منذ أيّام تعرض وسائل التواصل شيئاً من إنتاج واحدة من الميليشيات التي تستخدم الكاتيوشا في التعبير عن رأيها، وهذا الشيء الذي أطلقوا عليه "فلماً قصيراً" بدا ناقصاً في فكره وأخلاقياته وتقنياته وتمثيله، ولم يتجاوز وظيفته الدعائية الساذجة، حيث عبر عن نمط تفكير ومستوى وثقافة الجهة التي أنتجته، والمتطابق تماماً مع سلوكها في التعبير عن الرأي وتشويه الحقائق، ويبدو أن العمل الدعائي هذا جاء كمحاولة لترجمة تمثيلية زعيم حزب اللّه في حديثه عن البارزاني أبان هجوم "داعش" على مخمور، والتي صرح بها قبل فترة مدعياً أن سليماني زار الرئيس بارزاني، مُبدياً استعداد بلاده للمساعدة، علماً أن سليماني هاتف الرئيس ولم يزره، وقد ذكر ذلك الرئيس بارزاني في أكثر من مناسبة وأمام الرأي العام، والفلم الناقص الأخير نجح حقيقةً في تحويل تصريحات نصر اللّه وادعاءاته التمثيلية إلى فلم قصير بائس لا ينقصه إلا الصدق والأخلاق.

ما يُستشف من هذه اللعبة هو إسقاطات سايكولوجية تُعاني منها هذه الجهات ليس مع البارزاني شخصياً فقط، بل مع البيشمركة كقوة أثبتت جدارتها عالمياً وتحولت من قوات لحماية الإقليم إلى رمز عالمي لمكافحة الإرهاب وتدميره، هذا الإسقاط هو مجموعات مركبات نقص متراكمة تاريخياً تُعاني منها كثير من القوى السياسية، التي تعاملت مع القضية الكوردية وخاصةً في السنوات الأخيرة سواء في العراق أو ايران أو بقية دول الجوار، التي فشلت في أن تقدم نموذج إنساني مزدهر لشعبها، أساسه قبول الآخر والتعايش السلمي الذي تميز به إقليم كوردستان منذ استقلاله الذاتي في 1992 وقيام مؤسساته الدستورية.

حرب "داعش" التي استهدفت كوردستان وتجربتها وكيانها كانت حرباً أيديولوجية عنصرية بالمطلق، وإقليمية تناغمت فيها الأهداف والوسائل وإن ظهرت إيهاماً بعض الاختلافات هنا وهناك؛ ومصيرية لكوردستان وكيانها، وقد أكّدت الشواهد ونتائج ما حصل على أن "داعش" ليست مجرد منظمة دينية عقائدية غرضها بسط نفود الدين وشريعته بمنظار قادتها، بل مشروعاً تدميرياً هدفه كل المكّونات العرقية والقومية والدينية المختلفة مع نهجه وفي مقدمة ذلك إقليم كوردستان وشعبه، حيث أدرك الرئيس مسعود بارزاني مدى خطورة هذه الهجمة، فلم يجلس في مكتبه ليدير حركات قواته ودفاعاتها، بل اندفع إلى الخطوط الأولى للقتال ولم يكن لوحده، بل أخذ معه كل من يستطيع حمل السلاح من أولاده وإخوته وأبنائهم، موزعاً إيّاهم على جميع خطوط المواجهة مع غزوات داعش، حيث شعر المقاتل ربما لأوّل مرّة في تاريخ الحروب أن القائد العام وأبنائه وإخوته يقاتلون جنباً الى جنب مع الجنود حالهم حال أي جندي في السلاح والذخيرة والمأكل والمشرب، حتى كتب اللّه لهم جميعاً النصر وحمى كوردستان وأرضها وشعبها من تلك الهجمة الهمجية المتوحشة.

لم يكن تنظيم الدولة الإسلامية حكراً كما يدعي لمذهبٍ بعينه، بل أنه نجح في جمع كل المذاهب تحت خيمة عنصرية متوحشة، مفعمة بالغرائز والأحلام المريضة، مستغلاً الخلافات ومندساً بين كل الأطراف، وليس عجيباً ما أظهرته وسائل الإعلام ومعلومات أمريكية مهمة عن تعاون وثيق بين جهات إيرانية وتركية وسورية وعراقية مع هذا التنظيم، الذي استُقبِلَ بالورود في كثير من المدن والبلدات من قبل أولئك الذين تلوثت أياديهم وجيوبهم بدماء الكوردستانيين وأموالهم في الأنفال وعمليات النّهب والسّلب التي رافقت كل حروب أنظمة العراق ضد كوردستان، حقاً كان فلماً ناقصاً بكل الاعتبارات أمام حقيقة ناصعة غدت رمزاً عالمياً في الحروب ومكافحة أعتى قوةً في الإرهاب عبر التاريخ، تلك هي بطولة البيشمركة وقائدها ولوحة النصر العظيم الذي رسمته دماء 1755 شهيداً و10 آلاف جريح من البيشمركة، حمّت فيها إقليم كوردستان وكسرت أسطورة "داعش" الإرهابية.


[email protected]