بمرارة تابعت وأتابع كل هذا الذي جرى ويجري في اليمن، الذي يبدو أنه لم يكن سعيداً الّلهم إلاّ في ماضي بات بعيداً، فالبريطانيون إستعمروا عدن ومعها بعض أجزاء الجنوب لمائة وثمانين عاماً، منذ 19 يناير 1839 وحتى 30 نوفمبر 1967 ولعلّ ما يجب أنْ يقال في هذه الأيام اليمنية، التي إختلط فيها الحابل بالنابل ولم يعد بالإمكان معرفة الصحيح من الخطأ، أنّ إنتزاع تحرير هذا الجزء من الوطن العربي، الذي كان يوصف بأنه "جنّة"، من الإستعمار البريطاني الذي يوصف بأنه من أبشع "الإستعمارات" التي عرفتها البشرية كان ثمنه مكلفاً وإن سنوات تلك الثورة العظيمة التي كانت إنطلقت في 30 ديسمبر عام 1963 كانت سنوات كفاح مكلف وعطاءات قلّ نظيرها وشهداء أبرار.

ولعلّ ما تجب الإشارة إليه وبوجع يمزق القلب أنّ هذه الثورة العظيمة قد أصابها وبعد الإنتصار ما أصاب معظم ثورات الكرة الأرضية وأنّها بدأت تأكل أبناءها كـ"القطة" فالبداية كانت بتصفية الجبهة القومية، التي باتت تحمل إسم الحزب الإشتراكي اليمني، لأول رئيس لليمن الجنوبي الذي هو قحطان الشعبي وكانت قبله قد تمت تصفية فيصل عبداللطيف الشعبي ثم بعد ذلك قد "كرت السبحة" كما يقال وإذْ بعد تصفية جبهة تحرير الجنوب دبّ الصراع بين رفاق الحزب الإشتراكي لـ "الجبهة القومية" وكانت البداية في عام 1978 بين سالم ربيع علي ومن والاه وبين عبدالفتاح إسماعيل ومن معه وهكذا إلى أن إنتهت الأمور إلى يد علي ناصر محمد بعد مذبحة 14 يناير عام 1986 التي ذهب فيها معظم "قادة الحزب الكبار" ولم يسلم منهم إلا علي سالم البيض الذي ما لبث بعد هذه المذبحة المرعبة أن سيطر على الحكم في الجنوب، لكنه بعد إنهيار الإتحاد السوفياتي لم يعد أمامه إلاّ الإلتحاق بـ"الشمال" ووضع اليمن الجنوبي بين يدي علي عبدالله صالح الذي كان قد إنتهى المطاف به بعد تطورات كثيرة إلى تسليم نفسه إلى "هؤلاء الحوثيين" الذين قد بادروا إلى التخلص منه بطريقة مرعبة ومخيفة.

لقد حكم علي عبدالله صالح أولاً اليمن الشمالي ثم بعد ذلك ومعه الجنوبي 33 عاماً وكان بعد صراعات "الربيع العربي" الذي كان بدأ بالعام 2011 قد بادر إلى تقلبات كثيرة من بينها تعرضه لمحاولة إغتيال كادت أن تودي بحياته، وحين ذلك قد قبل بـ "المبادرة الخليجية" وتنحى عن الحكم ثم تحالف مع "الحوثيين" بعد الصدام الدموي لسنوات طويلة في عام 2014 ثم إنقلب عليه هؤلاء وبادروا إلى تصفيته بصورة مرعبة ومخيفة.

وحقيقة أنّ ما من المفترض أنه يوجع قلب كل عربي صادق كما أوجع ويوجع قلوب الأشقاء اليمنيين الطيبين أنّ هذا البلد لم يستقر في "الشطر الجنوبي" إطلاقاً وأنه في "الشطر الشمالي" لم يستقر إلا لفترة يمكن إعتبارها طويلة بالفعل، وهذا مع أن على عبد الله صالح هو نفسه القائل: "إنّ حكم اليمن يشبه الرقص على رؤوس الثعابين"، وأن فترة ما بعد إطاحة نظام الإمامة في عام 1962 قد شهدت مقتل ثلاثة رؤساء في الشمال هم: إبراهيم الحمدي ثم أحمد الغشمي وبالطبع علي عبدالله أما في الجنوب فإن إثنين من رؤسائه قد إنتهوا قتلاً وهم سالم ربيع علي وعبدالفتاح إسماعيل ..ومع إضافة قحطان الشعبي إليهما وهذا إذا كان لا بد من الإضافة.

وهكذا وفي النهاية فإنني لم ألجأ إلى هذا الإستعراض الذي أوجع قلوب كثيرين غيري إلاّ لأقول أنّ هذا البلد العزيز على قلبي وعلى قلوب العرب الطيبيين الذين إضطروا بحكم عوامل كثيرة إلى التعاطي مع القضية اليمنية من قبيل "إصلاح ذات البين" وأيضاً من قبيل وضع حدٍّ للتدخل الإيراني الشائن حقاًّ في الشؤون اليمنية وإلحاق "الحوثيين" بعدما تخلوا عن إطارهم "الزيدي" الجميل بالخريطة الطائفية التي رسمها علي خامنئي وكان "نفذها" قاسم سليماني قبل مقتله والتي تضم حزب الله اللبناني والحشد الشعبي العراقي وغيره وتضم سياسياً وعلى أسس مذهبية نظام بشار الأسد .. وأيضاً وللأسف "الأشقاء" الذين في أيديهم الحكم في قطر التي لا ضرورة لأن تكون بحماية قوات أجنبية .