لسنا نذيع سرا لو قلنا بأن معظم بلدان المنطقة والعالم سيتنفسون الصعداء لو حدث تغيير سياسي حقيقي في إيران وتم إسدال الستار على عهد نظام ولاية الفقيه وطي صفحته الى الابد. ولاغرو إنه وفي ضوء ماجرى بسبب نظام ولاية الفقيه في المنطقة من أحداث وتطورات وتداعيات فإن معظم هذه البلدان لها الحق في أن تتنفس الصعداء عند حدوث تغيير في إيران يغيب بموجبه هذا النظام شکلا ومضمونا، اليوم وبعد أن بدأت تظهر ملامح اليأس والقنو‌ط على سحنات الاوساط التي کانت تراهن على حصان الاصلاح والاعتدال الکسيح في إيران وطفقت تراجع حساباتها وتريد أن تسلك نهجا جديدا للتعامل مع هذا النظام، فإن هذه الاوساط تدرك وتعي في قرارة نفسها من إنه ومن دون حدوث تغيير حقيقي في طهران فإن التهديد والخطر الذي مثله ويمثله هذا النظام سيبقى قائما، لکن ومع الاخذ بنظر الاعتبار والاهمية من إن الشعب الايراني بإعتباره من أکبر المتضررين من هذا النظام فإنه معني بالدرجة الاولى بحدوث التغيير الحقيقي وسيکون بالضرورة المستفيد الاکبر منه، بيد إن ذلك لاينفي من أن هناك آخرون معنيون أيضا بالتغيير الحقيقي في إيران، ذلك إن إلقاء نظرة على الاحداث والتطورات الجارية خلال العقود الاربعة المنصرمة، تدل على إن هناك فعلا الکثير من الاطراف المعنية بالتغيير في إيران، ومن المفيد أن نلقي ضوئا في القسم الاول من هذا المقال على ماقد حدث بهذا الصدد وماقد بذل من جهود من أجل التأثير على هذا النظام ودفعه بإتجاه السقوط.

عندما بدأ الرئيس الامريکي الاسبق بيل کلينتون في آذار عام 1993، بإنتهاج ماسمي بوقته"سياسة الاحتواء المزدوج" تجاه النظامين القائمين في العراق وإيران، فقد کانت الغاية من هذه السياسة تقويض نظامي الحکم في البلدين والحد من قوتهما وتأثيرهما بمختلف الاتجاهات.

هذه السياسة التي کانت تقوم على أساس إعتبار إن حکم نظام البعث في العراق بقيادة الرئيس الراحل صدام حسين وحکم نظام ولاية الفقيه في إيران بقيادة الخميني، نظامين خارجين على القانون أو ماسمي في حينه بنظامين مارقين، وانهما مصدر تهديد للسلام والاستقرار العالمي من خلال مساندتهما للإرهاب ومن خلال بنائهما قدرات عسكرية نووية وكيماوية. لذلك تهدف هذه السياسة إلى بناء تحالف دولي يحد من حصول إيران والعراق على أسلحة جديدة ومتطورة وبالتالي إضعافهما معا ومنعهما من ممارسة أي دور إقليمي مؤثر ووضع حد لنفوذهم في النظام الإقليمي الخليجي، بل وفي العالم كله. وقد تم دعم هذه السياسة من خلال تقديم دعم قوي للقوى المعارضة في هاتين الدولتين، ومن خلال استمرار الحصار الاقتصادي والتجاري كما تم دعم هذه السياسة من خلال التواجد العسكري الأمريكي المكثف المتمثل في القوات التابعة للقيادة المركزية والأسطول الخامس الأمريكي الذي جهز من أجل حماية المصالح الأمريكية والدفاع عن الدول الصديقة في النظام الإقليمي الخليجي. هذه السياسة والحق يجب أن يقال قد تم تنفيذها بحذافيرها ضد العراق، في حين ليس لم تطبق إدارة کلينتون هذه السياسة على إيران کم کان يجب وإنما عملت على العکس من ذلك تماما.

واحدة من أهم المرتکزات التي کانت تقوم عليها سياسة الاحتواء المزدوج، کما أشرنا إليها آنفا، تقديم دعم قوي للقوى المعارضة في هاتين الدولتين، وفي الوقت الذي تم فيه تقديم دعم قوي لايمکن إنکاره لقوى عراقية معارضة کان العديد منها يقيم قادتها في الفنادق ولاتواجد لها على الارض في العراق بل وحتى القوى المعارضة الاخرى التي کانت تتخذ من إيران ملاذا لها، لم تکن تمتلك تلك القاعدة الصلبة في الداخل والتي يمکنها الارتکاز عليها ولذلك فقد کان التحالف السياسي الذي بنته الفصائل الشيعية الموالية لنظام ولاية الفقيه مع القوى الکردية مع الشروع بتطبيق هذه السياسة کان يهدف الى تهيأة الارضية اللازمة لها عندما للوقوف بوجه النظام في العراق مع الاخذ بنظر الاعتبار إن هذه القوى الموالية لإيران کانت تقوم بتنفيذ مايرسم ويخطط لها في طهران التي کانت تحرص أشد الحرص على الاستفادة من هذه الفرصة"السانحة".

في الجهة الاخرى، أي إيران، فإن الذي قامت به إدارة کلينتون بموجب ومقتضى هذه السياسة، کان إدراج منظمة مجاهدي خلق في قائمة الارهاب في الوقت الذي کان معروفا وواضحا بأن هذه المنظمة کانت ولازالت من أشد خصوم نظام ولاية الفقيه وأشدها قوة وبأسا ولها تأريخ طويل في مواجهة هذا النظام فيما قامت بدعم وتإييد ومساندة قوى معارضة أثبت الواقع والمنطق والتأريخ من إنها کانت ولازالت أبعد ماتکون عن التأثير الفعال على النظام الديني أو بإمکانها أن تغير من مسار الاحداث والتطورات، وهذه نقطة مهمة جدا يجب أن ننتبه لها جيدا وکما سيأتي في سياق هذه المقالة التي تستقصي الفشل الامريکي بشکل خاص والغربي بشکل عام في تقويض النظام الايراني وإضعافه.

لماذا تم إدراج مجاهدي خلق ضمن قائمة الارهاب؟ هل کان مخططا لذلك في واشنطن من قبل الدوائر السياسية مثلا؟ ثم ماذا کان الهدف من وراء ذلك؟ المثير للسخرية إن سياسة الاحتواء المزدوج التي کانت تسعى لتقويض وإضعاف نظامي بغداد وطهران معا، لم يکن کما يبدو تعمل بنفس الاتجاه مع الاخيرة ولاسيما في ضوء حالة التودد والغزل الملفتة للنظر بين إدارة کلينتون وبين الرئيس الايراني الاسبق محمد خاتمي والضجة المفتعلة التي رافقته بشأن مزاعم الاصلاح والاعتدال والانفتاح على العالم والذي ثبت بأن معظمها کان مجرد هراء، إذ کان من نتيجة حالة التودد والغزل المشوهة إدراج أهم وأقوى معارضة إيرانية فعالة في قائمة الارهاب، ويبدو واضحا بأن النظام الايراني قد تمکن من إستباق الاحداث ونجح في الالتفاف على سياسة الاحتواء المزدوج وإجهاضها إيرانيا في أهم وأقوى نقطة لها، ذلك إن تحجيم دور ونشاط مجاهدي خلق کان له الکثير من المعاني حيث لو کان قد حدث العکس کما جرى مع العراق وتم دعم وتإييد مجاهدي خلق بنفس القوة مع القوى العراقية المعارضة لکان الامر قد جرى بسياق مختلف تماما، وقد ينبري البعض متسائلا؛ کيف؟ ماذا کان سيجري؟

لمعرفة الحجم والقوة التي تمثلها مجاهدي خلق لابد من التطرق الى ماضيها القريب جدا مع تطبيق سياسة الاحتواء المزدوج، حيث إن هذه المنظمة التي شکل أعضائها غالبية أفراد جيش التحرير الوطني الايراني الذي قام في 20 من حزيران 1988، بتنفيذ عملية"الثريا" أثناء الحرب التي کانت قائمة بين العراق وإيران، أي قبل تجرع الخميني لکأس السم بقبوله بقرار وقف إطلاق النار بشهرين تقريبا، ودارت معارك هذه العملية مع الجيش الايراني وقوات الحرس الثوري على جبهة تتکون من أربعة محاور بطول 50 کيلومتر من أجل التقدم والتغلغل لعمق 20 کيلومترا، تم خلالها السيطرة على مدينة مهران وخلال ساعات تم تدمير الخطوط الامامية للجيش والحرس ووقتها فقد إنعکست أصداء هذه العملية بصورة إستثنائية في الاعلام العالمي لأنه قد تم فيها مايلي:
تم تدمير الفرقة المدرعة 16 قزوين و التي کانت من أهم الفرق المرعة التي يعتمد عليها جيش الملالي، تدميرا کاملا، وتم اسر عدد من الضباط القياديين کما تمت السيطرة على مرکز القيادة للفرقة في عمق مرتفعات شمال مهران.

ـ تم سحق الفرقة 11 للحرس الثوري الايراني المکون من 9 أفواج مشاة، مدرع، مدفعية، کما تمت السيطرة على مقر قيادتها.
ـ فوج کامل للکاتيوشا و عدد من أفواج المدفعية و عدد من أفواج الدفاع و الاسناد، تم تدميرها کاملا.
عدد أفراد جيش النظام الايراني في هذه المنطقة کان يصل الى 16 ألف حيث قتل و جرح 8 آلاف فرد منهم و تم أسر 1500 منهم أما البقية فقد لاذت بالفرار أمام مقاتلي الحرية و تم بالنتيجة تدمير 35 فوجا للعدو تدميرا کاملا).
وقد غنمت قوات جيش التحرير الوطني الايراني خلال هذه العمليات غنائم کبيرة جدا من أهمها:
ـ 54 دبابة جلها من طراز شيفتن.
ــ 48 مدرعة 13 منها خاصة للقيادة.
ـ 33 مدفع عيار 130 مليمتر و 155 مليمتر.
ـ ثلاثة سيارات مدرعة مجهزة بمدافع شليکا الموجهة بالرادار.
ـ مئات من الاسلحة المختلفة من ضمنها مدافع 106 مليمتر و راجمة مدافع ميني کاتيوشا، مالوتکه‌، تاو، دراغون و السيارات الحاملة لها.
ـ مئات السيارات العسکرية الخاصة بالاتصالات و النقل و ناقلة العتاد و الماء و سيارات الاسعاف و الشاحنات و سيارات الجيب العسکرية.
ـ الاف من الاسلحة الخفيفة و شبه الثقيلة الفردية و الجماعية و مدافع 60 و 81 و 82 و 120، مليمتر.

وقد استغرقت عملية نقل الغنائم أکثر من اسبوعين لضخامتها و قد شاهدت وسائل الاعلام العالمية عن کثب مدينة مهران و هي محررة بيد جيش التحرير الوطني، وقدرت قيمة الغنائم بحدود ملياري دولار.

ولاغرو فإن هذه العملية کانت واحدة من أهم العوامل والاسباب التي دفعت الخميني لتجرع کأس السم، خصوصا وإن هناك تصريح ملفت للنظر لهاشمي رفسنجاني بعد إعلان وقف إطلاق النار بين البلدين بعد قبول الخميني للقرار، حيث قال:" قبول القرار يعتمد على الکثير من المسائل التي أکثرها من ضمن الاسرار العسکرية السياسية، ولا أستطيع توضيحها." وکلام رفسنجاني هذا لو قرأنا مابين سطوره ولاسيما بعد أن دخلت مجاهدي خلق ساحة الحرب بين البلدين وقامت بعلمياتها الحربية ضد القوات الايرانية، فإن خوف النظام لم يکن من القوات العراقية لأن هدف القوات العراقية کان ينتهي مع إعلان وقف إطلاق النار کما توضح، ولکنه کان من مجاهدي خلق التي لم تکن تتوقف إلا في طهران، والذي ساهم بزيادة حالة القلق والخوف من المنظمة إن الخطوط الدفاعية للجيش والحرس الثوري کانت تنهار وتسقط أمام تقدمها.

ولکن القصة لاتنتهي هنا، إذ أن مجاهدي خلق لم تقف مکتوفة الايدي بعد قرار وقف إطلاق النار وقامت من خلال جيش التحرير الوطني بتنفيذ عملية"الضياء الخالد" في الثاني من آب/أغسطس 1988، والتي سماها النظام الايراني من جانبه"المرصاد"، حيث تمکن جيش التحرير الوطني خلالها تحرير مناطق شاسعة ووصلت الى مشارف مدينة کرمانشاه وحينها أعلن الخميني النفير العام، وتمکن بشق الانفس من درأ الخطر المحدق به، ولکن إدارة کلينتون مع کل هذه الامور نظرت کما ينظر النظام الايراني للمنظمة وأدرجته في قائمة الارهاب وبذلك فقد قدمت أکبر خدمة لهذا النظام ووجهت أکبر ضربة من نوعها لنضال الشعب الايراني من أجل الحرية وللموضوع صلة.