ليس هناك من منار ودليل للباحث والمتقصي عن الحقيقة من أفضل وأجدى من التأريخ في توضيح المقاصد وماخفي من الامور، ذلك إن التأريخ أکبر مدرسة تعليمية توجيهية للإنسانية وليس بالامکان الاستغناء عنها وحتى إن المغول عندما کانوا يغزون البلدان فإنهم کانوا يسألون ويبحثون في طباع شعوب تلك البلدان في ضوء تواريخها ولذلك فإن البحث والتقصي في الاوضاع في إيران في ظل حکم نظام ولاية الفقيه المستمر منذ 41 عاما يدفع للبحث في التأريخ الايراني نفسه والمقارنة بين المراحل التي مرت بها إيران بصورة عامة وبين المرحلة الحالية لحکم نظام ولاية الفقيه وذلك من أجل تقييم الاخير في ضوئها والحکم عليه تبعا لذلك.

هناك نقطتان مهمتان جدا أود الاشارة إليها وأنا في خضم التصدي لهکذا موضوع مهم وحساس له علاقة بالمنطقة بشکل خاص والعالم بشکل عام، وتتعلق الاولى بمقارنة نظام ولايـة الفقيه بالدولة الصفوية، ونعتها بشتى الاوصاف السيئة على خلفية مقارنته بالدولة الصفوية، والنقطة الثانية مقارنته بنظام الشاه وإنه إمتداد له وفي المقارنتين وجه خطأ لابد من الانتباه إليهما، إذ أنه بالنسبة لمقارنته بالدولة الصفوية، أجد من المفيد جدا لفت الانظار إن هناك ثمة خطأ وإشتباه في هذه المقارنة من ناحيتين مهمتين جدا هما:
الاول: إن الدولة الصفوية مع الاخذ بنظر الاعتبار کشأن داخلي إيراني(وليس کشأن إسلامي عام يتعدى الحدود الايرانية)، کانت مفيدة للشعب الايراني لأنه تنعم في ظل حکمها بظروف وأوضاع أفضل من کل النواحي.

الثاني: الدولة الصفوية تمکنت ونجحت في نقل إيران من مرحلة ضعف وضياع وتراخي الى مرحلة قوة وعزم وحزم وجعلتها رقما صعبا مهما على مستوى المنطقة والعالم إذ أن الدولة الصفوية کانت أعظم دولة في التأريخ الايراني وحققت أکبر نهضة من نوعها في التأريخ الايراني.

أما بالنسبة لمقارنة نظام الملالي بنظام الشاه، فإنني أجد من المناسب التأکيد على إن نظام الشاه وعلى الرغم من سلبياته الکثيرة ومن إنه نظام دکتاتوري قمعي ويداه ملطخة بدماء الشعب الايراني، فإنه لم يرتکب من الظلم الفاحش والاستثنائي الذي إرتکبه نظام الملالي بحق الشعب الايراني خصوصا إذا ماعلمنا بأن الاوضاع الاقتصادية بصورة عامة والمعيشية بشکل خاص في ظل نظام الشاه لم تصل أبدا الى المستوى المتردي والوخيم الذي وصلت إليه في ظل نظام الملالي ففي زمن الشاه لم يقم الشعب ببيع فلذات أکباده ولاباع أعضاء جسده من أجل أن يوفر العيش لنفسه ولعائلته والانکى من ذلك إن الادمان على المواد المخدرة في عهد نظام الشاه لايمکن مقارنته بما قد وصل إليه في عهد الملالي، کما إن نظام الشاه ومع إنه کان بمثابة "شرطي المنطقة"، لکنه لم يصل به الامر الى حد التدخل السافر في بلدان المنطقة وحتى إن تدخله في القضية الکردية في العراق کان محددا وله خطوط حمراء لم يتجاوزها.

نظام الملالي يتميز ليس عن الدولة الصفوية وعن نظام الشاه بأنه الأسوأ منهما وبإمتياز بل إنه أسوأ نظام على وجه الاطلاق في التأريخ الايراني برمته، ذلك إنه نظام إضافة الى إنه لم يقدم شيئا للشعب الايراني ولم يحقق تقدما ونهضة فعلية لإيران تکفل للشعب الايراني الرخاء والنعيم فإنه قد أثقل کاهله وجعله ينوء بما لم ينوء به في أي عصر من العصور التأريخية التي مرت بإيران، وإنه من المثير للسخرية بأن هذا النظام وبعد 41 عاما من حکمه فإنه يواجه رفضا شعبيا عارما يعترف به ويقر بأن الاوضاع قد تنفجر بوجهه بأية لحظة، کما إنه يواجه معارضة سياسية فکرية عنيدة صعبة المراس متمثلة في المجلس الوطني للمقاومة الايرانية، وإن هذا النظام والانکى من ذلك إن العزلة الدولية الخانقة التي يواجهها والتي تزداد وتتضاعف بعد سلسلة من الاحداث والتطورات التي فضحته على رٶوس الاشهاد، نظير إغتيال الرجل الثاني في تنظيم القاعدة الارهابي في شوارع طهران، وکشف مخططه الارهابي من أجل تفجير التجمع السنوي للمقاومة الايرانية في قاعة فليبنات بباريس عام 2018، ومايجري من محاکمة لقائد تنفيذ هذا المخطط في بلجيکا، ووصولا الى الرسالة التي بعث بها سبعة من خبراء الامم المتحدة في مجال حقوق الانسان بشأن مجزرة عام 1988 وإنتهاءا بإعدامه للصحفي روح الله زم الذي إختطفه من بغداد، فهل هناك من حالة ضياع يمکن أن تقارن بهذه الحالة البائسة التي يعاني منها نظام الملالي والتي هي في الحقيقة محصلة ضياع مستمر منذ 41 عاما من حکم هذا النظام؟!