في شهر رمضان هذا العام وفي زمن الحجر الصحي الشديد على سكان أونتاريو والكورزنا تايمز، أعلنت بلدية المدينة في مسيساغا، جوار تورنتو حيث يتجمع عدد كبير من المهاجرين المسلمين، السماح باطلاق اذان المغيب خلال شهر رمضان تعاطفا مع الصائمين الذين كغيرهم يخضعون للحجر الصحي حيث تبقى أبواب الجوامع والكنائس مغلقة الان وحتى اشعار اخر. بينما نلاحظ في الضفة الاخرى من شرق العالم، قتل وسجن وشهداء يتساقطون قتلى على ايدي المنظمات الارهابية الاسلامية أو بأوامر الديكتاتوريات العربية التي ما تزال تحكم حتى وان كانت تلفظ انفاسها او نتمنى لها ذلك قريبا.

اليوتوبيا والديستوبيا والخليط الكندي في كتاب
أعود الى قراءة في كتاب لباحث في علم الاجتماع، الكندي مايكل ارامز، حيث يرسم خريطة لأحوال العرب والمهاجرين من مسلمين وغيرهم وطرق اندماجهم وعدمه- مع الاخرين.
لم تتحقق "يوتوبيا" توماس مور على أرض الواقع ولكنها بقيت خالدة وألهمت الكتّاب والنقاد والفلاسفة بأفكار وأعلت من شأن المخيلة وحريتها، كما حرضت على ابتكار مصطلح نقيض هو ال "ديستوبيا" ولها اسقاطات شاسعة على أرض الواقع وفي أعمال أدبية روائية خالدة كرواية جورج أورويل الشهيرة 1948، جاك لندن في "العقب الحديدية"ت ومارغريت أتوود في "خرافة الخادمة" تحضرني هذه الإشارات وأنا بصدد الخوض في هذا الكتاب الذي يحمل عنوان" بعيداً عن اليوتوبيا، النجاح المدهش للتعددية الكندية " للكاتب الكندي "مايكل آدامز" الباحث الإجتماعي الذي حققت كتابه "الجنس والجليد" أفضل المبيعات والذي يشرف على رئاسة حقل الاستفتاءات الاحصاءات التي تتعلق بتقصي الرأي العام، للتعرف على نمطية السلوك والأفكار والمعتقدات التي يحملها أبناء المجتمع الكندي- الأصليون والمهاجرون الجدد.
أهمية هذا الكتاب الصادر عام 2007 تتأنى من كونه يخصص حقلاً تفصيليا لدراسة أحوال "المسلمون في كندا" مدى اندماجهم في المجتمع، أو نفورهم منه وذلك استنادا إلى الاستفتاءات و الوقائع الخبرية الهامة التي انشغلت بها الميديا الكندية في مايتعلق منها بحجاب المرأة في ملاعب كرة القدم، نقاب المرأة أمام صندوق الاقتراع، الإرهاب وخاصة بعد سبتمبر 2001. كما تنبع أهمية هذه الدراسة الميدانية حين نعلم أن عدد المسلمين المهاجرين في كندا وفق الاحصائيات قد وصل إلى 800 ألف شخص في 2007. وحين نعلم بأن نصف عدد المهاجرين في الـ 15 سنة الأخيرة ليسوا من أصول مسيحية، بالإضافة إلى تزايد عدد المهاجرين والذي يبلغ سنوياً بمعدل 250ألف مهاجر من العالم( الصين الهند، أوربا الشرقية، أمريكا اللاتينية، دول أفريقيا ).
إذا في كندا نحن إزاء خليط من الألوان والأديان والثقافات، ومجتمع هو الأول عالمياً في تطبيق مبدأ "التعددية الثقافية" قانوينا منذ عام 1971. ويخلص إلى نتيجة إيجابية فيما يخص الحفاظ على العادات والدين والثقافة الأم عند الأقليات التي تشكل الخليط الكندي، المفارق للمجتمع الأمريكي الذي يدعو إلى الذوبان في التيار العام. كتاب ينتصر للتعددية متجاهلاً أن 10% من الكنديين لايعجبهم أن تستقبل كندا مهاجرين من غير العرق الأبيض. كما يوجد العديد من الجرائم التي تم ارتكابها على الارض الكندية من قبل شباب اصولهم اسلامية.

الهوية الكندية ملتبسة رغم أن مسألة اللون والجنس والدين قد حققت مستويات متقدمة في التسامح وقبول "الاخرين" ويمكننا القول أن اللون لم يعد مشكلة، بل هناك مشكلة تطرح بين فترة وأخرى وهي خطأ تطبيق التعددية الثقافية، كونها تحرض على التمسك بتقاليد البلد الأول وتدعو كل جالية وقومية للتقوقع على نفسها وماضيها وحمولتها الثقافية على تخلفها، وهذا بدوره بنظري يحرض على التفرقة والعنصرية ويسمح بالتقسيم والتفضيل الطبقي والعرقي.
أما ما يخص أرض الواقع فهناك تحولات سريعة في أخلاقيات الشارع من حيث قبول الإختلاف وتذوقه والاغتناء منه أيضاً، وخاصة بين جيل الشباب والأفراد الذين ولدوا في كندا لآباء مهاجرين وجدوا أنفسهم على مقاعد الدراسة ودور الحضانة مع أطفال وشباب وفتيات من كل الألوان والأديان.
الأرقام تشير حسب احصائيات عام 2001 أن 450 ألف زواج بين جنسيات مختلفة. وهذا ينسحب بدوره وأثره على باقي أفراد الأسرة والمعارف. هذا الزواج المختلط يكثر في المدن الكبرى حيث هناك أكبر التجمعات البشرية، كمدينة فانكوفر وتورنتو . ويلاحظ أن اليابانيون يشكلون 70% النسبة الأعلى في الزواج من "الآخرين" . امريكا اللاتينية 45 %، السود 43 %، الصينيون 16 %.
ومن مشاهداتي في تورنتو حضور عرس لفتاة ايطالية من شاب ايراني، تم عقد المراسيم على الطريقة "البهائية" ثم الاحتفال في الكنيسة وفق المراسيم الكاثوليكية. وتزال السرية والتخفي تحيط بكثير من علاقات البنات الشابات العربيات وتحولهم بين دين واخر، خوفا من الفضيحةة الاجتماعية والعار في عيون الاهل والعشيرة والسلطة الدينية شرقا في حال عودتهم الى البلاد للزيارة.

مفارقات هائلة بين سياسة القبول والاحتواء وبين النبذ والعنف والتصفية الجسدية:
يعيش أغلب المسلمين في مقاطعة أونتاريو، أغلبهم قادمون من باكستان، الهند، افغانستان ايران، والصومال. أما أغلب مسلمي الجزائر والمغرب فيقيمون في كيبيك حيث الفرنسية هي اللغة الأولى المعتمدة رسمياً. ونجد تزايداً في عدد الجوامع والمعابد، وتقل كلما ابتعدنا شمالا. كما نلمس تزايدا في عدد المهاجرين من العراق وايران والصومال لأسباب إنسانية. مع الملاحظة أن المسلمين هم الأكثر تزايدا. ويحسب لهم أنهم حملة شهادات علمية ودراسات عليا قياساً إلى الآخرين.

في كندا يسمحون لصوت الاذان ان يصدح وفي البلاد العربية تعاطفا، بينما يقتل الدواعش وبعض القادة العرب ابناء جلدتهم لمجرد قيامهم بانتقاد السلطات الحاكمة او ممارسات المؤسسة الدينية المتسلطة سواء من خلال أغنية ساخرة او مقطع فيديو او كتابات وتعليقات على منصات الميديا الاجتماعية. بالنظر الى عدد القتلى والشهداء الذين قتلوا هذا الشهر وفي الكورونا تايمز، في مصر والعراق سنتأكد من ان المجتمع لن يشفى من المرض إن لم يفصل ما بين الدين والدولة وان لم يفصل بين حرية التعبير والتصفية الجسدية لكل مخالف في الرأي.


جاكلين سلام: شاعرة وكاتبة ومترجنة سورية كندية.
مقالاتها نشرت في أهم الصحف والمجلات العربية. لها مقالات منشورة لا تحصى في خانة : الرأي، المرأة والمجتمع، الادب والنقد، والنقد الاجتماعي الثقافي.