منذ زمنٍ طويل وفي نهاية كلّ أربع سنوات ودون سابق إنذار وخلال عدّة أيام قبل إجراء عمليّة تداوّل السلطة في الولايات المتحدة، تنطلق وسائل الإعلام العربية والعراقيّة والشرق أوسطية بالتحديد بضجةٍ إعلامية واهتمامٍ مبالغ به جداً بالانتخابات الأمريكيّة، حيث ينقسم ضحايا الإعلام الموجّه بين فريقي الجمهوري والديمقراطي وبشكلٍّ مثيرٍ أكثر من الانتخابات نفسها، بل وبحماسٍ يزايد على الأمريكيين الّذين يجهل غالبيتهم من هو الرئيس الأمريكي!؟

هذا الاهتمام المبالغ به جداً من قبل قنوات التلفزّة والإذاعات والمحللين السياسيين، يذكرنا بالدارج المحلي الّذي يصفُ حالة هؤلاء بالّذين (يتبللون قبل المطر)، حيث التهويل والتحليل من النتائج، وكأن الفائز في تلك الانتخابات إما سيدمر المنطقة أو سيخفض مستوى الفقر في هذه البلدان ويقلل نسبة وفيات الأطفال ويرفع مستوى معيشة هذه الشعوب، بل أن إيحاءات بعضهم تؤشر بأن أحدهم سيكون سبباً في تمتع شعوب هذه المنطقة بسلامٍ وديمقراطيةٍ تختفي فيها الصراعات القَبلية وعبادة الأوثان البشرية، والكارثة أن معظم الواقفين خلف كواليس الدبكات الإعلامية للانتخابات الأمريكيّة، يدركون أن ثوابت الخارجية والبنتاغون واحدة لا تتغير، والدليل القضية الفلسطينية والكوردستانية، اللتان ما اختلف في أبجدياتها أي رئيس أمريكي من كلا الصنفين!

والمشكلة التي تواجّه معظم النّخب السياسيّة والإعلامية في معظم دولنا هنا في الشرق الأوسط وخاصةً تلك التي أُزِيحَ حكامها بالقوّة، هي أن البديل هو استنساخ عملية تداوّل السلطة على الطريقة الأمريكيّة في بلدانٍ غابت عنها ومنذ عشرات السنين مظاهر المدنية وانكفأت في دهاليز النُّظم البدائية، التي أنتجت نظام العشيرة وممارساتها التي عفا عنها الزمن وكرستها أنظمة الرئيس القائد والحزب الأوحد والشد الطائفي، لتكون واحدة من أدواتها ووسائلها التي تسيطر فيها على الغالبية المسطحة في المدن والقرى من خلال نظامٍ بائسٍ يلغي بالتمام والكمال أي مفهومٍ راقٍ للمواطنة والانتماء لشعب أو أمة أو وطن، فما بين ديمقراطيات الغرب واستنساخاتها في الشرق تُصنع أنماط من الديكتاتوريات المشرعنة بأدوات تداوّل السلطة عبر صناديق الاقتراع الممغنطة بالفتاوى أو بالولاء القبلي أو المذهبي، ليتم تنصيب أوثان بشرية بدلاً عن دكتاتوريات الجمهوريات والرؤساء الملهمين، فمجالس الرئاسة وقيادة الثورة ومجالس الشعب والنواب والبرلمان والجمعيات الوطنية والشورى في بلداننا الشرق اوسطية عموما، تتعدد فيها التسميات وتبقى الدكتاتورية واحدة!.

[email protected]