يوم الخميس الموافق ل 30تموز-يوليو 2020، كان يوما آخر من أيام الخيانات التي تكالبت على تونس على مدى العشر سنين الماضية... وقد تمثلت هذه الخيانة في امتناع 20نائبا ونائبة عن التصويت لسحب الثقة من راشد الغنوشي كرئيس للبرلمان...

سبقت هذه الخيانة خيانة أخرى تمثلت في تصويت نواب حزب قلب تونس الذي يقوده رجل الأعمال، نبيل القروي لفائدة راشد الغنوشي ليكون رئيسا للبرلمان... ولولا ذلك التصويت لما حدث ما حدث...

وقد استغرب التونسيون مطلع العام الحالي التحالف المعلن بين حركة النهضة الإسلامية، وبين حزب قلب تونس... فخلال الحملة الانتخابية التي انتظمت في البلاد في خريف العام الماضي، صرح راشد الغنوشي في أكثر من مرة مؤكدا أن حركته لن تتحالف مع "الفاسدين" (يقصد نيل القروي الذي كان في السجن قبل بداية الحملة الانتخابية بتهمة التهريب الضريبي)، ولا مع حزب " المقرونة" (يقصد حزب قلب تونس بزعامة نبيل القروي الذي دأب بعد وفاة نجله خليل في حادث سيارة على توزيع المواد الغذائية على العائلات الفقيرة).

من جانبه، لم ينقطع نبيل القروي على التأكيد خلال الحملة الانتخابية على أن حزبه لن "يضع يده في يد حركة النهضة المعادية للدولة المدنية".

وقد صدقه الكثيرون من المناهضين للحركة المذكورة ليكون في المرتبة الثانية بعد قيس سعيد في الانتخابات الرئاسية، وليكون حزبه في المرتبة الثانية أيضا في الانتخابات التشريعية.
ومدركا للوزن الذي أصبح يحتله حزب قلب تونس داخل البرلمان، شرع راشد الغنوشي في التقرب من نبيل القروي، موحيا له بأن مستقبله السياسي مرهون بالتحالف مع حركة النهضة.

فإن أحجم عن ذلك يكون مصيره العودة إلى السجن بنفس التهمة المذكورة. وفي الحين انقلب نبيل القروي على نفسه، متنكرا لمواقفه السابقة من حركة النهضة، ليصبح حليفا لها، ناعتا راشد الغنوشي ب"الوطني"، وب "رجل الدولة القدير"...

ومنذ جلوسه على كرسي رئاسة البرلمان التونسي، لم ينقطع راشد الغنوشي على مراكمة الأخطاء...

وأول خطأ هو أنه لم يتردد منذ البداية في تجاوز صلاحياته، زاعما أنه ليس فقط رئيسا للبرلمان، بل "رئيسا لكل التونسيين". لذلك سمح لنفسه باستقبال الوزراء والسفراء. وباسم ما سماه ب"الديبلوماسية الشعبية"، تدخل أكثر من مرة في السياسة الخارجية، محاولا جر تونس إلى الاصطفاف مع تركيا وقطر بخصوص الملف الليبي.

وداخل المجلس دأب راشد الغنوشي على اظهار موالاته المطلقة لنواب حركته، وللنواب الموالين لها، تاركا إياهم يفعلون وما يشاؤون. لذلك تكاثرت الانشقاقات والخلافات والصراعات داخل المجلس، وسادت الفوضى بشكل لم يسبق له مثيل. وعندما تعددت وتكاثرت الأصوات المطالبة بسحب الثقة منه، دعا راشد الغنوشي ب"الموت لأعداء ديمقراطيتنا"، متجاهلا أن الديمقراطية الحقيقية تتنافى مع الدعوة للعنف والتقاتل والتنابذ...

وبساندة نواب معروفين بإخلاصهم الوطني، وبنظافة أياديهم، قادت السيدة عبير موسي، زعيمة الحزب الحر الدستوري حملة سحب الثقة من راشد الغنوشي. وقد لاقت هذه الحملة صدى واسعا لدى كل المعارضين لحركة النهضة. ورغم أنها فشلت في تحقيق هدفها، فإن هذه الحملة كانت ضربة موجعة لراشد الغنوشي سياسيا وانسانا.

كما فضحت نوابا لا يترددون في بيع ضمائرهم مقابل الحفاظ على مصالحهم الآنية. أما مصلحة الوطن فلا تعنيهم لا من قريب ولا من بعيد...

لذلك يردد التونسيون هذه الأيام أبياتا من النشيد الوطني تقول:
فلا عاش في تونس من خانها
ولا عاش من ليس من جندها
نموت ونحيا على عهدها
حياة الكرام وموت العظام .