شكل عام 2017 ذروة التدخل الدولي في سوريا، والذي يستمر حتى اللحظة، وذلك بسبب الموقع الجيوسياسي لسوريا، والتي اصبحت تعاني من زيادة معدلات العنف والتطرف، مما فرض تدخلا دوليا واقليميا مباشرا وغير مباشر في الجغرافية السياسية السورية ومنطقة الشرق الأوسط في مستويات متعددة عسكرية وميدانية وسياسية، ابرز محاورها: التحالف الدولي لمكافحة الارهاب، ومحور دول استانا.
هذا التدخل شكل المشهد السوري بتحالفاته الدولية وفرض واقعا عسكريا وميدانيا، وايضا فرض تعاملات سياسية ومدنية لإدارة شؤون المنطقة والسكان والمصالح الدولية وبالتالي كان له انعكاسات اقتصادية واجتماعية غالبا دفع ثمنها الشعب السوري.
الواقع العسكري والميداني:
القوات الروسية التي تدخلت بشكل مباشر بعد سبتمر 2015 والتي تمتلك قاعدة عسكرية في طرطوس السورية منذ أكثر من 30 عام تدعم الجيش العربي السوري. الايرانيون يتواجدون كمستشارين عسكريين حسب تصريحاتهم، يقدمون الدعم لحزب الله اللبناني والمليشيات الشيعية، نجباء و فاطميون وغيرها، ولديهم علاقة تعاون عسكري مع النظام السوري منذ الحرب العراقية الايرانية في ثمانينيات القرن الماضي.
التحالف الدولي لمكافحة الإرهاب بقيادة الولايات المتحدة والذي تم الاعلان عنه في 2014 للقضاء على الارهاب في سوريا، وذلك اثر اعلان دولة الخلافة ( داعش )، يدعم قوات سوريا الديمقراطية وهي مزيج من قوى كردية وعربية وسريانية تقودها وحدات حماية الشعب.
الجيش التركي والذي يقوم بعمليات عسكرية في داخل الاراضي السورية غصن الزيتون ودرع الفرات ونبع السلام، بناء على اتفاق اضنة 1998 مع النظام السوري، وذلك لحماية امنه القومي، يتحالف مع الجيش الوطني والمشكل من فصائل المعارضة المسلحة والتي تجمعت على أساس تشكيل الجيش السوري الحر.
هيئة تحرير الشام مع قوى عسكرية اسلامية وقوات المعارضة المسلحة التي نقلت الى منطقة الشمال الغربي في إدلب على أثر التسويات التي قادها محور دول أستانا، وايضا اتفاقية الجنوب التي افضت الى تشكيل الفيلق الخامس والسادس بدعم روسي.
هذا الواقع خلف مجموعة من النتائج السياسية والعسكرية:
أهمها تعقد الخريطة وتضارب المصالح الدولية وفجوات زادت من عامل الوقت لإيجاد حل في سوريا، مما ادى الى زيادة الدعم من قبل الروس والايرانيين لدعم عمليات عسكرية للجيش السوري والمليشيات الايرانية من أجل استراتيجية استعادة كامل التراب السوري وفق خطتهم، وفي المقابل نشطت العمليات العسكرية التركية لحماية امنها، وانسحاب واعادة انتشار القوات الامريكية في سوريا 2018 و 2019 واعادة تموضع في حقول النفط في الشمال الشرقي والتنف.
وبالتالي كانت هناك نتائج سياسية للفعل الروسي، حيث ادى الى زيادة التدخل والغرق اكثر في الملف السوري وبالتالي يجب على الروس البحث عن مخارج وحلول، بخلاف الفعل الامريكي "المتموضع " بشكل يجعله أكثر قدرة على الضغط و التحكم بالعملية.
هذا من شأنه سؤثر على المسارات المختلفة للعملية السياسية في سوريا:
• المسار الأممي وهو المسار الذي يعد نقطة الارتكاز الدولية، وهو يستند على مرجعية الأمم المتحدة و قرار مجلس الامن 2254 والذي يفضي الى مفاوضات من أجل دستور جديد وانتخابات تحت اشراف الامم المتحدة.
المسارات الاخرى:
• خطة استعادة التراب السوري: وهي خطة عسكرية وميدانية تعمل على استراتيجية استعادة كامل التراب السوري من قبل الجيش العربي السوري بدعم روسي ايراني، لكن يقابل هذه الاستراتيجية هيئة تحرير الشام في ادلب وتجميع القوى المسلحة المعارضة للنظام في إدلب، وبالتالي تم تركز المواجهة في جغرافيا ادلب والشمال الغربي، والتي تشهد مناورات روسية تركية، بالاضافة الى وجود قوات سوريا الديمقراطية المدعومة من التحالف الدولي لمكافحة الإرهاب بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية في الشمال الشرقي، وقواعد عسكرية أمريكية في التنف.
• خطة استتباب الأمن في دمشق والمدن الرئيسية والاستقرار، وترك مشكلة ادلب للهدنة مع الروس 2018 ثم الضغط مستقبلا للتفاهم مع الاتراك على الشريط الحدودي حسب اتفاق اضنة 1998، مؤشراته انتشار حرس حدود في الشمال الشرقي الى حين انسحاب القوات الامريكية والتي تتموضع حاليا في قواعد النفط شمال شرق سوريا وتتلقى الدعم والاسناد من القواعد العسكرية في العراق والتنف، وضربات الطيران الاسرائيلي بشكل مستمر للقوات الايرانية والمليشيات الايرانية في سوريا والتي تسيطر على معبر البوكمال الذي يربط خط طهران بيروت، وبالتالي لايوجد استقرار مستدام في هذا السيناريو لأن القوات الامريكية متموضعة بشكل جيد بالاضافة الى ضربات الطيران الاسرائيلي المستمرة
• استعادة شرعية النظام في المجتمع الدولية مع إطلاق حملة تحسينية للنظام عبر الانتخابات البرلمانية والرئاسية وفتح علاقات مع الدول شرق أوروبا وروسيا والصين والهند واستعادة العلاقة مع الجامعة العربية، لكن قانون قيصر بدا محاصرا لهذا السيناريو وفرض عقوبات اقتصادية يحرم من خلالها الدول المتعاونة مع النظام السوري من النظام المالي الامريكي ويفرض عقوبات اقتصادية على كل المتعاونين مع النظام السوري.
السيناريوهات المحتملة والنتائج المتوقعة:
• زيادة محاصرة مناطق النظام السوري والحكومة وارتفاع تكاليف العيش وانهيار العملة السورية مع ضعف المداخيل، وغياب أفق حلول اقتصادية ناجعة لحل مشكلة المعيشة وارتفاع نسبة البطالة وزيادة معدلات الفقر والجوع بحسب احصاءات الأمم المتحدة 83 % من الشعب السوري أصبح تحت خط الفقر، بالتالي ستزداد النقمة الشعبية ومؤشراته احتجاجات في السويداء.
• عودة العمليات العسكرية في الشمال الشرقي واحتمال اقتحام كوباني وهجوم الروسي على M4 في ادلب واريحا وبالتالي زيادة التدخل الروسي التركي العسكري وهذا سينشط هجمات عسكرية متطرفة، وبالتالي ضرب عملية الاستقرار مرة اخرى.
• الانتخابات البرلمانية والرئاسية وعزل مؤسسات الحكومة عن النظام بالتالي السماح للعمل في مساحة الحكومة السورية مع الاحتفاظ بالمؤسسة العسكرية والأمنية لمؤسسة النظام ( الرئاسة ). ولكن هذا السيناريو سيزيد من عناصر المواجهة الروسية الايرانية ومؤشراته الصراع في دائرة القرار السياسي والعسكري والاقتصادي ( بشار – ماهر – رامي )
• مؤتمر الحوار الوطني والمجلس العسكري: مؤتمر الحوار الوطني هو تكرار لسيناريو مؤتمر سوتشي 2018 والذي كانت مخرجاته اللجنة الدستورية، هذه المرة ستكون مخرجاته "الانتخابات الرئاسية "، وهو معتمد على نجاح السيناريو السابق بحيث تكون هذه العمليات مكملة له.
• التقدم باللجنة الدستورية والعملية التفاوضية لتأسيس اطار مرجعي وفق الحل السياسي وعلى اساس 2254 وذلك من خلال عملية دستورية و عملية انتخابية تحت اشراف الامم المتحدة وهذا المسار يؤسس لحكومة قادرة على استجلاب اموال التعافي والاستقرار واعادة الاعمار ولكن هذا متوقف على مدى جدية النظام السوري والروسي هذا من جانب والحد من الدور الايراني من جانب اخر وهذه المهمة تعد صعبة للغاية وحتى مستحيلة وفق شروط الواقع الحالي وذلك بسبب حجم وعمق التدخل الايراني وايضا بسبب حجم وعمق الفساد في داخل النظام وايضا انتشار الحالة الفصائلية والمجموعات التي اعتمد عليها النظام في استعادة سلطته الأمنية في القرى المنتشرة وبالتالي ليس في مقدور المنظومة العسكرية وحتى الامنية السيطرة على القرار لان النظام بحاجة الى هذه المجاميع وخصوصا مع زيادة ادوات الضغط بسبب قانون قيصر والضغط المعيشي والاقتصادي والنزوح والشتات الاجتماعي.
• هذا سيؤدي الى زيادة دعم الحالات المؤقتة في شمال شرق سوريا مع دعم ورعاية الحوار السياسي الكردي – الكردي والذي من أولى ملامحه اعلان حركة استقلال الجزيرة.
بالتالي سوريا تسير نحو حافة الانهيار من جميع الجوانب والذي من شأنه يكرر النموذج العراقي والافغاني، لأنه ليس هناك خيارات وبالتالي سيناريو الوقت الذي كان يراهن عليه النظام لم يعد متاح لانه ايضا هو الانهيار بسبب الضغط المعيشي والاقتصادي وغياب البيئة القانونية ونزوح وشتات اجتماعي وبالتالي لم يعد هناك احتمالات سياسية مقبولة أمام النظام والروس سوى الانهيار والذي يفتح سيناريو التفتت.
التعليقات