تباينت سياسات تعويض الخسائر وإعادة إنعاش الاقتصاد في العالَم نتيجة الأضرار التي خلفتها جائحة كورونا (وما تزال) بتنوع واسع لدرجة أن بعض الدول مثل بريطانيا اعتزمت مسلكاً مختلفاً عكس ما قررته المملكة مثلاً، بالرغم أن الباعث على الضرر واحد، وإن كان هناك تمايز في القُوى الاقتصادية لكِلا البلدين.

وكأي ضائقة اقتصادية شهدها التاريخ من قبل، فإن رد الفِعل المرتقب أن تقر الدولة أياً من استراتيجيات الإنقاذ التي تُسهِم في تعويض الخسائر وتدارك ما يُمكن تصحيحه. لكن لماذا قد ترتأي دولة أن تعوض جزء مما فقده اقتصادها بدعم الأفراد لمزيد من الاستهلاك، في حين ترتأي أخرى أن تحد من رفع استهلاك الافراد؟

ربما نكون أقل دهشة إذا عرفنا أن دولة مثل بريطانيا تعتمد في ناتجها المحلي على إنفاق المستهلكين بمتوسط سنوي يعادل %65 بينما نصف هذا المعدل يمثل فقط مشاركة المستهلكين في الناتج المحلي سنوياً في المملكة. ربما بمعرفة ذلك، يكون رفع نسبة الضريبة في المملكة الى ضعفين من (%5) إلى (%15) أمراً مفسراً بما يكفي، كون حجم الاستهلاك المتوقع انخفاضه يوازن الزيادة الجديدة المفروضة على الاستهلاك، علاوةً على الدخل المرجو لتغطية عجز الموازنة.

لكن بإلقاء نظرة على تفرعات القرارات الضريبية الصادرة مؤخراً، وتباطؤ عودة التشغيل الكلي، علاوةً على خصم بدل غلاء المعيشة، وفرض رسوم على السلع المستوردة، تكون المعادلة جد شاقة نحو التوازن بين عوائد الاستهلاك الذي تعول عليه المالية وتغطية عجز الموازنة. وليس الوقت مبكراً للتنبؤ بتوفير عوائد أقل من المتوقع إزاء حصيلة الـ %10 الإضافية على المشتريات والخدمات. فالمستهلكون في المملكة طِبقاً لفئات الدخل فإن أكثر من %80 منهم أصحاب دخول ثابتة، وهي النسبة الأكثر تأثيراً في معدل الاستهلاك، ما يعني انحسار قدرتهم الاستهلاكية على مدى الفترة المقبلة، والذي ربما يُصيب المالية بخيبة أمل شديدة بنهاية العام الجاري.

فإذا علمنا أن متوسط أجر السعودي لا يتجاوز 8500 ريال، ومتوسط أجر الوافد لا يتجاوز 6000 ريال، بالإضافة إلى متوسط معاش المتقاعد والذي يتراوح بين 5000 و6000 ريال، فإن رفع معدل الضريبة إلى الضِعفين وإيقاف بدل غلاء المعيشة بمقدار 1000 ريال، نكون بذلك قد دفعنا الفرد الواحد صاحب الدخل الثابت إلى تحييد إنفاقه في حدود 3260 ريال بدلاً من 4047 ريال، وفقاً لمتوسط أجر 8500 ريال. حيث أن كلاً من الزيادة الضريبية بمقدار %10 وإيقاف بدل غلاء المعيشة سيدفعان قوته الشرائية إلى النزول، على اعتبار أن نسبة %50 من الدخل تُنفَق على الاستهلاك، الأمر الذي وضعته المالية في الحسبان لكن بمجازفة!

لنقُل أن المالية اختارت أن تحتفظ بمقدار الضريبة القديمة وهي نسبة الـ %5، ولم تقُم بإيقاف بدل غلاء المعيشة، فهل ستتمكن من سد عجز الموازنة؟ ربما يكون هذا الخيار الصعب محفزاً آخر لدفع المستهلك لمزيد من الشراء والذي سيحقق عائداً مجزياً من الضريبة ذاتها (سابقاً)، إذا ما انخفض الإنفاق العام على المشروعات الضخمة بالتساوي مع البنود الأخرى الغير لازمة في الوقت الراهن.

لكن والحال أن القرارات الضريبية باتت أمراً مفروغاً منه، على الرغم من توفر بدائل سانحة كانت ستحقق نتائج تقريبية في المتوسط كالضريبة الانتقائية على جزء من سلة الاستهلاك والتي تستثني السلع الأساسية، أو ضريبة الدخل وفقاً للفئات (High – Low)، فإن المستهلك في مواجهة مع مرحلة تستلزم منه عقلنة استهلاكه بما يحقق الاعتدال بين حاجاته الضرورية وبين أمانه المالي.