ابقوا معنا .... ترامب هو المرشح القوي الذي سيعود إلى الرئاسة الأمريكية للمرة الثانية. هو ليس تنجيما، أنما محاولة ربط الأفكار والمواقف في سياق الأحداث السياسية، ودراسة السلوك الأمريكي واتجاهاته. فهناك تقلبات سريعة، وأحيانا غبية في اتخاذ قرار حسم الرئيس المقبل. هناك مزاج برتقالي يرتفع وينخفض مع جو الصراعات والمناكدات. فالاقتصاد يرتفع صعودا مع الناخب في قرار الحسم على حساب كورونا. وأزمات ترامب وصراعاته مع الآخرين سر نجاحه كما يبدوا! والتاريخ يقول لنا أن الجماهير تنفعل فتعمل ولا يهم أن تندم فيما بعد!

يتذكر الأصدقاء، ومن يقرأ لي، ويتابع مقالاتي، بأنني توقعت صعود الرجل إلى الرئاسة قبل ترشحه وصعوده الصاروخي للرئاسة. عندما كان الرجل شخصية عادية جدا لا طعم لها خلف الكواليس. كان مجرد ذكره يعتبر مزحة ونكتة من نكات العصر. وكانت شخصيته تثير جدلا، فهي تجمع بين هزل السلوك، وسذاجة الموقف. فقد كان يتطلب من العالم منذ ترشحه للرئاسة، بصيرة لا بصرا لرؤيته على حقيقته.

فالرجل يعيش على الأزمات المتوالية بالإثارة والتحدي للأخرين. فقد تحدّى منذ مجيئه للرئاسة كل القواعد والمؤسسات التي حكمت السياسة الداخلية الأميركية، وجاء من خلف المشهد، لكي يصبح هو النجم الفائز في واحدة من أكثر الانتخابات الأميركية غرابة.ولم يتعامل أحد مع ترامب بجدية، بل قدموه في صورة المهرج، المرشح الذي ينشر الفكاهة والمرح. بل تواطأ الجميع مع هذه الصورة لترامب، المؤسسات السياسية والإعلامية، ومؤسسات استطلاع الرأي العام، ولم يعتقد أحد إن ترامب الذي يعيش وسط دولة مؤسسات يمكن أن يشكل انقلابا على الصيغة الأوبامية، ويعيد ماكان معطلا من قرارات استراتيجية إلى الحياة بطريقة جريئة!

مشهد اليوم يشبه مشهد الأمس بالشكل العام. هناك مزاج أمريكي متذبذب بين خيار ترامب وبايدن. كلاهما لهما مزايا محددة بالزمن والوقائع، ومرتبطة بخيال الناخب. ترمب قالها في الرئاسة الأولى ونفذ الكثير منها على صعيد الاقتصاد والبطالة والهجرة والضرائب. واستعاد دور أمريكا بدون حروب، رغم جنونه وغطرسته. وبايدن تكلم كثيرا مع رئيسه أوباما عن الأمنيات، ولم يحققا شيئا في تطوير حياة الأمريكي. كانت ولايتهما مجرد خطابات رنانة كما تقول الصحف الأمريكية وبناء تنظيمات إرهابية كداعش لخلق الفوضى الخلاقة.
ومن حسن حظ ترامب، وهو يدخل البيت الأبيض لأول مرة انه جاء في عصر رقمي، حيث السيادة المطلقة فيه لوسائل التواصل الاجتماعي. وشباب رقمي ضائع في تخمة المعلومات المتناقضة، يكره مؤسسات الدولة العميقة وسطوتها وسيطرتها وفسادها. فمعظم الرؤساء السابقين مروا بمرحلة عضوية الكونغرس بمجلسيه، الشيوخ والنواب، أو كانوا حكاماً للولايات. وبالتالي تعاملوا مع مؤسسات الحزبين وكانوا جزءاً منها، إلاّ دونالد ترامب، فقد جاء من حياة صَاخبة ضاجّة بالفضائح والمَشاكل، ومن عالم البيزنس، المال والأعمال، وغبار المناجم!

والاهم كما أرى، بأن سيكولوجية الأجيال الجديدة، هي سايكولوجية الشخصيات غير التقليدية في السلوك والأفكار في الاختيار. فنحن امام جيل متغير المزاج والرؤى، وعالمه عالم افتراضي يقوم على الخيال والغرابة والتجديد. لكن الأكيد إن العامل السيكولوجي، وليس العقلي، سيكون وراء فوز الرئيس للمرة الثانية! كما إن خطبه وتغريداته الصاروخية اليومية المليئة بالقرارات الرسمية والتهديد والوعيد تتماشى مع غرائزهم وانفعالاتهم وهو القائل (أنا الناجح ..انظروا لتاريخي، أنشأت العديد من المشاريع العملاقة الناجحة، وهذا ما سأقوم به لأميركا، عكس بقية المرشحين.. الذين لم يفعلوا شيئاً ذا قيمة في حياتهم ولا يجيدون إلا الحديث)
وهناك ظواهر آخري كظاهرة (الشعبوية)، أى أن الطبقة المتوسطة والأقل من المتوسطة أصبحت نشيطة وفعالة بصورة غير مسبوقة في السياسة الأمريكية. وهذه الطبقة تريد رئيسا حيويا ونشطا يعيد لها هيبتها. وترامب هو المعبر عن المجتمع الأمريكي المتطرف والذي بات يتصرف فيه الأغلبية على أنهم أقلية لشعورهم أنهم مهددون في المستقبل، وهذا يدفعهم للتطرف أكثر واختيار شخص كترامب!
لقد أخطأ منجمو السياسة في دراسة شخصية ترامب. فالرجل ليس خارقا بالسياسة وفهم أسرارها، وليس حكيما وجريئا بالطريقة التي نراها، وبقراراته التي تتحدى العالم. فالرجل جاء في الوقت المناسب، حيث لا يوجد من ينافسه من الأقوياء حضورا وشخصية وقبولا من المجتمع الأمريكي. بل أمامه شخصية لا تتمتع بالحيوية والأثارة والكاريزما. رجل عجوز افّل نجمه السياسي منذ عهد أوباما عندما كان نائبا له.

هناك نقاط أخرى لصالح فوز ترامب للولاية الثانية. فالرجل صنع لإسرائيل خدمات كبيرة ما لم يستطع الرؤساء السابقون تقديمه لها من خلال فتح باب التطبيع بينها وبين العرب، مستثمرا ظروف المنطقة وتعقيداتها. لذلك ستكون الحركة الصهيونية بأموالها ونفوذها السياسي والاجتماعي وراء فوزه كما اعتقد. كما إن حملاته للعلاقات العامة والتسويقية كانت أكثر فاعلية ابتداء من أصابته بكورونا وملابساتها السرية، وانتهاء بنشاطاته في الولايات الأمريكية المتذبذبة التي ستكون هي الحاسمة لفوزه.
ساعات تفصلنا عن نتائج الانتخابات التي ستشهد الكثير من العنف والتناقضات والجدل بين جمهور الحزبين. وساعات ترقب وهوس في بلاد العرب لمتابعتها من قبل الدول والشعوب. فهناك حزن لدى البعض على مجيء ترامب للفترة الثانية، لأنه برأيهم رجل مهووس بثقافة (الدولة العظمى)، وبفنتازياته المثيرة للجدل والسخرية. وهناك من يريده حاضرا في المنطقة لأسباب سياسية تتعلق بتدخلات إيران وميليشياتها! لكن الكل هو الخاسر، لأن السياسة الأمريكية هي سياسة مؤسسات. ومراهنة العرب على أحدهم هي مراهنة خاسرة على المدى البعيد!

ومع ذلك ليس أمام العرب إلا خيار التعاطف والمحبة مع من يقلل عليهم خسائر الوجود، فالمال موجود والعتب مرفوع. وترامب سيكون عاقلا بعض الشيء، ومجنونا كبيرا في اتخاذ القرارات المصيرية. فالرجل مجنون بداء العظمة، لكنه قد يحقق بعض طموحات العرب في هذه الفترة الخطيرة والعصيبة من جراء زلازل الحروب والطائرات المسيّرة وانتهاك السيادات!
انتظروا الرجل المجنون إذا فاز في الرئاسة الثانية. ربما يحقق بعض طموحاتنا أكثر من العقلاء الذين أغرقوا أوطاننا بالدم، وشردوا العباد خارج بلدانهم، وأنتجوا لنا داعش وأخواتها. أما إذا لم تتحقق الآماني بحظ تعيس، فأنني أعتذر للعرب وللقراء على هذا التنجيم. كما أعتذر للرفيق بايدن لأنني فشلت في صنع طبخة العرب المفضلة وهي البرياني باللحم!