية، الذي يخشى على بنات البلد من السقوط في بئر الخطيئة مع "حنين"، رغم أنه كثيرًا ما يضبط متلسبًا بالشتائم، والحديث المبتذل، فكيف لك يا عزيزي أن تحاكم الفتاة الصغيرة، وتلمح إلى أنها تحرض على الدعارة؟!.

وإذا كان "هذا الاعلامي" جاداً في مخافته وقلقه على بنات البلد وشبابها، فلماذا لم يقم بدوره هو وغيره من القامات الإعلامية، تجاه هذه الفتاة وغيرها من الفتيات والشباب الغارقين في وحل "السوشيال ميديا"؟

قد يبدو موقف "الاعلامي" منطقيًا، لكن الغريب حقًا، موقف رئيس جامعة القاهرة الدكتور محمد الخشت، الذي قرر إحالة الفتاة للتحقيق، وتوعدها بـ"الفصل نهائيًا من الجامعة"، والتهمة "ارتكاب أفعال لا تتناسب مع القيم والتقاليد الجامعية"، رغم أنه انتهك "عذرية" تلك "التقاليد الجامعية" على مرأى ومسمع من الجميع.

"الخشت" وهو رئيس أعرق جامعة في المنطقة العربية، وقف وسط "الحرم الجامعي" وراح يوزع الإعفاءات من المصروفات والدرجات والهبات على الطلاب، لحثهم على المشاركة في التعديلات الدستورية، رغم أن الحدث لم يكن بحاجة إلى تلك الرشوة، لكنه حاول التقرب إلى السلطة على حساب التقاليد الجامعية.

رئيس الجامعة الذي توعد "حنين" بالفصل من الجامعة، لم يمارس دوره كأستاذ مسؤول عن تربية وتعليم الملايين من طلابه، وتخلى طواعية عن تعليمهم الأصول والتقاليد. فهل كلف نفسه عناء وضع منهج متنور يوضح للطلاب ماهية التقاليد والعادات المصرية والإسلامية؟ وهم أحوج ما يكون إليها، لأنهم في فترة المراهقة، ومن السهل الإيقاع بهم في براثن شبكات الرقيق والدعارة أو شبكات التطرف والإرهاب؟

في زمن الزيف، نشأت وعاشت "حنين" نحو 20 سنة من عمرها، وتعلمت في ظل نظام تعليمي يعتبر مادة "التربية الدينية" إسلامية ومسيحية، "ديكورية"، لا تضاف إلى المجموع، والطالب في حل من مذاكرة دروسها، فهي لا تزيد أو تنقص من مجموع درجاته، ولن يتوقف عليها تحديد مصيره. وحتى في زمن "كورونا"، لم يكلف الوزير نفسه عناء تكليف الطلاب بإعداد بحث في "التربية الدينية"، بل استثناها من الامتحانات!

الفتاة التي تربت في هذا المزيف، تعتقد أنها ملتزمة إسلاميًا، لأنها لم تظهر بشعرها ولو لمرة واحدة، ولم تطلب من الفتيات أن يظهرن بشعورهن، رغم أنها ترتدي حجاب "مودرن"، على بنطلونات ضيقة، وتشهد صورها بالسوشيال ميديا، أنها "الحاجة ..، ومن تحت الراقصة ..."، غطاء للرأس يظهر من الشعر أكثر مما يخفي، وجسد يضج بالحيوية والتحرر.

في زمن الزيف، لم تعد تفرق حنين بين "الصح والغلط"، فتعتقد أن "فتح البنات الجميلات الكاميرا لايف، والحديث مع الغرباء (أي حديث) مقابل ما يتراوح بين 39 و3 آلاف دولار "شيء عادي وشغل، ومفيش شغل بدون فلوس"، رغم أنه ليس طبيعياً أن تتحدث الفتاة مع آخرين بمقابل مادي وبالدولار، لاسيما أن المبلغ يفوق الخيال، ويساوي أكثر من 47 ألف جنيه مصري. وأجدع شنب فيك يا بلد سواء مهندسين أو أطباء أو محامين أو صحافيين، لا يستطيع أن يكسبه. إذاً ليس لها حق في الغضب، فهي وضعت نفسها موضع الشبهة، ويجب أن تدفع ثمن هذا الخطأ.

ما من شك، أن الفتاة أخطأت، لكن لا تنسوا أنها ضحية، وتحتاج إلى التقويم، وليس الجلد "فمن كان منكم بلا خطيئة فليرميها بحجر".