على قدر الأهمية الكبري للجوانب والعوائد العلمية المتوقعة من إرسال دولة الامارات "مسبار الأمل" لدراسة الأحوال المناخية والجوية على الكوكب الأحمر، فإن هناك جوانب أخرى لا تقل أهمية، وتتمثل في الرسائل التي تنطوي عليها هذه الخطوة غير المسبوقة عربياً واقليمياً، وما تحمله من محفزات للأجيال الحالية والمقبلة بقدرة الانسان الاماراتي والعربي على مواكبة التقدم والتطور العلمي والبحثي الهائل في الدول الكبرى، إذا ما توافرت له الظروف والأدوات والتخطيط السليم.
رسالة الإرادة والتصميم والتحدي هي من بين الرسائل المهمة التي يحملها "مسبار الأمل" معه إلى المريخ، ففريق العمل الوطني الشاب الذي يقف وراء هذا المسبار يمضي في طريق لم تسبقه فيه سوى خبرات دول قلائل هي الولايات المتحدة وروسيا والاتحاد الأوروبي والهند، وهذا بحد أحد أهم مكاسب هذا الانجاز العلمي، متمثلة في بناء الطاقات الوطنية الشابة القادرة على تحمل المسؤولية والقفز على الصعاب وتحويل الأحلام والطموحات إلى حقائق.

التجربة بحد ذاته ملهمة للأجيال الجديدة، وتمنح الشباب طاقات الأمل اللازمة للنظر للمستقبل بإيجابية وتفاؤل، وهذه هي إحدى أهم مسؤوليات دولة الامارات في محطيها الجغرافي والاستراتيجي، فصناعة الأمل باتت ضرورة ملّحة في مناطق لا تصدر للعالم سوى الأخبار السيئة وأنباء الحروب والصراعات.

وقد اعتادت الامارات مجابهة الأخطار وتحدي الصعب والعراقيل وتحويل صناعة الفرص، ولعل بناء الدولة ذاتها منذ تأسيسها في الثاني من ديسمبر عام 1971 على يد المغفور له بإذن الله تعالى الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان ـ طيب الله ثراه ـ هو مثال على قهر الصعب وتحدي الواقع وصهر القدرات الوطنية في منظومة عمل ناجحة قادرة على صناعة ما يعتبره الكثيرون مستحيلاً. ولذا فإن مهمة استشكاف المريخ هو جزء من منظومة تضع نفسها دائهاً في حالة تنافس مع الذات تارة ومع الآخرين تارة أخرى، إدراكاً من الامارات وقيادتها الرشيدة أن على الدولة في ظل الظروف الصعبة التي يمر بها عالمنا العربي، مسؤوليات كبرى في حشد الطاقات وحفز ملايين الشباب العربي وتشجيعهم على النظر بتفاؤل للمستقبل من خلال بناء النموذج الملهم الباعث على الفخر والاعتزاز بالذات العربية.

ولقد نجحت الامارات في إعداد منظومات تخطيط وبنية تحتية معلوماتية وتكنولوجية كفؤة، استطاعت من خلالها التعامل بفاعلية واحترافية مع تبعات أزمات مثل تفشي وباء "كورونا" عالمياً وغير ذلك، ولذا فهي تدرك أن دورها ومسؤولياتها كنموذج عربي ملهم يمليان عليها قيادة جهود العرب المعرفية والسعي لاستئناف الحضارة العربية كما سبق أن قال صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي. رعاه الله.

رحلات استكشاف المريخ ليست بالتأكيد نوعاً من الرفاه العلمي والترف الحضاري، بل هي رحلة علمية بحثية شاقة محفوفة بالصعوبات والتحديات، التي تشير إليها تجارب الدول الكبرى التي سبقتنا في هذا المجال ويكفي الاشارة إلى أن إعداد رحلة هذا المسبار قد بدأت منذ نحو 6 سنوات وتكلفت نحو 220 مليون دولار وشارك فيها فريق عمل كبيرة يضم نحو 250 مهندساً وباحثاً إماراتياً شاباً، وهي أيضاً جزء من جهود علمية دولية تستهدف التعرف إلى جوانب الحياة ومقومات الحياة على هذا الكوكب. والحقيقة أن رحلة هذا المسبار هي حلقة ضمن سلسلة الصعود الاماراتي للتنافسية العالمية في القرن الحادي والعشرين، فلن تكون هذه الرحلة آخر طموحات قيادة الامارات وشبابها الواعد، بل ستتلوها انجازات أخرى نثق في أنها تجسد احلام كل شاب عربي ينظر للامارات باعتبارها نموذجاً للعمل والنجاح والتميز والتفوق والعيش الكريم.

"مسبار الأمل" هو طموح إماراتي عربي إسلامي رائد، يقدم للعالم شبابنا بشكل مختلف ويبعث برسالة ايجابية بقدرة العرب على المشاركة الفاعلة في مسيرة الحضارة الانسانية بعيداً عن محاولات الارهاب وتنظيماته الاجرامية ربط العرب بهذه الظاهرة البغيضة وترسيخ صورة سيئة لهم في أذهان العالم شرقاً وغرباً. وهو أيضاً تدشين لدور الامارات وشراكتها العلمية والبحثية في مجال الفضاء مع دول العالم المتقدمة، حيث تصنع الدولة من خلال هذا الدور نموذجاً جديداً قائماً على التعاون وتبادل الخبرات والمعلومات والمعارف، لتصرب بذلك المثل وتقدم القدوة على ضرورة التعاون والتضامن من أجل بناء مستقبل أفضل للبشرية جمعاء.