لماذا عجزت الشعوب المحرومة من الحرية والديمقراطية، وتجاه كل ما تتعرض له من اعتداءات، وظلم، وجورمن تغير واقعها في العام الماضي إلى الأفضل؟ ولماذا لم ينتفض الناس ضد انتهاك أدميتهم، وحقوقهم التي تتعدد صورها؟.. سواء كان ذلك بالتجويع تارة، أو الترويع تارة أخرى، أو الضغط المستمر عليهم من قبل حكومات لا تعرف الرحمة، حتى يهجروا الأوطان باحثين عن أوطان أخرى لا ترحب بهم غالبا؟
أحداث هي كثيرة التي تقع يوميا حولنا في هذا العالم، ولا يستطيع أحد أن يعطي لها تفسيرا منطقيا يتوافق مع منطق العقل الإنساني في الرحمة ومساعدة الضعيف، بالضبط كما يحدث الآن في أوربا السياسية التي تتكتل في شكل تيارات يمينية وشعبوية تقف في وجه موجات اللجوء التي تهرب إلى القارة بحثا عن بقايا إنسانية تنقذهم من الخراب الذي يطاردهم ـ فهل موت الشعور هذا حالة مرضية جماعية؟
هذه الأسئلة الحائرة التي عادة ما تدور في ذهن الناس يوميا.. حاول البروفيسور الألماني "فيليب كانزكي" المتخصص في علم السلوك الاجتماعي الإنساني في جامعة دريسدن أن يجيب عليها من واقع التعاطف في الدول المتقدمة مثلا مع حقوق الحيوان والحفاظ عليها على عكس ما يحدث مع محن البشر في دول العالم الثالث، مثل مايحدث مع أفواج اللاجئين التي تغرق يوميا في البحر المتوسط وهم في طريقهم إلى أوروبا بحثا عن بقايا إنسانية لم يجدوها في بلادهم ؟ ، أيضا لماذا لم تسجل حالات من التعاطف الإنساني العالمي مع أطفال الحروب في سوريا، والعراق، واليمن الذين يقتلون يوميا؟
يقول فيليب كانزكي: الأمر الطبيعي في سلوك البشر هو التعاطف مع مصائب الآخرين، والتعاطف هو غريزة بشرية تساهم في إنقاذ أناس وقعوا في مصيبة ما ، لكن عندما يتحول هذا التعاطف المفترض إلى حالة من اللامبالاة وعدم الاهتمام فانه يصبح حالة مرضية يطلقون عليها في علم النفس Alexithymia وهذا يعني أن من يصابون بهذه الحالة يصبحون سلبيين لدرجة كبيرة، ولا يتفاعلون مع ما يدور حولهم من أحداث، ولا يظهرون أي نوع من الاهتمام وتتبلد مشاعرهم تماما.!
ـ "الألكسثيميا "وفق التعريفات المرجعية لها تعرف.. بأنها نقص حاد في الانسجام مع النفس، وتبلد في المشاعر، وتظهر أعراضها علي شكل اضطراب نفسي يعجز فيه الإنسان عن التعبير بالكلام عن المشاعر والأحاسيس الخاصة به فيظهر مضطربا لا رأي له غير مبالي بالآخرين.
لا شك أنه في حالات معينة يمكن تطبيق هذه الحالة على الشعوب، ومحاولة إيجاد تفسير لعجزها عن تغير واقع السياسات التي تحكمها إلى الأفضل، خاصة عندما تتعرض إلى الظلم وتفشي الفساد بكل أنواعه وعلى كل المستويات لتحويل الشعب إلى أرقام صفرية لا قيمة لها..فيصبح انتفاضها أمرا محتوما لكنها لا تفعل!!
تفسير فيليب كانزكي حول ذلك يرى أن الانسجام النفسي للناس في هذه الحالة تحدده خصائص الضحايا أنفسهم ، ومدى إمكانية تأثير المقهورين والمعذبين في جلب حالة من التعاطف معهم أم لا؟!
واحد من أهم تلك الخصائص هو الانتماء الجماعي للناس، فإذا كان الشخص ينتمي لنفس الجماعة التي تعاني من نفس المعاناة يكون التضامن اقوى معه، لهذا قد نشعر بالتعاطف الفوري مع المجموعات القريبة منا، أما إذا كان الشخص لاينتمي إلى مجموعتنا فإن الشعور بالتعاطف يكون بعيدا وصعبا.
في حالة الكوارث والزلازل علي سبيل المثال رغم انها متكررة الا أن خلق الإعلام العالمي حالة شبه جماعية عندما يضع الحدث تحت التركيز الإعلامي فيتفاعل معها دماغ البشر بشكل يصنفهم جماعيا مشتركين في تقدير خطر الوضع القائم، في حين أن ضحايا اللاجئين الغرقى في البحر، أو المسجونين في سجون الدول الديكتاتورية، أوحتى انتشار ظاهرة خطف الأطفال وسرقة أعضائهم الداخلية وبيعها للعصابات الدولية لا تحظى بالعناية الإعلامية الكافية،هنا يصبح الوضع مختلفا فالتعاطف مع الحالة الاولى يكون اكثر، بل الأكثر من ذلك أن الأعلام المعاكس قد يعطي صورة مغلوطة بتصوير البعض على أنهم ضرر على المجتمع ، وهذا ما لا يستطيع معه خلق حالة إجماع يحدث معها التعاطف الدولي.
مثل أخر للألكسثيميا عند الشعوب، هو ما حدث بعد الثورات العربية في الربيع العربي، فعندما فشلت تلك الثورات، وتم الالتفاف عليها، وعاد القهر والظلم في المجتمعات، ساد الإحباط والتخبط وهذا ما يتفق مع حالة الالكسثيميا التي تصيب الإنسان، فهي غالبا تأتى بعد أن يتعرض الإنسان لصدمة كبيرة وهو ما حدث بالضبط، فبعد أن تعلق الناس بآمال وطموحات كبيرة، انهارت كلها واصبحوا الآن غير قادرين علي التعبير عما يجيش في صدورهم نتيجة تأثرهم بالصدمة.
لاشك ان لكل مرض علاج ، ويوم ان يتخلص العالم من كل من مسببات الامراض الاجتماعية التي اتي بها متطرفون، يمينيون، وديكتاتوريات ظالمة، وسياسيون فاسدون، فان العلاج يصبح سهلا ويسيرا ، وعندها سيعود الناس للعمل معا من اجل تغير واقعهم إلى الأفضل والأحسن في ظل مناخ صحي خالي من كل تلك الأمراض الاجتماعية والنفسية .
التعليقات