عادةً ما نشعر بإعجاب شديد نحو الأفكار المُبهرة، لكننا لا نسأل أنفسنا ما إذا كُنا بالتأكيد قادرين على الموائمة بين تلك الأفكار وبين إمكاناتنا الحقيقية لتطبيقها. هذا ما يحدث لنا عندما نجد المجتمع الغربي المتقدم يطبق سياسات نشعر أننا بحاجة إلى سنوات مديدة لتطبيقها عندنا. ربما السبب العام في ذلك، أن خصائص معظم تلك المجتمعات تتباين في تركيبتها عن خصائصنا، أو بعبارة أخرى، لا نملك في مجتمعاتنا البُنى الأساسية والثقافية التي تمكنا من الحذو تجاه نفس السياسات.
يشجع الكثير من أصحاب الرأي هذه الأيام إنفاذ مناعة القطيع في دولنا النامية، وهي فكرة تتبدى لأول وهلة ذات فاعلية على مقاييس عِدة، نظراً للتوفيق الموضوعي لاختبار دولة السويد. هذا الانجذاب الذي يوليه مشجعي مناعة القطيع حرصاً عالياً، قد يكون فاته معرفة ما تنعم به دولة السويد من بُنى تحتية لقطاعاتها الصحية، وثانياً قد يكون هذا الرأي حاول أن ينسى ما يحظى به أفراد المجتمع السويدي من استشعار اجتماعي تجاه مسؤولية تفشي فايروس كورونا المستجد (COVID 19) بين بعضهم البعض. ولا يعني هذا اتهام أفراد مجتمعات الدول النامية بعجز المسؤولية، لكن ربما ينبغ السويديون بهذا الحٍس مقارنةً بباقي الدول.
لكن لأي الأسباب يكون من غير الملائم أن تدعو حكومات الدول النامية بالسماح لشعوبها بالاجتماع وكسر قوانين الحظر والعزل المنزلي؟
إن الإعجاب بفكرة مناعة القطيع لا يمكن أن يكون سبباً كافياً يحمل حكومات الدول النامية إلى تسويغ ترك الأفراد يمارسون حياةً طبيعية في ظل عدم اليقين بتبعات مثل هذا الإجراء.
فحتى اللحظة، لا توجد حيثيات تستند إلى دليل علمي تفيد بأن إصابة نسبة معينة من أفراد المجتمع بمرض ما كفيلة بحماية باقي أفراده من هذا المرض. وهذا ما صرح به كثير من خبراء الأمراض. كما أن تجارباً من دولٍ عِدة أدلت إلى توثيق أن بعض المتعافين من فايروس كورونا المستجد حملوا الفايروس مجدداً بسبب اكتسابهم إياه عن طريق الاجتماع بمصابين آخرين.
من النافع إذن أن نعلم أن الأفكار لا يمكن أن تُطبَق بملاذ عن ما يلائمها من محيط مؤات وخصائص مساندة لها. لذلك فإن امتناع الدول لا سيما النامية عن تطبيق إجراءات مناعة القطيع في الوقت الراهن، يُعَد تصرفاً حصيف وفقاً لعدم اليقين تجاه ما سوف تؤول إليه الأحوال الاجتماعية والاقتصادية عند ترك الناس يتناقلون هذا الوباء.
لعل من المستغرب للغاية أن تنادي بعض الآراء العربية بمناعة القطيع في الحين الذي تواجه فيه بلدانهم عدم الكفاية الصحية والمالية لرعاية المصابين الحاليين. وهو أمر يدعو للدهشة!
فهل كلف أصحاب تلك الآراء أنفسهم عناء التحقق من المنافع والمساوئ التي سوف تنجم كمحصلة لتطبيق مناعة القطيع؟ وهل توصلت وزارات الصحة في بلداننا من الأساس إلى معرفة كافة نواحي فايروس كورونا المستجد (COVID 19)، في حين أن منظمة الصحة العالمية (WHO) تصارع لتحري معرفة ذلك؟
لذلك أعود إلى أن الانبهار بالأفكار لا يمنحنا حق المطالبة بتطبيقها ما دمنا لا نمتلك الخصائص التي تحملنا لتنفيذها. ومن الأفضل لنا دائماً أن نقف عند حدود الإعجاب بالأفكار إلى حين أن تتوافر لدينا البيئة والقدرات السانحة لتحويل ذلك الإعجاب إلى ممارسة.
*كاتب سعودي
التعليقات